الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن بطريرك

عماد عطية

2008 / 9 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


الاستعارة هنا بالطبع من عنوان رائعة الكاتب الكولومبي ماركيز "خريف البطريرك". وبطريرك ماركيز هو الديكتاتور في كل مكان وزمان. ليس مهماً أن يكون معزولا تماما عن العالم حوله وفاقد الصلة بالواقع، المهم أن يتحلق حوله حواريون يهتفون ويهللون لحكمة وعظمة الزعيم الخالد والمنقذ والبطل الأوحد. كان لابد أن أتذكر ماركيز وبطريركه وأنا أتابع التحول النوعي في المناقشات الساخنة، التي أطلقها الصعود السياسي السريع لجمال مبارك، حول سيناريوهات توريث الحكم في مصر، من مرحلة التحليل الي مرحلة التسويق أو الترويج للمؤسسة العسكرية المصرية وللفريق عمر سليمان - أو أي جنرال آخر -باعتباره الحل الوحيد والممكن لإنقاذ مصر من أزمتها.

كتب د. ضياء رشوان في جريدة "المصري اليوم" بتاريخ 7/7/2008 وتحت عنوان "سيناريوهات الشيء الغامض القادم في مصر": "إن قراراً مركزياً تم اتخاذه من جانب هذا الطرف الأقوى والأكثر صلابة داخل جهاز الدولة (القلب الصلب)، بالحفاظ علي شرعية الحكم، التي قامت علي أساس ثورة 23 يوليو ممثلة فيه، والوقوف دون تردد أمام أي محاولة من جانب طرف بعينه بداخل الحزب الحاكم وبعض النخب الاقتصادية والثقافية والإعلامية والسياسية المؤيدة له للانقلاب علي هذه الشرعية، بحجة تأسيس حكم "مدني" أو "ليبرالي" جديد للبلاد".

ثم عاد بعد أسبوعين ليوضح ما بدا للبعض غامضا وكتب تحت عنوان "الحاضر لا يستدعي" : "منذ تلك اللحظة البعيدة، حيث تأسست شرعية "النظام الجمهوري" علي أيدي أبناء القوات المسلحة، ظلت صفوفها متراصة وصلبة، وراءه في مراحله المتعاقبة بدون أي اختلاف أو خلاف صغير أو كبير بداخلها حول هذا الدور الذي أضحي قدرها بعد أن كان اختيارها قبل ستة وخمسين عاماً".... "بهذه المعاني الرئيسية للأدوار التاريخية للقوات المسلحة، يظل الحديث عن المستقبل السياسي للبلاد بدونها عبثاً لا يجوز لعاقل أن يتورط فيه."

وكتب د. يحيي القزاز بجريدة "صوت الأمة" بتاريخ 28/7/2008 :" المايسترو (عمر سليمان) المسئول عن إدارة كل الملفات، والمسيطر خارجيا وداخليا علي مقاليد الأمور بالدولة، دون أن يلوث يديه أو يشوه صورته" ... " رجل صاحب خبرة، يحظي بقبول شعبي وعسكري في وطنه، ويرتبط بعلاقات دبلوماسية جيدة مع أمريكا وإسرائيل والعالم العربي"..."شخصية وطنية قوية - من داخل النظام- تؤمن بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وتحظي برضا وتوافق المجتمعين المدني والعسكري، ميزة وحاجة ملحة وآمنة لالتفاف كل القوي حولها، لأنها تعجل بالتغيير السلمي، وتضمن انتقالا سلميا للسلطة"

الصفات التي يجري إضفاؤها علي المؤسسة العسكرية أو علي المايسترو لا أساس لها في الواقع. ولكننا نعيش الآن خريف بطريركنا، وطبقتنا الوسطي ومعظم مثقفيها لا طاقة لهم علي النضال ولا صبر لديهم ولا ثقة في الحركات الشعبية الناهضة ومستقبلها. يقودهم نفاد الصبر وانعدام الثقة في الشعب للبحث وبسرعة عن بطريرك (ديكتاتور) جديد، ولابد من إضفاء صفات خارقة علي الديكتاتور القادم لتبرير السلطات المطلقة التي يجب التسليم بها مقدما، ولابد من الحديث عن ظروف استثنائية تتطلب اصطفافاً وطنياً مزعوماً حول الديكتاتور، أي تتطلب من جميع فئات الشعب وطبقاته التنازل عن كل حقوقها السياسية والاقتصادية والتسليم للديكتاتور باعتباره المنقذ والمخلص والزعيم الأوحد. كانت هذه وستظل مفردات التسويق لكل الديكتاتوريات.

المذهل حقا أن العملية التي تجري أمام أعيننا منذ سنوات تدحض تماما الأوهام حول صراع مزعوم في السلطة بين جناح يسمي الحرس القديم ينتمي إليه بالطبع أبناء القوات المسلحة مع البيروقراطية المدنية ويدافع عن ثورة يوليو وجناح ينتمي إليه الرأسماليون الجدد الذين ينقضون علي الثورة و"منجزاتها". معظم قادة البيروقراطية بجناحيها المدني والعسكري غارقون حتى آذانهم في "البيزنس" ولم يعد ممكنا الفصل بين مصالحهم ومصالح الرأسماليون الجدد وممثلو الاحتكارات العالمية والمؤسسات المالية الدولية، وأي خلافات في وجهات النظر حول هذه القضية أو تلك لا يمكن أن تؤدي إلى تضحية أي طرف منهم بالتحالف الوثيق بينهم الذي لا غني عنه للطرفين.

وبعيدا عن الانجرار لسباق التكهنات حول من يرث السلطة، سواء كان جمال مبارك أو أي ممثل آخر للمصالح الرأسمالية أو كان عمر سليمان أو أي جنرال آخر، فالشيء الوحيد المؤكد أن التهديد الحقيقي لسلطة هؤلاء معا هو أن تستمر الحركات الاجتماعية والاحتجاجية في النمو والاتساع، وأن تنجح في الارتقاء بمستوي تنظيمها وبرنامجها، وأن تواصل انتزاع المكسب تلو الآخر من براثن الاستبداد الحاكم.
الديمقراطية تولد أمامنا ونكاد لا نراها، لأنها هذه المرة لا تأتي إلينا هبة من زعيم ملهم، ولا حتى من برامج أحزاب المعارضة وشعارات النخبة السياسية والثقافية، ولكن من الصراع الاجتماعي وما يخلقه من وعي وآليات.

قد يطول الوقت حتى تنتج هذه الصراعات الديمقراطية التي يستحقها شعبنا، المهم ألا يقطع عليها الطريق "القلب الصلب" بحذائه الغليظ كما فعل من قبل في يوليو 1952








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع