الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقنية كتابة الرواية

ضمد كاظم وسمي

2008 / 9 / 19
الادب والفن



لعل القارئ المعاصر يعاني من الصعوبة في اكتشاف جوهر الرواية التي يطالعها .. لان ((الرواية ليست شريحة من الحياة . بل إنها قطعة من الفن لها نظائر )) .. فالرواية قصة طويلة .. تسرد حكاية / قصة واحدة أو أكثر .. وقد تكون قصة إثارة بحتة كالرواية البوليسية .. أو الرواية الفنطازية . أو قصص الخيال العلمي .. أو الرواية التي تهتم بالشخصيات .
ليست ثمة حدود توقف الرواية .. لقد وصفها هـ . ج . ويلز. بـ (( الكيس))حيث يقول : (( يمكنك أن تضع فيه ما يعجبك )) .. لأنه يمكنك أن تكتب عن أحداث تعود لقرون خلت .. وباستطاعتك أن تكتب عما يحدث في المستقبل .. والذي قد لايرى النور أبدا .. لك أن تكتب عن إنسان يصل أي كوكب تشاء ويحيا فيه ويعاشر أهله .. أو أن تجعل كائنات من تلك الكواكب تغزو الأرض وتجعل أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون ! .. لكن الرواية تبقى طريقة للكتابة عن الشؤون الحياتية المعاشة وعن الإنسان الحاضر بغض النظر عن توظيف الماضي والمستقبل والمتخيل فيها .
لابد للرواية من بداية تدعو إلى إثارة الاهتمام من خلال شخوص متميزين .. وأحداث تمغنط القارئ .. الرواية البارعة هي التي تجعل القارئ لايغذ السير بها بأقل من إيماءة مذهلة .. عندما يحيط الروائي بالخطوط العامة لروايته، وإنضاجها على نار هادئة في تنور ذهنه .. وليس جيداً أن يمتلك التفاصيل منذ البداية .. لان الروائي يعد (( القارئ الأول )) لروايته .. وكأي قارئ آخر .. حاجته ماسة إلى الاستمتاع والدهشة .
أن كتابة الرواية ليست بالضرورة مجرد حكايات تسرد عن الناس .. ما لم تضمخ تلك السرود بالعبق الإنساني وتسربل تلك الحكايات بأثواب تركيبية فنية ، والشخصية ليست مجرد كائن يتحرك كما الناس العاديين .. مالم تشكل بعداً فكرياً أحيانا . أو تتشح بسربال يمثل وجهة نظر ما . بتعبير اخر أن الروائي قد يلتقط شخصية حقيقية .. ويجري عليها المزيد من التعديل والتحوير ، لكنه يبقي على العنصر الأساسي فيها .. (( أن الشخصية مزيج من الابتكار والحقيقة )) .. وله أن يلصق بها نتفاً من كائنات بشرية أخرى .. مثلما يضيف لها من نفسه بوعي أو بدون وعي .. (( قد تكون الرواية 00 جزء من تجربة تكشف حياة المؤلف .. وتثري إحساسنا بها )) .
عندما يراد التخلص من الحضور الدائم للمؤلف في الرواية في كتابته لها بصيغة الشخص المتكلم .. أو عند الإذعان لمعرفته كل شيء يتعلق بالرواية .. يصار الى القول (( المؤلف شخص يتحدث الى قارئه من خارج القصة )) .. لكن من أية وجهة نظر يرويها .. وأين سيكون ابتدأ يرتب كل شيء ثم يتوارى بذكاء خلف مشاهد روايته ؟ .. فالروائي ليس اكثر غرابة من الآخرين لكن عادات عمله ربما يشوبها شيء من الغرابة .. لانه يعمل لوحده .. وان عمله يتطلب تركيزاً عالياً .. وإلا أصيب بالخيبة .
كانت اللغة الشعرية هي لغة الروايات القديمة .. فضلاً عن كونها اقرب الى مذكرات شخصية منها الى رواية عصرية .. لذلك كان يكتنفها الملل وربما ضاق المؤلف بها ذرعاً فأهملها ولم يتمها .. لكن الرواية العصرية لاتخلو من اوشال القرون السالفة .. (( ولما كانت الرواية هي نتاج عصر الحكايات الخيالية فقد جاءت مفتقرة الى شيء من نور الأحكام الأكاديمية وأنا اعتقد بأنها مازالت تجد مبرراً للأسف على ما فاتها )) .
قد يمتطي الروائي سرداً ما للتعبير عن أفكاره .. التي يجعلها كجسر للاتصال بالقراء .. بتعبير آخر أن جسره هذا هو موضوع الرواية .. ويسمى في أعراف الأدب (( الثيمة)) .. التي تختلف عن الحبكة – فعل القصة - ، يمكن التعبير عن الثيمة بكلمة أو عبارة .. بينما الحبكة بحاجة الى الكثير من التعابير لتلخيصها .. قد يعبر عن الثيمة بكلمة محبطة .. لكن لايعني ذلك ابداً بان الرواية تميل الى التجهم .. لان الرواية لايمكنها أن توجد بدون مشكلة .. وبدون صراع .. لاجل وضع الحبكة في حركتها ، سلسلة الاحداث مهما كانت مشوقة لايمكنها أن تكون رواية .. والتصوير الفوتغرافي للواقع هو الاخر لاينتج رواية بمعناها الفني .. لابد من اختيار ثيمة ما تشكل هاجساً يؤرق الكاتب لفترة طويلة .. لها صدى في المجتمع ايضاً .. لان التمكن من الصنعة بمعزل عن الثيمة لايلد الا رواية جوفاء .
عندما يشرع الكاتب بفصول روايته .. انما يتحرك باتجاه بقاع جديدة .. ثمة تغيير مستمر يجريه الكاتب أو يفرض عليه .. وتطور في الشخصيات بالنسبة الى الكاتب على الاقل .. يغوص الكاتب بجرأة في ذلك العالم الجديد .. يتلمسه ويتحسسه .. (( من هنا تشغلك اهمية الثيمة حتى نقطة الاستغراق )) .. فالثيمات العظيمة .. لاتنتمي الى عصر بعينه ولاتحيى في مكان محدد .. انها تاريخية وكونية .. (( انها اسطورة كل العصور يحكيها الكاتب )) .
يعد رسم شخصية وهمية .. جوهر الكتابة الروائية .. ينبغي أن يستقي الكاتب ذلك مما يعرفه عن نفسه .. (( كتاب القصة هم اناس ذوو اوجه متعددة )) .. وعن الناس الذين قابلهم .. فامكانات هذا الابتكار لاتنضب .. الشخصية يجب أن تفصح عن نفسها رويداً رويداً .. كما الناس .. مظهرها وصوتها وسلوكها ثم مواقفها .. حتى الوصول الى جوانبها العميقة .. التي لابد من الاشارة اليها منذ البدء ولوضمناً .
يمكن أن تكون شخصية ما في الرواية مملة .. من دون أن يكون الحوار مملاً .. الدعابة مطلوبة وكذلك الصراع داخل الحوار .. وان كان ذلك ليس ميسوراً لكل كاتب! (( لم أكتب في حياتي شيئا اصعب من تلك الاحاديث الملآى بالتفاهات )) .. كما يقول فلوبير ، كل شخصية في الحوار لها اختيارها الفردي للكلمات .. وتميزها في صياغة الملاحظات ، ربما يستغرق الحوار ثلث الرواية وهو الانسب وفق قاعدة الاحاديث القصيرة ذات الدلالات الكبيرة والحوار بطبيعته يميل الى مواراة الحقيقة اكثر من البوح بها .. كعادة البشر .. كما أن للناس اسلوبهم في الكلام ولغتهم حسب مستوياتهم الثقافية والاجتماعية .
من الاجدى أن تبدأ الرواية امام مشهد كبير باقل ما يمكن من الشخصيات وان لا يشوش المتلقي .. اذ البداية هي الفيصل في أن تأسر الرواية قارئها أو يودعها الى الابد .. فالروائي قد يتوحد مع شخصياته .. الامر الذي يفرع وقد يورق تلك الخاصية والتي تجعل المتلقي يشعر كما لو انه يعيش صيرورة الرواية .. فيواضب على قراءتها حتى النهاية .. يمكن اختيار الشخصيات والحالات في الرواية من عجلة ماكنة الحبكة : ( أمير مترف يلتقي راعية أبل .. لم ير منها سوى بصيص عينين متواريتين وراء مسوح سوداء .. في جبال كردستان).. وبين هذه الاطراف المتباعدة .. هناك تنوع ليس له حدود : (( الحبكة ايضاً سرد الاحداث – كالقصة – ولكن التأكيد ينصب على السببية )) كما يقول أي . أيم . فورستر .
يجب أن تقوم بنية الرواية على اساس التركيز والتأكيد والاضاءة .. يقول الفريد هتشكوك: (( الدراما هي مثل الحياة الحقيقية وقد حذفت منها الادوار المملة )) .. كما لها أن تعتمد الانتقاء والحذر من الاغواء في تضمين الرواية مشاهد لها مساس هام وشخصي بالنسبة للكاتب .. أو نشر اراءه الشخصية .. أو تضمينها خطباً وعظية .. بل والابتعاد عن اطلاق الاحكام وتفادي تقويم المتلقي .. لان غاية الرواية المتعة والتسلية والتعارف .
يستطيع الكاتب أن يعطي قارئه دائماً اكثر مما يتوقعه .. وليس له أن يعطيه اقل من المتوقع .. من خلال التوازنات بين الازمات والطمأنينات ، والتي تلاعب القارئ على ضوء تنوع الامزجة وتقدم ذرى الدراما التي تكون بينها تأثيرات هادئة .. فالكاتب يبحث عن الحالات غير المتوقعـة تماما للحاجة الماسة للادهاش .. بيد انه يجب أن يمهد الطريق لتكون النتيجة مقنعة .
لكل كاتب اسلوبه الخاص .. كل اناء ينضح بالذي فيه .. وهو فريد ومتميز مثل بصمات الاصابع .. (( اعرف قاعدة واحدة : الاسلوب لايمكن أن يكون واضحاً جداً ، بسيطاً جداً )) . اذن فليس مطلوباً من الاسلوب أن يكون عصيا مغلقا.. لكن ليس له أن يكون رخيصاً مبتذلاً احيانا يختار الكاتب متفرجه عن طريق غير مخططة .. دون أن يسلك في ذلك اسلوباً ثابتاً . يعطي الكاتب اهمية لاستهلاله في المشهد المكاني .. لما له من تأثير واضح على الجو المثار .. اذ أن ذلك يسبغ على القارئ حساً ما بحسب الجو المرسوم .. كالرعب ، الغموض ، الهدوء ، العنف ، الترقب ، الحزن ، الفرح .. الخ . كل ذلك يتأتى من اختيار الكاتب للمشهد .. شريطة أن يكون ملماً بالبلد أو المكان الذي يحتوي المشهد .. اذ لابد للكاتب من أن يكون قادراً على رؤية المكان في عين ذهنه .
كذلك التخطيط لكتابة رواية .. فالمسألة تبدو ذات طابع شخصي .. بعض الكتاب لايعيرون اهمية كبيرة لذلك .. ويبدأون الكتابة على الفور أو على رسلهم .. بعضهم الاخر يكتب ملاحظات قبل الشروع بالرواية .. والقسم الثالث يخطط في ذهنه فقط .. بيد : (( اننا جميعاً نمتلك مصادر مختلفة من الالهام ولكني اظن أن من الخطأ الاعتماد على الذاكرة لحفظ الافكار)) .
ليس شكل الرواية شيئاً مرسوماً ومحدداً وواضحاً وانما هو تيار متدفق من الانطباعات .. يندفع في خيط رفيع افعاوي .. يراه المتلقي رؤية ذهنية في صفحات الرواية .. وحده القارئ البارع بمقدوره الامساك بذاك الخيط من خلال (( القراءة الخلاقة )) حسب عبارة امرسون !.. انه دأب مستمر يتطلب الدربة والخبرة والمعرفة من اجل اعادة خلق الرواية لاكسابها افضل شكل .. بالضبط هذا ما يفعله الكاتب قبلاً في روايته .. التي هي اعادة خلق الحياة .. معززاً اقانيم تفتقدها الحياة كالحرية والكمال .. (( أن شكل الكتاب يعتمد على مايريد الكاتب قوله وحتى تتم معرفة ذلك فليس ثمة شيء يمكن أن يقال عن الشكل )) .
قد تنتهي الرواية بومضة امل .. لكن الكثير من الروايات البارعة تنتهي بملاحظة عن اليأس .. رغم أن النهاية تعتمد بالضرورة موقف الروائي من ثيمته ومن شخوصه .. (( هل انتهيت بذلك المقطع من الحياة الذي يرتبط بثيمتك ؟ ان كان الامر كذلك فقد آن الاوان للاستعداد للصفحات الاخيرة )) .
أن الروائي يجب أن يتناول حواشي فصول روايته ومتونها .. رتابتها وتفردها .. والظلال الشفيفة للشخصيات .. يجب أن يفعل كل ذلك ببراعة الإشراق .. وبريق الإحداق .. ودقة الألاق .. قد يدخل الكاتب من أوسع الأبواب إلى عالم روايته .. أو ينظر إليه من خلال ثقوب المفاتيح .. وهو يرى إلى معنى الرواية الذي يكمن في العلاقة بين بطل الأقدار – الروائي – والقوى – البيئة – التي يحلم بأنه يوجهها .. من خلال التجربة الإنسانية الفظيعة .. لكن تبقى الرواية تدور حول جزء من ذواتنا الذي يعامل العالم كونه امتداداً لحياتنا بصيرورتها التاريخية والكونية والمستقبلية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي