الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طوابير الفكر ... وطوابير الفول والطعمية

سالم اليامي

2004 / 2 / 13
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كنت بالأمس أتحاور مع صديق عربي في مدينة لندن عبر الماسنجر قلت له : كم أحسدكم على المكتبات العربية بمدينتكم التي تزدحم بالعديد من الكتب التي نفتقدها عندنا !

 قال لي : لا تتخيل كم أشعر بالقهر عندما أركب أحد الباصات او أستخدم " الأندر قراوند" حيث ترى الناس يقرأون الكتب بشراهة , أو عندما نذهب الى المكتبات لنشاهد طوابير الناس قادمين لشراء كتاب جديد , حينها اشعر بالألم عندما أتذكر كم نحن العرب  لا نقرأ؟!

 قلت له : لكننا العرب أول من إخترع الطوابير .

قال لي : ذلك صحيح ... لكن طوابيرنا تتزاحم أمام مطاعم الفول والطعمية , أو أمام موظف الجوازات في أحد مطاراتنا التي تصاب فيها بالكآبة وكأنك داخل سجون وليس مطارات !

 قلت له : تصدق أنني اذكر اننا كنا ثلاثة أصدقاء عندما قمنا بزيارة بلد عربي قبل سنوات واثناء دخولنا المطار ووقوفنا امام موظف الجوازات  في طابور صغير من ستة أشخاص إنتظرنا واقفين أمام ذلك الموظف أكثر من ساعة دون أن يتحرك ذلك الطابور , وكان موظف الجوازات يقلب جوازاتنا واحدا تلو الآخر لأكثر من عشر مرات , حينها إعتقدنا أن بعض صفحات جوازاتنا تحوي شعرا جميلا سرق عقل ووجدان ذلك الموظف في تلك اللحظات الكئيبة , وعندما صرخنا بعد طول إنتظار , إستيقظ ذلك الموظف الغارق عشقا في ألوان جوازاتنا وقال: لديكم مشكلة وعليكم أن تراجعوا ذلك المسؤول , وعندما ذهبنا الى المسؤول المنتفخ البطن إتضح لنا أنهم يبحثون عن رشوة تافهة كي يسمحوا لذلك الطابور أن ينفض من حولهم . ثم قمنا بوضع ورقة مالية في كل جواز ودخلنا فاتحين سالمين غانمين الى أرض المدينة .

 قال : هذا هو الفرق بيننا وبين الغرب . طوابيرهم منتظمة وطوابيرنا تعمها الفوضى , ألم يقولوا أن اسرائيليا قال : لن ينتصر العرب علينا حتى يحترموا حرمة الطابور؟!

 هم : يتفوقون علينا في التزاحم عند دور الفكر والمعرفة , ونحن نتفوق عليهم في التزاحم عند الجمعيات الخيرية ومطاعم الفول والطعمية !

حتى مطاراتهم لم تعرف الطوابير إلا بسببنا عندما أصبحنا الخطر الذي يهدد المطارات والطائرات  , فأصبح العالم ينظر لنا وكأنه لا مهمة لنا سوى تفجير ما يصنعون وهدم ما يبنون , ربما لأن عدم إمتلاكنا القدرة على البناء والتشييد اصابتنا بعقدة نقص مزمنة جعلتنا نكره كل شيء لا يشعرنا بالانتماء الى الحضارة !

 قلت له : ولم لا نحاول أن نقتفي أثرهم في البناء , فنتعلم كيف يبنون ويصنعون ويفكرون بدلا من تخريب كل ما أعطوه للحضارة والأنسان من منجزات نحن أكثر المستفيدين منها ؟!

 قال : عندما نحرص على القراءة كما يحرصون , ونتزاحم في الطوابير بحثا عن كتاب جديد كما نتزاحم أمام المخابز ومطاعم الفول والطعمية , حينها أستطيع أن اقول لك أننا سوف نتوقف عن إعتناق فكر الهدم وندخل في طوابير فكر البناء , بشرط أن لا تكون الكتب التي نقرأها هي نفس الكتب التي لم تفارق أرفف مكتباتنا منذ سنين طويلة . لأن هذه الكتب يجب تباع الى أفران بيع الخبز بجانب مطاعم الفول والطعمية , ليس من أجل أن يقرأها الجائعون وانما لكي تكون حطبا لتلك الأفران التي توفر لهم الخبز " الأفغاني "!

 قلت له : ولم لا نضع عند كل مطعم فول وطعمية لافتة تقول: إقرأ كتابا وأحصل على صحن فول مجانا , ثم نعطي لكل شخص كتابا يقرأ بعض صفحاته قبل ان نمنحه صحن الفول , على أن يكمل الكتاب في اليوم التالي ؟!

إننا لو فعلنا ذلك لشجعنا شعوبنا على القراءة وأنتصرنا على كل مشاكلنا واستعدنا كرامتنا التي سلبها الجهل منا !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟