الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلاح خروتشوف كان سينجح افضل من البيروقراطي غورباتشوف

رزاق عبود

2008 / 9 / 18
السياسة والعلاقات الدولية


استلم خروتشوف زعامة الحزب الشيوعي السوفيتي بعد وفاة ستالين المفاجئة. في نفس الوقت اختارت امريكا زعيما شابا جديدا تعهد بالتجديد هو جون كندي. ولذلك كان خروتشوف الذي تعدى الستين يسميه "الفتى" كندي، ويناديه باسمه جون عندما يلتقيان اجتماعيا، او سياسيا. كانت هذه نبرة استصغار، واستهانة بقلة خبرة خصمه، والتباهي بخبرته الحزبية الكبيرة، ودوره القيادي كمستشارسياسي في حصار ستالينغراد. متناسيا، ربما، انه مثلما يقف ورائه مكتب سياسي فانه يلتف حول كندي الكثير من المستشارين من كل نوع. حرك كندي عند الامريكيين الوطنية الامريكية، كما يفعل اوباما اليوم، محاولا توحيد الامة الامريكية لقيادة العالم كله، وليس العالم الراسمالي فقط. في الوقت ذاته كان الاتحاد السوفيتي يطمح ان يكون قائدا للعالم الثالث، الذي كان يتوجس من قيادة امريكا للعالم. فولدت منظمة دول عدم الانحياز. هذا التوجس اثبت صحته في عالم القطب الواحد اليوم، والتحكم بمصير العالم كله. اختار الاتحاد السوفيتي نقطة تحدي قريبة حيث دعم كوبا بكل قواه، واستقبل الثائر فيدل كاسترو كبطل تحرير، وشجعه على تحدي امريكا. كاسترو الذي خطب بالانكليزية بشكل مقتضب، في موسكو، وهو يتحدث الى الصحفيين، والى جانبه خروتشوف: بان امريكا تسرقنا، والسوفيت، يساعدوننا. امريكا، ارسلت سفن للمتسللين، والسوفيت قدمو لنا الطائرات.

كان لدى كندي الشاب رغبة في المهادنة بعكس سياسة التحدي التي اتبعها سلفه ايزنهاور الذي تعامل بالند. وجاءت "غلطة المعلم" خروتشوف، عندما اكتشفت طائرات التجسس الامريكية الصواريخ السوفيتية في اراضي كوبا. وهذا ما جعل ميزان الصقور يرجح في ادارة كندي، الذي كان مقتنعا، كما يبدو، بسياسة التعايش السلمي التي روج لها خروتشوف. الذي حاول احياء سياسة لينين الاقتصادية (نيب) وكان يمزح مع كندي علنا، وامام الاعلام، وهو يلعب معه الغولف، والتنس: باننا سناخذ منكم التكنولوجيا ثم نتجاوزكم. وافق خروتشوف في اتفاقية سرية دون علم، او استشارة القيادة الكوبية. على سحب الصواريخ النووية من الاراضي الكوبية مقابل سحب امريكا لصواريخ مماثلة من قواعد في تركيا. كانت هذه الخطوة التي اعتبرت تنازلا للامبريالية. اضافة الى فشل السياسة الزراعية المغامرة، والازمة الاقتصادية فكان من السهل ازاحته عن الزعامة بعد ان فقد شعبيته التي اكتسبها نتيجة انفتاحه على الجماهير. لكن الاقتصاد يبقى هو العامل الاساس، وهو الذي يتحكم في نتائج كل انتخابات في الغرب. لقد اتبع خروتشوف مثلا سياسة تاجير الاراضي للفلاحين، وسمح بتفكيك بعض السوفخوزات(مزارع الدولة). ومغامرة نهر الاورال التي انتهت الى كارثة بيئية، واجتماعية، واقتصادية. كان يحب الخطوات الكبرى، لكنه اهتم بالتفاصيل، وفي التفاصيل يكمن الشيطان. في عام 1964 وبعد ان منح وسام بطل العمل الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي، وهو الذي قاد البلاد الى الخراب الاقتصادي كمقدمة لازاحته، ليضمن له مكانة خاصة. والذي قلده الوسام هو الستاليني الجديد، وغريمه الاساسي ليونيد بريجنيف الاوكراني الاصل. وكان هو، ورهط ستاليني في المكتب السياسي وراء وضع العصي في عجلة الاصلاح، الذي اتبعه خروتشوف كمقدمة لعزله. عادت تصريحات الحرب الباردة، ولغة التحدي تتصاعد. ظهور جيفارا، وكتابات ريجيس دوبريه، والحرب الفيتنامية، ودور "هوشي منه" فيها نشر الشيوعية بين اوساط المثقفين في العالم. الامر الذي زاد غرور، وتصلب بريجنيف، والقيادة الستالينية الجديدة معتقدين ان الفضل يعود لهم. الامر الذي انقلب عليهم حيث بازدياد دور المثقفين زادت أصوات المطالبة بالاصلاح. كما هو الحال في جيكوسلوفاكيا، وزعيمها الكسندر دوبتشيك. لكن بريجنيف كان ضد أي اصلاح في الحركة الشيوعية، والتجربة السوفيتية. ولما دخلت دبابات حلف وارشو يوم 21/8/1968 براغ، فانه دق المسمار الاول في نعش الاتحاد السوفيتي، وسياسة فرض النموذج الستاليني للاشتراكية، رغم كل معاناة الشعوب السوفيتية، والدول الاشتراكية الاخرى، وتخلفها التكنلوجي. رفع دوبتشيك شعار "التغيير عن طريق التقارب" قاصدا التقرب من الجماهير، وسماع اصواتها، وشكواها، والتقارب مع احزاب الاشتراكية الديمقراطية لتكوين جبهة عالمية ضد الراسمالية. فطالب بجعل وجه الاشتراكية اكثر انسانية بمنح المزيد من حرية التعبير. لهذا نجد ان امريكا لم تعارض، مثل اوربا، تدخل حلف وارشو، واعتبرته "تصرفات خاصة بهم". ولم تصفق لربيع براغ كما صفقت اوربا الاشتراكية الديمقراطية. في نفس الفترة وصلت المنافسة بين ماو تسي تونغ، وبريجنيف الى حرب الحدود بين قطبي الشيوعية العالمية الصين، والاتحاد السوفيتي. وكان الخلاف المفتعل بين الدولتين في الواقع هو على زعامة العالم الثالث. وجاء "دنج جياو بينك" بعد وفاة ماو بشعار عدم مركزية الاقتصاد. واتهم وقتها بانه كونفوشيوسي وليس شيوعي. فرد ساخرا: "المهم النتائج، وليس التسميات". لكن الحزبان الشيوعيان الايطالي، والفرنسي قادا تيار "الشيوعية الاوربية" بعدم التبعية لموسكو، والتعامل مع سياسة، وتجربة الاتحاد السوفيتي بروح النقد، وليس القبول التام. وتخلوا عن مبدأ "ديكتاتورية البروليتاريا" منطلقين من ان الحزب الذي يحقق مصالح الجماهير يعاد انتخابه، ولا ضرورة لفرض حكمه بشكل قسري عن طريق الايولوجية. وازدادت جماهيرية الحزبين. في حين تقلصت جماهيرية الحزب الشيوعي، الذي يقوده جورج مارشيه في فرنسا لتمسكه بديكتاتورية البروليتاريا.

كانت الاشتراكية الدولية تخطط لاضعاف نفوذ الشيوعية على مدى طويل عن طريق فرض الاصلاح من الخارج، وخاصة الاقرار بحقوق الانسان. ولذلك كانت لعبة مؤتمر هلسينكي1975 .حيث اعترف الغرب بحدود اوربا ما بعد الحرب مقابل الاقرار بلائحة حقوق الانسان. وقعت على ميثاق هلسينكي 35 دولة اوربية، ونشر على نطاق واسع. استفاد من هذا التقرير كل المنشقين السوفييت والدول الاشتراكية الاخرى. واستغله بافل في جيكوسلوفكيا، وساخاروف الروسي، وغيرهم ممن كانوا يسمون وقتها بالمنشقين. أي ان سياسة تغيير الشيوعية من الاسفل(السياسة السرية لاحزاب الاشتراكية الديمقراطية في اوربا بزعامة ويلي برانت) اخذت موضع التطبيق ووقع الستاليني العجوز بريجنيف، ومجموعة الشيوخ في مكتبه السياسي بالفخ الذي نصبته احزاب الاممية الثانية. رافق ذلك التضخم الاقتصادي، وارتفاع الاسعار في الدول الاشتراكية. وتقلصت الخدمات المقدمة للناس بفعل نفقات التسلح الرهيبة. وغزو افغانستان الذي ادانه العالم كله، وتردي الخدمات الصحية، والتعليم بسبب الاهدار الرهيب للثروة في المستنقع الافغاني. وتعرض المجتمع السوفيتي الى ازمة اجتماعية، واقتصادية، وسياسية. في وقت ازداد فيه الرفاه الاجتماعي في دول اوربا الغربية، وظهورالكومبيوتر كعامل امتياز في مجتمعات الغرب. زيادة تمدن المجتمع.اختيار بابا الفاتيكان من بولندا لم يكن اعتباطيا. وزيارته لبلده عام 1975 واستقباله من قبل الملايين، وظهور نقابات حرة في بولندا ومباركتها من قبل البابا الجديد. ثم ظهور غورباتشوف كحل وسط بعد تتابع موت الحرس القديم اندروبوف ثم تشيرننينكو لان ميخائيل غورباتشوف كان،وقتها، اصغر عضو في المكتب السياسي للحزب (54 عاما). وقد رفع(الاصلاحيون) شعار ضرورة تحرير الشيوعية من ارث ستالين، واعادة اللينينية كسياسة صائبة تتكيف مع ظروف كل بلد. فقام الاصلاحي غورباتشوف كبادرة حسن نية، وغزل لاوربا الغربية بالاعتذار الرسمي لساخاروف، ودعوته الى العودة الى موسكو، واستقباله رسميا في المطار.اغلق السجون الاصلاحية للمنشقين، والمختلفين مع الخط السياسي للحزب. مارس سياسة دوبتشيك اللينينية بالاحتكاك المباشر بالجماهير في بلد يعيش فيه وقتها 240 مليون انسان. ومن الضروري التذكير هنا ان بريجنيف كان يعتقد ان "الشعبية، والاختلاط بالجماهير بدون حواجز ليست سياسة شيوعية"!!!. كان بريجنيف يمارس سياسة التعالي، والتمايزعن الناس التي مارسها ستالين ظنا منه انه انسان غيرعادي. طالب غورباتشوف، ودعا الى التغييرفي كل المجالات. وفي 1986 ظهرت مفاهيم البريسترويكا(اعادة البناء) والغلاسنوست(العلنية) او الشفافية بالمعنى السياسي.

كان ريغان معاديا صريحا، وعنيدا للشيوعية، ومصمما على اسقاطها باي ثمن، وحاول استنزافها عن طريق زيادة سباق التسلح، وبرنامج حرب النجوم المكلف. في وقت يعاني الاقتصاد السوفيتي من نزيف الحرب في افغانستان، وتخلف الصناعة، وضعف، بل تدني الانتاجية. وبعد مؤتمر "ريكيانيك" الذي وقع فيه ريغان، وغورباتشوف وثيقة انهاء سباق التسلح، والتخلص من نفقات التسلح الهائلة بقي الجرح النازف في افغانستان فطالب (بعودة الجنود الى الوطن) فعادوا عام 1988 وزادت شعبيته. لكن الاقتصاد ظل مريضا. ولم تنفعه شعبيته، فقد فشل داخليا، خاصة في السياسة المالية، لانه لم يكن مصلحا قويا، ومصمما مثل لينين، او بينك في الصين. فقوبل بالمظاهرات، والاضرابات، وهو الذي اعلن التزامه بمقررات وثيقة مؤتمكر هلسينكي باحترام حقوق الانسان. كان كارثة لشعبه اكثر مما هو مصلح، وخدم اعدائه، عن غير وعي، بسذاجة الحالم، وليس رجل الدولة الحازم. كما ان المخابرات السوفيتية(ك ج ب) التي كانت تخطط لاستلام السلطة على مراحل خدعته بمعلومات مظللة عن حالة الاتحاد، ومزاج الناس.العولمة لعبت دورها، وازيحت ديكتاتورية البروليتاريا في دول اوربا الشرقية خاصة بعد ان الغى غورباتشوف قانون/ مبدأ بريجنيف بحق التدخل لحماية الاشتراكية في دول حلف وارشو. وفيما كان يزور المانيا الديمقراطية، ويعانق هونيكر المعادي لسياسة غورباتشوف، والذي كان يحتفل بمرور 40 سنة على تاسيس المانيا الديمقراطية كانت الجماهير تزيح جدار برلين، بعد ان تعهد غورباتشوف للمستشار الالماني كول باعادة توحيد المانيا، على ان، لا تدخل حلف الناتو.(نكث كول، والغرب بوعودهم، ودخلت المانيا الموحدة حلف الناتو). لم تكن عند غورباتشوف صورة، ولا خطة واضحة، عن كيفية الاصلاح. لم يكن عظيما مثل لينين، ولم يكن رجل دولة محنك. قضى حياته في ظل السياسيين الكبار فبدى مهرجا فاشلا، بعد ان استلم الزعامة. كانت شخصيته تراجيدية، تدعو للشفقة، حسب راي المحللين الغربيين. وكان الانقلاب العسكري الفاشل في 19/8/1991 القشة الني كسرت ظهر البعير، وسقط نمر الورق كما وصفه ماو، وظهر غورباتشوف بملابس الامبراطور الجديدة يوم 25 / 12/ 1991 يعلن استقالته كاخر زعيم للاتحاد السوفيتي، وانتهاء التجربة الروسية في بناء الاشتراكية. تجربة ستالين الماساوية، والاصلاحات الكلامية دون الاهتمام بالوضع الاقتصادي للجماهير التي يتحدثون باسمها. وانزلت الراية الحمراء، التي رفعت يوم ثورة اكتوبر، وظلت ترفرف لمدة 70 عاما لتعلن فشل الشيوعية العسكرية، والاشتراكية الستالينية، والادارة البيروقراطية لدولة العمال والفلاحين. ويبقى السؤال الذي يطرحه الباحثون من الطرفين هل نجحت الرأسمالية في السباق التاريخي الى الابد، ام انه درسا بان التطور الفني، والتقني له دور مهم، لكن الشيوعية كفكر لم تمت. لان المجتمع الطبقي الذي انتجه لازال قائما وان اختلفت حدة، واساليب الصراع الطبقي في اوربا، ودول عديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 59.39%.. نسبة المشاركة الأعلى منذ الدورة الأولى من انتخابات


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: لماذا الإقبال -القياسي- على ص




.. الانتخابات التشريعية في فرنسا.. ما دور الجمعية العامة؟


.. أميركا.. بايدن يجتمع مع عائلته اليوم لمناقشة مستقبل حملته ال




.. 3 قتلى من حزب الله في قصف إسرائيلي على بلدة -حولا- جنوبي لبن