الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقييم واقع حرية التعبير عالمياً

سعاد جبر

2008 / 9 / 17
حقوق الانسان


هناك تساؤلات متنوعة مطروحة في ضوء التنظير لقيمة حرية التعبير ومساحاتها في السياسة والأعلام والثقافة والتربية والأقتصاد والتنمية ، حول واقع تلك القيمة في التطبيق العملي لها من قبل المجتمعات المدنية ، إذ يلحظ الباحث المتتبع لتلك الحيثية ، مساحات من الأزدواجية والتناقض في التعاطي مع تلك القيمة السامية ، في ضوء ابعاد متنوعة يمكن ايجازها في المحاور الأتية :

- اعتماد امريكا واوربا تلك القيمة في ظل مجتمعاتهم ، وفي اطارها ، واستبعادها في التعاطي مع العالم المستضعف ، حيث ترفض السياسات الأمريكية صوت المعارضة لمشاريعها التوسعية الأستعمارية في العالم العربي والأسلامي ، فتبذل كافة سبل الخداع والتضليل السياسي والأعلامي ، لألغاء صوت الشعوب ، ومطالبتها بالحرية ورفض الوجود الأمريكي ، والأحتلال الصهيوني الغاشم على فلسطين المحتلة ، او اية محاولة نقد لحليفتها الأستراتيجية اسرائيل ، في ضوء انتهاكاتها اليومية الصارخة لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يسلخ كل يوم على مرأى الشاشات العالمية ، والعالم صامت لا يتفوه بكلمة ، حيث تغلق كافة منابر التعبير التحررية للواقع الفلسطيني الرازخ تحت نير وظلم واستعباد وديكتاتورية ووحشية النظام الصهيوني اللاانساني ، وفي السياق ذاته نجد دول الأتحاد الأوربي تحوم حول تلك الدائرة في الأزدواجية السياسية وان كانت على درجة اقل من السياسة الأمريكية ، فهنا يبرز التناقض في الدعوات التنظيرية الشكلية عالميا لتعميم قيمة حرية التعبير واحترام حقوق الأنسان ، في الواقع الذي تمارس فيه تلك المجتمعات المدنية تلك القيمة في مجتمعاتها الخاصة ، وترفض تطبيقها على المجتمعات الأخرى ، تحت مظلة المصالح السياسية ، او ما يعرف بالأنانية السياسية ، وهناك مقولة تقول " إذا اردت ان تهدم مبدأ ، فقم بالدعوة اليه ، ثم مارس عكسه ، وهذا ما يمكن وصفة بدقة على السياسة الأمريكية ودول الأتحاد الأوروبي ، فهؤلاء يمارسون الحريات في بلادهم ، ويرفضونها في العالم العربي والأسلامي عندما تختلف مع سياستهم ومصالحهم التوسعية ، وهم اشبة بلصوص يسرقون الشعوب الأخرى ، ويمارسون القيم في تربية اولادهم ، ويوفرون لهم عيشاً حضارياً كريماً، من خلال الأنفاق عليهم من اموال الشعوب المظلومة المستضعفة المسروقة ، وربما الواقع العراقي الدامي خير مثال على ذلك ، حيث يدمر الشعب العراقي وتنتهك حقوقه يومياً في صورة دموية مأساوية ، ويسلب نفطه يومياً ، حيث تقوم عليه مدنية امريكا ومستقبلها العالمي ، وينادي بالقيم المدنية ومبادئ المجتمع المدني في امريكا ، وتصدر الأحادية والدمار والكبت والديكتاتوريات المشكلة باليد الأمريكية ، لضمان مصالحها ومصالح حليفتها الأسترايتجية اسرائيل في منطقة الشرق الأوسط .

- رفض السياسة الأمريكية ودول الأتحاد الأوروبي ، لمساحات حرية التعبير ، وما افرزت في فلسطين ، من خلال اعتلاء حركة حماس لصناديق الأقتراع ، ومحاربة امريكا ودول الأتحاد الأوروبي بالتعاون مع منظومة الأعتدال العربي ، ارضاءً لأسرائيل ، حيث مورست كافة الوسائل اللااخلاقية في هذا الصدد ، ادت إلى تقسيم الواقع الفلسطيني وتفجير الوضع الداخلي فيه ، ومحاصرة غزة وممارسة كافة السبل اللاخلاقية في محاصرة غزة ومنع الماء والكهرباء والوقود ، فأين هي القيم المدنية التي تتبجح فيها امريكا ودول الأتحاد الأوروبي في هذا البعد على وجه التحديد ، وكما اشار احد المفكرين البارزين في فرنسا في اوائل عام 2006 حيث قال بالفم الملأن سقطت امريكا ، حضاريا ومدنيا وقيميا واجتماعياً ، واردفه اخر قائلاً سقطت امريكا في العراق ، سقوطا صارخا ، وسقطت معها كافة الشعارات الباهتة التي تنم عن نفاق وازدواجية في احترام الأنسان وحريات التعبير والسلوك المتحضر في الحياة .

- كيف يمكن تقييم حرية التعبير ، في ضوء ممارسات امريكا وبدعم غربي ، للصراعات المذهبية والطائفية في العراق ولبنان ، وتدعيم كافة صور الأقتتال الداخلي في فلسطين المحتلة بين حماس وفتح ، واغلاق وسائل الحوار في السودان بين الدولة والجنوب .

- يعد وصمة عار واهانة للمجتمعات المدنية ما تمارسه امريكا من رفض وقح لحقوق الشعوب في السيادة والعلم ، واتهامها بالأرهاب عندما تعبر عن ارائها في سيادتها وكرامتها وحقوقها العلمية من خلال حق امتلاك الطاقة النووية في ايران ، وحقوق سوريا في الدفاع عن سيادتها ، في الوقت الذي تسافر فيه جيوش امريكا إلى اقصى العالم ( العراق ) تحت ادعاءات باطلة في انها تدافع عن السيادة الأمريكية وما يهددها .

- اعلان السياسة الأمريكية والأوربية تهمة الأرهاب لكل من يخالفها الرأي ، ويناقض مصالحها التوسعية التخريبية في العالم العربي والأسلامي ، من خلال منظومة الحروب وقتل الشعوب ، ودعم كل وسيلة إلى ذلك كما يحصل في المجازر اليومية التي تمارسها اسرائيل في غزة والضفة الغربية ، والحرب الظالمة على لبنان في تموز 2006 ، حيث يتهم من يدافع عن ارضه وسيادة وطنه بأنه ارهابي ، وفق اللغة الأمريكية والتابعة لها منظومة الأتحاد الأوروبي .

- كيف يمكن فهم حرية التعبير ، في ضوء الأهانات المستمرة للديانات من قبل المجتمعات المدنية ، وعدم احترام مقدساتها وخصوصياتها الدينية ، حيث تحترم في جانب الديانة المسيجية والديانة اليهودية ، وتنتهك في جانب الديانة الأسلامية يوميا ، كيف يفهم ذلك في ضوء رفض وتعامل عنصري مكشوف للمسلمين في الغرب ، وبالأخص بعد هجمات 11 ايلول ، حيث كشفت التقارير السرية ، عن علم ادارة بوش بذلك قبل الحادث ، فضلا عن تقارير تؤكد تخطيط امريكا لذلك ، من اجل تبرير حروبها الهمجية اللااخلاقية على افغانستان والعراق ، على الرغم من الهزيمة الشنعاء التي تعرضت لها امريكا وحلف الأطلسي في افغانستان ، والقتل اليومي للجنود الأمريكان ، الذي تتكتم وسائل الأعلام العالمية والعربية عن بثة واعلانه ، لأن الأعلام مخترق ، وحرية التعبير فيه ، مهزلة واكذوبة عالمية .

- كيف يمكن فهم حرية التعبير ، في ضوء اتاحتها في مساحات اهانة الأخر وتجريحة ، وتدمير القيم والثوابت والمقدسات ، تحت مسميات حرية الشاذين جنيسيا ، وشتم الأديان ، والخروج عن القيم والأخلاق تحت مسميات حرية التعبير .

- هناك تناقض واضح لبعض الدول العربية التي تعلن انها تتبنى حرية التعبير ، وتروج لها اعلاميا ، وعبر الدعاية السياسية ، وفي الواقع انها تمارس الكذب على شعوبها ، وتمارس الأستبداد ورفض الأخر ، وتغلق كافة سبل التعبير امامه ، وتضطهد المعارضة ، وتمارس التزوير والتزييف في الأنتخابات ، فضلاً عما تسجل من ارقام للسجناء السياسيين ، وتمارس الأحادية في الرأي اعلاميا وسياسيا وتربويا ، وهي تعلن انها تمارس الديمقراطية وحرية التعبير في خطابها السياسي والعالمي ، والأدهى والأمر انه يثنى عليها ان كانت في فلك الدول التابعة للفلك الأمريكي والصهيوني في سياستهم في العالم العربي الأسلامي تحت عناوين تمييع القضية الفلسطنية ، والغاء حقوق الشعب الفلسطيني ، وحرمانه من حق العودة ، والسماح لاسرائيل بالقتل والتدمير تحت دواعي محاربة الأرهاب ، وهي تحارب الطفل والمرأة والمسن وتدمر الشجر والحجر تحت مسميات محاربة الأرهاب ، وكل ذلك يؤطر بالسلام والدعوة للسلام العادل الشامل ، في ظل تكريم العدون الصهيوني على الفلسطنيين ، وحرق الفلسطنيين يوميا تحت النيران الصهيونية ، وينادي بدعاية السلام والتطبيع ، ومن هنا فواقع حرية التعبير في العالم العربي ، لا يحتاج إلى براعة في التحليل ، ولا عمق في التجرد ، ولا براعة في تقديم الشواهد ، فهو مسرح فكاهي بكل ما تعنيه الكلمة ، مما يضحك ويبكي في الأن ذاته ، ويعرف ذلك الصغير قبل الكبير ، والأمي قبل المتعلم ، لأنها مجرد كلمة تستخدم رسمياً في كل سطر ونفس وكلمة ، ويهلل لها اعلاميا ، حتى انك احيانا تعتقد انك في دوحة الديمقراطية وسندس الحريات وسلسبيل عذب في احترام حقوق الأنسان ونبذ العنصريات والأقليميات والطائفيات وكل ما تتخيل من اشكال الأضطهاد الأنساني فيما يخطر على بالك وما لا يخطر ، فتجد نفسك في الواقع في كابوس احلام مزعج يقض مضجعك وروحك وجسدك والمخبئ اعظم وافظع .

- كيف يمكن فهم حرية التعبير ، وقبول الأخر في ظل الممارسات اللاخلاقية في المتعقلات الصهيونية ، في فلسطين المحتلة والشيخ الكبير ، حيث يعتقل الأحداث والنساء والرضع والأبرياء ، وكذلك الممارسات الأمريكية الشاذة في سجن ابو غريب ومعتقلات غواتناما ، والمعتقلات الأمريكية المجهولة لكل معارض لسياسات في اصقاع العالم ، حيث يعتقل الطالب والصحفي والمصور بدون وجه حق ، وبمخالفة وقحه للدساتير القانونية العالمية .



في نهاية المطاف ، يمكن القول ان المجتمعات المدنية ، تنظر لحرية التعبير ، وتمارسها بأنانية مطلقة فقط بين شعوبها ، وتحرم الأخرين منها ، بل على العكس تمارس سلوكاً وحشيا ترفضه الحضارات والقيم والأخلاق مع الشعوب الأخرى ، لتحقيق مصالحها الاستعمارية التوسعية في المنطقة ، حيث توجه دفة حرية التعبير في تلك المناطق المستلبة في ظل مصالحها الذاتية ، حيث تنادي بكل ما يدمر القيم والأخلاق ، حتى يسهل عليها الأستيلاء على الشعوب ، وتنادي بحرية التعبير في مساحات الأصطدام والأهانة بالأخر ، حتى تنشغل الشعوب بصراعاتها الذاتية ، وتلتهي عن مقاومة المحتل ، وتتيح الجو فارغا لتمارس بحرية لصوصيتها الدولية العالمية ، تحت مسميات انها اتية من اقصى العالم لتبني الديمقراطيات الحرة ، وهو في الواقع تبني المقابر الجماعية وتمارس ارهاب الدولة بكل صوره الوقحة الفجة الظالمة ، ومن هنا فإن ما يعرف بإحترام قيمة حرية التعبير في ظل تطبيق السياسة الأمريكية والاوربية لها ، في دول العالم الثالث ، هو بالواقع مهزلة بكل ما تعنيه الكلمة ، لما يبرز من الأزدواجية المطلقة ، حيث يتاح للصهيوني ان يعبر عن رأيه في مدينة القدس ، ويحرم الفلسطيني من التعبير عن حقه المقدس في المسجد الأقصى ، وحقه الطبيعي في الصلاة فيه ، ويعد ذلك محرماً عليه حتى محرد التكلم فيه عربيا ودولياً ، او مجرد بذل اية محاولة للفت الرأي العالمي من خلال المظاهرات والأعتصامات ، في حين يعيث الصهيوني فساداً في الأرض المحتلة ، وفي الوقت ذاته يكافئ بمؤتمرات التطبيع والسلام ، ويروج له اعلامياً بأنه داعية للسلام ، كما تروج امريكا واروبا بأنهما راعيان لحقوق الأنسان وحرية التعبير ، وهما اول من ينتهكما ، إذا ما خرجا من ديارهما ، ليمارسا لصوصيتهم المفضلة ، وهوايتهم الفذة ، في ديار الشعوب المستضعفة المظلومة ، حيث تحلو السرقة والشذوذ والتدمير والحروب والقتل اليومي وانهاك تلك الشعوب بالديون والتدخلات والظلم العالمي بأقصى صورة ، وهذا ما تستقصيه من ملف حرية التعبير عالميا ، وما هو من وراء الكواليس ينتظر مساحات الزمن لكشفه اعظم وادهى وامر .

..........................
لمزيد من التفاصل ، يمكن قراءة العناوين الأتية من مؤلفاتي الأكاديمية ، وهي " القيم العالمية واثرها في تعديل السلوك الأنساني ، وكتاب " انتهاكات حقوق الأنسان وسيكولوجية الأبتزاز السياسي ، وهما صادران عن دار عالم الكتب الحديث / اربد - الأردن ، لعام 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة يرفض مواصلة عمله بسبب شقة.. م


.. أميركا.. مقهى في فلوريدا يوظف فقط أشخاصا من ذوي الاحتياجات ا




.. الدويري: حديث هاغاري عن مقتل الأسرى إدانة للجيش الإسرائيلي


.. استمرار النزوح من رفح والأمم المتحدة تحذر من تفاقم الأزمة ال




.. الأمم المتحدة تمدد مهمة -إيريني- لتفتيش السفن قبالة ليبيا وس