الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تزوير تاريخ فلسطين بإنكار حق العودة

عماد صلاح الدين

2008 / 9 / 19
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


دأبت الرواية الرسمية الصهيونية وتلك المتحالفة أو الداخلة معها في إطار العمل الترويجي والإعلامي سواء في الغرب الأوروبي أو الأمريكي أو هنا في ارض فلسطيني التاريخية؛ بالجغرافيا السياسية المسلوبة عبر الاحتلال والإحلال المتحول من حركة ذي خصائص تفوق النازية إلى كيان ُمنظم لممارسة جرائم ضد الإنسانية، على القول إن اللاجئين الفلسطينيين إنما خرجوا باختيارهم الفردي والجماعي من فلسطين، وأنهم بالتالي لم يتعرضوا لضغوط أو أوامر جابرة على شكل تهجير أو طرد.

وان الذي حصل لحصيلة ال850 ألف لاجىء مشتتين ومشردين عام 1948 في دول الجوار العربي القريبة أو البعيدة أو تلك الخارجة عن هذا المحيط الإقليمي ببعديه، إلى مناطق في أوروبا أو في الأمريكيتين وغيرهما، إنما نتج في سياق النظرة العمومية الُمقيّمة له، عن طبيعة المنتج والمخرج الحربي لحالة حراك حرب العرب والإسرائيليين عام 48، وكذا لدعوات رؤساء وملوك عرب بالهجرة والمغادرة المؤقتة لفلسطين، ريثما ُترتب الجيوش العربية الوضع بالتخلص من العصابات الصهيونية القائمة على مهمة " تحقيق التحرير والاستقلال " على حد التنظير الفكري والسياسي للحركة الصهيونية ومؤسساتها العاملة في نطاق السير الوظيفي للكيان الصهيوني " إسرائيل" إعلاميا وثقافيا.

وان المسألة بالتالي غير مرتبطة بخطط صهيونية للتهجير والطرد عبر ناظم من ارتكاب الجرائم التي ُتوصف بالابادة وان كانت لا تصل إلى حالة الشمولية في المصطلح واستنفاده بالمعني الحرفي للكلمة، وإنما تعلق الأمر بنمذجة جرائم خطيرة بصفة الابادة لتحقيق غرض الطرد والحلول للمستوطنين الصهاينة، كما حدث في الجزائر وجنوب أفريقيا وفي الممالك الصليبية في فلسطين، وليس كما هو الحال مع سكان أمريكا واستراليا ونيوزيلندا الأصليين.

لكن الحقيقية التي أكدتها الكثير من الشواهد والشهود والوثائق والأدلة العديدة، وتحديدا فيما يتعلق بالرواية الشفهية للفلسطينيين المعاصرين للنكبة، وجهات إعلامية وأممية دولية، تؤكد وقوع مجازر عديدة وجرائم خطيرة على المستوى الدولي من قبل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والابادة، والتطهير العرقي، في المناطق الفلسطينية التي هاجمتها العصابات الصهيونية، وفي المقدم منها عصابة الهاجاناة واشتيرن، من اجل إقامة دولة إسرائيل بناء على قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة رقم 181 لسنة 1947، في النسبة المساحية المقدرة 56 %، والتي تجاوزتها تلك العصابات إلى نسبة 78 % من مجمل مساحة فلسطين التاريخية.

كانت هناك خطط وتصورات صهيونية قادها بن- غوريون " أول رئيس وزراء إسرائيليس"وزملاؤه في الهيئة العسكرية الاستشارية من اجل إقامة دولة يهودية خالصة على اكبر قدر ممكن من فلسطين، من خلال ارتكاب مجازر ابادة عديدة في قرى وبلدات فلسطينية، تولّد حالة من الخوف الطارد والُمهجر للفلسطينيين في عموم فلسطين، ليتحقق الوضع التمهيدي لإقامة وإحلال الكيان الصهيوني نقيا وخالصا، من خلال خطة التطهير العرقي للفلسطينيين، والتي كشفت الوثائق بما فيها تلك الُمستحصلة من الأرشيف العسكري الصهيوني، بأنها كانت مخططة جدا ومنظمة ومبيته للفلسطينيين، وهي الخطة المعروفة بدالت، التي وضعها بن – غوريون واحد عشر رجلا من كبار قادة الحركة الصهيونية في عام 1947.

من خلال إطلاعي على (كتاب التطهير العرقي في فلسطين) للبروفيسور "الإسرائيلي" ايلان بابه، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بار ايلان بحيفا، والمؤرخ "الإسرائيلي" المعروف، وجدت كم كانت الجرائم الصهيونية بحق الشعب الفلسطيني تحديدا في الفترة ما بين عامي 1947 و1948 حتى النصف الأول من عام 1949، تتصف بالبشاعة والخطورة والخروج عن التصور الإنساني للجرائم اللاانسانية، فلقد أوضح بابه وكشف عن عديد المجازر التي تصل إلى حد الابادة، قتل وذبح بالعشرات والمئات، دون مراعاة ولا تفرقة بين أطفال صغار او حتى رضع وبين شباب، بين نساء ورجال، وبين مرضى او عجزة عن حمل السلاح، دون احترام لحرمة مقدسات لمساجد او كنائس، فمئات كثيرة ُقتلت داخل تلك المساجد والكنائس.

في جرائم التطهير العرقي في فلسطين على يد العصابات الصهيونية تم اغتصاب نساء وفتيات. ويذكر ايلان بابه في كنايه الموسوم سابقا، عن فتاة فلسطينية لم تتجاوز في عمرها الثلاثة عشرة عاما تم اغتصابها من اثني عشر جنديا من عصابات الإجرام الصهيونية، لاحقا جنود دولة "إسرائيل".

هذه الجرائم مذكورة وموثقة في ارشيفات الكيان الصهيوني، وشاهدة على ذلك القرى والبلدات المدمرة في حيفا ويافا والجليل الأدنى والأعلى، في دير ياسين والطنطورة، وغيرها من المناطق الفلسطينية التي تعرضت لمخطط القتل والتدمير والطرد والتهجير.

كانت مصيبة الفلسطينيين كبيرة جدا وبما لا يطاق في فترة حدوث النكبة او التطهير العرقي في فلسطين، وبما لا يكون هناك أي مجال للوم او اتهام الفلسطينيين بالتسرع والخوف المبالغ بترك أراضيهم وديارهم التي سكنوها وعمروها مئات السنيين. كانت الجريمة دافعة وُمنتجة لحتمية خروج الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم ومدنهم.
فالفلسطينيون عدا عن مخطط التهجير والطرد الذي تعرضوا له، تعرضوا لمؤامرة على مستوى العرب الرسميين وعلى المستوى الدولي كدول وكمؤسسة دولية ممثلة بمنظمة الأمم المتحدة الُمنشئة قبل ثلاث سنوات من حدوث جريمة التطهير العرقي بحق الفلسطينيين.

حيث يؤكد ايلان بابه في كتاب التطهير العرقي، بان اتفاقا كان قد جرى في ذلك الوقت بين الملك عبد الله ملك الأردن وبين الحركة الصهيونية وتحديدا بن- غوريون، على تقاسم ارض فلسطين، يكون فيه للحركة الصهيونية، "إسرائيل" لاحقا، كل ارض فلسطين التاريخية، مخصوما منها الضفة الغربية والقدس الشرقية بما في الأخيرة من مقدسات تعود للمسلمين على رأسها المسجد الأقصى المبارك، لذلك وكما يذكر بابه في كتابه، فان الفيلق العربي الأردني الذي كان يقوده الضابط البريطاني "غلوب باشا"، لم تخرج صلاحياته ووجوده الدفاعي عن المناطق المخصومة من مجمل ارض فلسطين كما تقدم. وان حدث قتال بين الفيلق العربي الأردني وبين القوات الإسرائيلية، فكان بسبب طمع بن- غوريون بالسيطرة على مناطق هي باتفاق الطرفين خصصت للأردن.

وأما الأمم المتحدة وبالتحديد مراقبوها المبعوثون لمراقبة التهدئة الأولى والثانية، أواخر 1948 ومطلع عام 1949، فكان دورهم دور المتفرج فقط على جرائم الابادة التي كانت تقوم بها المليشيات الصهيونية ضد سكان فلسطين الأصليين. والأمر ينطبق على بريطانيا التي كانت تسهل حدوث جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، وكانت لا تتدخل لمنع وقوع تلك الجرائم المكشوفة، بل هي لم تحم السكان الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون تحت سلطتها بموجب صك الانتداب.

وبريطانيا في المجمل كانت اليد الطولى المتواطئة في تحقيق جريمة التطهير العرقي ضد العرب الفلسطينيين مع الحركة الصهيونية ومشروعها الكائن الكيان الصهيوني.

يُشير بابه في كتابه، إلى أن "إسرائيل" استمرت بجريمة التطهير العرقي ضد الفلسطينيين بعد طرد السكان وتدمير القرى والبلدات الفلسطينية، من خلال محاولتها لتزوير تاريخ البلد عبر تحويل القرى المدمرة إلى غابات حرجية مزروعة بالصنوبر، لا عطاء تلك القرى والبلدات نمط الحضارة الغربية، ولإيهام المستوطنين "الإسرائيليين" بان فلسطين كانت أرضا خرابا، وفارغة من السكان. وفي وسط هذه الغابات أقامت "إسرائيل" متنزهات ومواقف سيارات وغيرهما، وادعت أن المصاطب وبقايا البنيان الفلسطيني الأصل في تلك الامكان المُحًولة عن القرى والبلدات الفلسطينية، تعود لسكان يهود أقاموا فيها منذ القدم.

ويُمارس هذا التضليل والتزوير "الإسرائيلي" في محاولة لإنهاء حق الفلسطينيين في أرضهم و في العودة إليها عبر موقع الصندوق القومي "الإسرائيلي" على شبكة الانترنت، الذي يشرح عن جمال وروعة هذه ألاماكن باعتبارها يهودية وليست عربية فلسطينية.

المحزن في الأمر، والواقع في نقيض صارخ لعلاقة إنكار حق العودة للفلسطينيين، أن هناك فلسطينيين رسميين للأسف، يبدون استعدادا، بل يقودون حملات واتفاقات ومشاريع من اجل التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذين يقدرون اليوم بستة ملايين لاجىء، أي بمعدل يزيد عن نصف عدد سكان فلسطين من الفلسطينيين الأصليين.

وما صدر مؤخرا عن الرئيس عباس في لقاء له على قناة العربية وآخر مع صحيفة (هآرتس )"الإسرائيلية" بتاريخ 12- 9 – 2008، والذي أكد فيهما على تفهمه لموقف "إسرائيل" الرافض لعودة اللاجئين، وبأنه لا يطالب بعودة 5 ملايين لاجىء فلسطيني إلى" إسرائيل"، لأنه يفهم بأن "إسرائيل" ستنهار، وإنما يدعو " الرئيس عباس " إلى عودة معقولة حسب الشروط والمعايير "الإسرائيلية" المعروفة في سياق لم الشمل، وعودة بضعة ألاف من كبار السن الفلسطينيين الذي طُردوا وقت عمليات التطهير الصهيونية ضد الفلسطينيين، وعلى فترة تمتد لعشر سنوات، وهذا يعني وفاة أكثرهم قبل وصولهم إلى فلسطين، ومن سيصل، فان وصوله للدفن فقط في ارض الآباء والأجداد، دون أن يكون معهم في العودة أحفادهم وأبناؤهم.

وأما العودة الأخرى حسب فهم الرئيس عباس فهي إلى الدولة الفلسطينية العتيدة ، التي لا تستطيع استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين ، ولذلك فهو يتحدث عن التوطين والتعويض حيث يقيم اللاجئون الفلسطينيون ، مع حديث التخدير عن منحهم جنسية فلسطينية .

إن موقف الرئيس عباس ، وجل الطاقم الرسمي المفاوض من حق العودة كما سبق ، معناه شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، ومعناه أيضا إنكار جرائم الحرب والإبادة والتطهير العرقي التي ارتكبت ضد الفلسطينيين ، او على الأقل التغطية على ارتكابها ، ومعناه أيضا المساهمة بشكل مباشر ، أو غير مباشر في طمس الهوية الفلسطينية للفلسطينيين ، والعمل على تزوير تاريخ وحضارة وثقافة ارض فلسطين التاريخية .

غريب أن يكون موقف ايلان بابه مما حصل عام 48 ، شريفا وحقيقيا إلى هذا الحد ، وان يكون موقف فلسطينيين رسميين متراجعا إلى هذا الحد ، غريب أن يقول ايلان بابه العالم السياسي والمؤرخ بان "إسرائيل" تعاني من فقدان الاتجاه كدولة احتلال عنصرية ، وتستمر في مسيرة "عقم الانتصار" في وجه المقاومة الفلسطينية والعربية ، ومن ثم هو يؤكد على أن الحل الوحيد والشامل العادل لقضية فلسطين ، يكمن بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم وبلداتهم التي ُهجروا منها ، وان حلا دونه لا يمكن أن يكون شاملا ولا عادلا ولا جالبا لسلام او استقرار ، حتى وان ُأعطي الفلسطينيون دولة كاملة على جميع الأراضي المحتلة عام 67 .

وفي الوقت نفسه نجد المفاوض الفلسطيني يؤكد على لا واقعية حق العودة ، وعن ضرورة التنازل عنه وعن القدس من اجل دولة الكانتونات المقتولة والمعزولة ، التي هي في حقيقة الأمر سلطة للحكم الذاتي تحت الاحتلال ، مطروح أمرها "إسرائيليا" منذ سنوات السبعينيات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ