الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حنفية ام شاكر

كاظم شناتي

2008 / 9 / 18
الادب والفن


ِ
(مهداة إلى السيد مدير دائرة الماء في ذي قار )

سقيا لأيام الصبا .. ورعيا لأيام الطفولة تلك الأيام الجميلة - رغم الفقر وبؤس الحال - حيث كانت شوارعنا المتربة .. تبدو في
أعيننا حدائق غناء.. وبيوتنا المتهالكة قصورا فخمة نمارس اللعب في احواشها .. ونستمتع بالقفز عبر حيطانها الواطئة.
هناك أشياء لا تمحى من الذاكرة .. وشذرات من ذلك الزمن تومض في الذهن وتخطر في البال بين فترة وأخرى .. رغم تقدمنا في العمر وتغير الحال والمنوال .
من الذكريات التي تحمل مغزى له دلالاته في أيامنا هذه . . حكاية العمة أم شاكر .. التي كانت امرأة وحيدة تعيش مع أطفالها الستة .. تكد وتعمل بنشاط من اجل إطعامهم وتعليمهم بمفردها ؛ وفعلا نجحت في مسعاها بشكل منقطع النظير ؛ فانهوا
دراستهم جميعا وتبوئوا مراكز جيدة في المجتمع فمنهم من أصبح طبيبا ومنهم من صار صيدلانيا او مدرسا الخ ..
ولكن المهم في حكاية ام شاكر ان بيتها كان مزارا للعوائل الساكنة في شارعنا العتيد (شارع 19 ) ، بسبب انها تمتلك حنفية الماء الوحيدة في ذلك الشارع .. واقصد بالحنفية صنبور الماء الذي يسمى في مناطق أخرى من العراق (الطلمبة)
او( اللولة ) وأحيانا (البوري) .
ولا ادري ما هو السبب في ان بيت العمة ام شاكر هو البيت الوحيد المجهز بالماء ربما لأنها كانت أكثر حرصا من الآخرين على توفير حاجات بيتها بنفسها نتيجة لوضعها الخاص او ربما هي أكثر أريحية من الرجال في ذلك الشارع حينما كان تأسيس أنبوب الماء يعتبر ترفا ووجاهة رغم ضرورته الملحة .
كانت تلك الحنفية تغذي كافة البيوت في شارعنا بكفاءة عالية وبغزارة من المياه كالغيث اذا هطل .. وكانت النسوة منذ الصباح الباكر يتجمعن في طابور طويل وهن يحملن ما تيسر من الأواني والقدور لملأها بالماء من تلك الحنفية التي تقف وحيدة وسط الدار دون ان ترتبط بأي تاسيسات مائية او ملحقات بينما يعلو حولها لغط النساء وأحاديثهن اللطيفة متلفعات بعباءاتهن السوداء وبمصاحبة الكثير من الأطفال الذين يصرون على الحضور وممارسة ألعابهم التي كثيرا ما كانت تؤدي الى قلب الأواني واحتدام الجدال بين الأمهات .. لكن تلك السيدة المهيبة كانت ترسم على وجهها ابتسامتها المعهودة دون ان تمل او تضجر .. العجيب في الأمر ان تلك الحنفية تتفجر بالماء بغزارة مصدرة صوتا كالهدير وهي تصب مائها الصافي والذي تفوح منة رائحة (الكلور ) المستخدم في التعقيم .. ولا اذكر انها توقفت عن الجريان او ضعف مائها في يوم من الايام رغم ضعف الإمكانيات وعدم وجود التكنولوجيا المتقدمة في تلك الايام الخوالي . ولا يغيب عن البال منظر النافورة عالية الارتفاع التي تنبثق وسط الشارع عند حدوث أي كسر في أنابيب الماء مما يؤدي الى تكون بحيرة - اذا لم تسرع الجهة المعنية الى إصلاح الكسر- .
أتذكر هذا .. وانأ اجلس الآن أمام ماطور (مضخة ) سحب المياه الذي يفح بصوته المكتوم حتى يسخن .. دون ان يحصل لنا على قطرة من الماء فأحاول مساعدته ( بمص الأنبوب ) حتى ينشف ريقي ويتورم بلعومي دون جدوى . وهنا نتساءل بألم واستغراب ...
كل هذا التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي .. وكل هذه البالغ الضخمة التي تصرف .. وكل هذه الإمكانيات المتاحة وعشرات الحنفيات في كل بيت .. لم تستطع ان تؤدي عمل حنفية ام شاكر العجيبة .. التي كانت قادرة لوحدها ان تغذي منطقتنا بالماء – في زمن التخلف وضعف الإمكانيات - .
من يعيد لنا حنفية ام شاكر ويأخذ كل التاسيسات المائية ( والدوشات ) الجافة من بيوتنا ....
من أين لي الآن ( بسطل ) من ماء حنفية ام شاكر لابترد به في هذا الصيف الحار.
كاظم شناتي









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته


.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع




.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله


.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك




.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في