الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جورجيا وروسيا:الجيرة الصعبة

محمد سيد رصاص

2008 / 9 / 17
السياسة والعلاقات الدولية


تقع جورجيا،مثل تركيا،في نقطة التقاء أوروبا وآسيا،وقد كان تاريخ جورجيا يتأثر باستمرار بتنامي القوة في أطراف المثلث الذي تقع في وسطه:الشمال الأوروبي،وجنوبيه الأسيوي:عند بلاد فارس وفي آسية الصغرى،وبعد أن تقاسم الصفويون والعثمانيون أراضيها الشرقية والغربية بالقرن السادس عشر جاءت القوة الروسية الصاعدة بالقرن الثامن عشر لتضمها إليها في عام1801 عقب أن لجأ ملك جورجيا لتوقيع معاهدة حماية مع الإمبراطورة كاترين الثانية في عام1783 إثر تنامي الخطر الفارسي بالجنوب.
إذا نظرنا إلى تاريخ القوميات غير الروسية بإمبراطورية القياصرة،بالقرن التاسع عشر،نجد البولونيين والجورجيين الأكثر حراكاً ضد حكم المركز،مع تميز للجورجيين،الذين قاد ضمهم لروسيا إلى تواصل كثيف من قبلهم مع الثقافة الغربية الأوروبية، أدى إلى انخراطهم الواسع في حركات التغريب المعادية للقيصرية وللنزعة السلافية التي اجتاحت روسيا منذ (حركة الديسمبريين)في عام1825،وإلى اندماجهم الواسع في تلك الحركات باحثين عن(خلاص عام)،فيماظل البولون باحثين عن مسار انفصالي حتى داخل الحركة الماركسية(الناشئة كتنظيم في عام1898)،حيث كان الجورجيون عماداً رئيسياً لقوة الحركة الماركسية،وكانت تبليسي،التي ازدهرت فيها الصناعة وحركة سكة الحديد منذ تسعينيات القرن التاسع عشر كنتيجة لإكتشاف نفط بحر قزوين في باكو،مركزاً لإضرابات العمال واحتجاجاتهم.
ماتميزت به جورجيا هو ميلان الكفة بشكل كبير فيها،بعد انشقاق الحزب الإشتراكي الديموقراطي الروسي عام1903،لصالح خصوم لينين من المنشفيك،وكونها هي الخزان لقادتهم وممثليهم في(الدوما)منذ عام1906،كماأن معظم قادة هذا الجناح،الذين مثلوه في الحكومة المؤقتة بعد خلع القيصرإثر ثورة شباط1917،قد كانوا من الجورجيين،فيماكان رئيس(الدوما)آنذاك منهم أيضاً:تغيرت الحال مع ثورة أوكتوبر1917عندما قام المناشفة بإعلان انفصال جورجيا في 26أيار1918،وطلبوا الحماية البريطانية البحرية،لتتغير الحال في عام 1920 مع انتصار البلاشفة في الحرب الأهلية على خصومهم،حيث كان واضحاً بأن استيقاظ النزعة القومية الجورجية،ولوأخذ شكلاً ماركسياً منشفياً ضد البلاشفة،يرتبط بضعف المركز في موسكو،وهو شيء لم يكن موجوداً منذ عام1801 حتى ثورة أوكتوبر1917،لدرجة نجد فيها أن اجتياح الجيش الأحمر لتبليسي في 25شباط1921وانهيار الجمهورية الإنفصالية الجورجية قد أعقبه ثورة جورجية عنيفة ذات نزوع قومي انفصالي ،بقيادة أحد الأمراء المنتسبين للعائلة الملكية الجورجية القديمة،أتت في آب1924بعد ستة أشهر من استلام الجورجي ستالين لمقاليد الحكم في الكرملين عقب وفاة لينين.
كان هذا مؤشراً،ترجم بعد عقود سبعة،إلى انهيار النزعات الإندماجية الجورجية بالمحيط الروسي العام،التي عبرت عنها حركة النخبة الجورجية المثقفة،المنخرطة بشكل واسع في الحركات الروسية المعارضة للقيصرية=(الكاديت)-(الإشتراكيون الثوريون)-(المناشفة)-(البلاشفة).لهذا رأينا،كيف أنه ،مع ضعف المركز في موسكو بعهد غورباتشوف كما حصل للبلاشفة في فترة الحرب الأهلية،قد أتت للبروز في جورجيا حركات(ليست يسارية معارضة مثل المناشفة)بل قومية مثل(منظمة جورجيا الحرة) ،التي فازت في انتخابات السوفييت المحلي في تشرين أول1990،ليعلن زعيمها(زياد غامسا غورديا)الإنفصال والإستقلال عن موسكو في 9نيسان1991،بعد أن رفض المشاركة في استفتاء 17آذار الذي دعا له غورباتشوف لتجديد الإتحاد السوفياتي،في تشكيل لسابقة في حركات الجمهوريات الساعية للإنفصال عن النطاق السوفياتي،وقبل مدة من انهيار المركز في موسكو إثر فشل انقلاب الشيوعيين المحافظين ضد غورباتشوف(19آب-21آب1991).
كمااستخدم لينين الأوسيتيين الجنوبيين،الذين ضمتهم إليها الجمهورية المنشفية عام1918،فإن روس مابعد السوفييت قد فعلوا الشيء نفسه ضد تبليسي،وخاصة بعد منع(غامساغورديا)للأحزاب الإقليمية،ماأدى إلى تمرد أوسيتي واسع‘قاد إلى حرب1991-1992ضد المركز الجورجي،لتساند فيها موسكو الأوسيتيين حتى انتهى الأمر إلى هزيمة الجورجيين والإنفصال الواقعي لأوسيتيا الجنوبية،وفقاً لإتفاقية 1992،وهو ماتكرر من حيث الحيثيات مع اقليم أبخازيا في حرب1992-1993.
هنا،كان استخدام يلتسين(وبعده بوتين)للإنفصاليين الأوسيتيين والأبخاز مؤدياً إلى استدارة جورجية واسعة المدى نحو الغرب الأميركي-الأوروبي وللحنوب الغربي التركي،مع إدارة الظهر للشمال الروسي،في تكرار قامت به الحركة القومية الجورجية لمافعله اليساريون المنشفيك لما يمموا وجههم نحو لندن ضد موسكو لينين،متخلين،عبر خصومتهم مع البلاشفة،عن نزوعهم اليساري الروسي العام ولابسين العباءة الجورجية ولوتحت رداء يساري ،ليأتي خلفائهم الجورجيين اللاحقين في لبوس قومي خالص.
كخلاصة،إذا قارنا طرق انفصال الجمهوريات السوفياتية عن موسكو،فإننا نجد جورجيا متميزة،هي وجمهوريات البلطيق التي ضمت إثر معاهدة1939بين ستالين وهتلر،بأن من تزعم الإنفصال فيها هي حركات قومية خاصة،وهذا شيء لم يوجد حتى في أرمينيا،حيث تزعم الإنفصال القادة المحليون للحزب الشيوعي في باقي الجمهوريات السوفياتية،بمافيها أوكرانيا.فيما من جهة أخرى نجد في جورجيا-هي وجمهوريات البلطيق- تساوي حدة الشعور القومي مع درجة العداء لموسكو ومع درجة الميل للغرب،وهوشيء لايوجد في أوكرانيا مثلاً،حيث تتساوى الليبرالية مع العداء للروس ومع شيء من القومية،فيما يوجد عند(حزب الأقاليم الأوكراني)،وهو المستند للمنحدرين من أصل روسي بشرق أوكرانيا،ميول نحو موسكو مختلطة بالعداء للغرب الأميركي-الأوروبي وبالنزعة المناطقية.
في التسعينيات،قال مؤرخ فرنسي بأن"التاريخ العالمي،لنصف قرن قادم،سيتحدد من خلال آليات وتداعيات ونتائج انهيار(الكتلة السوفياتية)".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر