الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية.. العصية على العقل العربي

مفيد ديوب

2004 / 2 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


ربما لم يدفع شعب فاتورة الخلاص من حاكمه الطاغية, و اثناء حكمه, مثلما
دفع الشعب العراقي, و طيلة عقود طويلة. أنهر من دماء و مقابر جماعية. شباب و
نساء شيوخ و أطفال, مهاجرون و منفيون, و حروب طائشة رعناء مجنونة .
كانت فرحة هائلة عند سقوط عرش الطاغية. ترافقت مع غصّة و حزن شديد بنفس
الوقت, أن جيوش أجنبية هي التي أسقطت عرشه, و هي التي باتت غازية محتلة و
حاكمة . ظل حلم الديموقراطية دفينا بالصدور طيلة حكم الطاغية, و كلما ازداد
قمعه و بطشه كلّما توهج هذا الحلم, و ازداد التوق إلى يوم الخلاص من
الطاغية, و تحقيق الحلم المنشود.                                      و اليوم
.. بعد عام من سقوط الطاغية يتساءل العراقيون و نحن معهم : ماذا حل
بالحلم, ماذا حل بالديموقراطية ؟ !
لا شك أن المستعمر و إدارته التي كانت لها أحلامها, بأن تتمكن من إدارة
المجتمع و البلاد بنفسها, لكي تحقق الاستيلاء على ثروة النفط منفردة. لكن
الواقع كان شئ آخر, فشرعت تفتش عن خطوات بديلة كلما عجزت و تعثرت خطواتها
الأولى, إلى أن اضطرّت إلى الاستنجاد بهيئة الأمم المتحدة لتلعب دورها كي
يستقر العراق على نمط توافقي بين مكوناته, و تتمكن هي من رعاية مصالحها, و
هذا بحث آخر ليس مجاله هنا. و نعود للبحث عن الديموقراطية و الحلم الجميل.
كيف عبّر عنه الشعب العراقي و رموزه و سياسيوه, الذين ذاقوا مرارة السجون
و التعذيب و القمع العنيف من الديكتاتورية.
يذكر أمين عام الحزب الشيوعي عضو المجلس الانتقالي في مقالته الواردة على
موقع الحوار المتمدن 9/ 2 /2..4
يذكر تفصيلات ــ يمكن الرجوع إليهاــ عن الحياة في عراق اليوم, و التي
تصور المشهد بأنه غابة تفتقد إلى شريعتها الفطرية. تبدأ بأعمال القتل العبثي
أو الثأري, أو عودة المجازر الجماعية ضد الأبرياء المدنيين ـ و تصلنا بعض
تلك المشاهد المرعبةـ و تنتهي بالسلب و النهب و الاعتداء, و صولا إلى
الرشوة و المحسوبيات, و تدّخل العشائر و الطوائف و الإثنيات في تصريف شؤون
الدولة أو الوزارة. و بروز ذلك أكثر لدى القادة السياسيين, و استخدام نفوذهم
لتقاسم الغنائم و إحياء الولاءات.!!                       و نتساءل مع
الكاتب, أين أضحت الديموقراطية الحلم؟.. كيف تبخّرت من الأذهان التي
انتظرتها و حلمت بها طويلا ؟ و ننعيها مع الكاتب أيضا. و نقف بذهول و دهشة أمام
ذلك !!!... مع محاولة تفهّم الشروط الخاصة التي يعيشها الآن إخواننا في
العراق / احتلالا أجنبيا، فوضى، قمع متوارث /  لكن بالرغم من كل ذلك, يبقى
السؤال ملّحا:                                                                      
أين موقع الديموقراطية في وعي و عقل العراقي و العربي ؟ !                                                                                           
                                *                      *                       
*
المشهد الآخر من اللوحة يزيد من إلحاح و مشروعية السؤال السابق, و يجبّرنا
على البحث عن جذور الأزمة, متفادين المنزلقات السابقة, مثل إلقاء التهمة
على الأعداء ( استعمار,خيانة..) أو على الآخر..
المشهد الآخر من اللوحة هو: سقوط الديكتاتورية و الشمولية في جورجيا. و
ذكر هذا المشهد هنا لا يحمل معنى المطابقة أو سحب تجربة على تجربة. بل يقتصر
على مقاربة الأمر.
لقد استخدمت هناك أرقى أشكال النضال المعاصرة لإسقاط الديكتاتورية -
النضال السلمي بالاعتصام و التظاهر و العصيان المدني. و انهار النظام أمام ذلك,
و حصل الانتقال السلمي إلى مرحلة أخرى مختلفة, و جرت الانتخابات فورا, دون 
تهديم أو قتل أو إراقة دماء. و مع أن ذلك  له ظروفه الخاصة المختلفة عن ما
حصل في العراق, لكن ما حصل في صباح اليوم التالي, مقصود أكثر بالإشارة
إليه و الوقوف عنده, و هو أن الشابات و الشبان نزلوا إلى الشوارع, و بأيديهم
المكانس و المعاول ينظفوّن الشوارع و يحفرون في الأرصفة الفارغة من
الأشجار مواقع لزراعة أشجار جديدة فيها. و عند سؤال أحد الشبان عمّا يفعلون
أجاب:
إننا نبني وطننا الجميل ليصبح أكثر جمالا!!.
هناك... الشبان الذين يحملون المعاول و يزرعون الأشجار.. و هنا في العراق
يحمل الشبان آلات الموت, و يقتلون الآخر المختلف أو المدني البريء, و
أحيانا بالعشرات من أبناء الوطن ذاته ؟!! الجميع يتفهمون أعمال المقاومة ضد
الاحتلال..         لكن أحدا غير مستعّد لتقبل قتل المواطنين العراقيين
الأبرياء, أو هيئات دولية إنسانية, و أعمال ثأر و سلب و نهب, و تشكيل عصابات,
أو استخدام زعماء الطوائف و العشائر و الأحزاب المختلفة لمواقعهم, من أجل
المزيد من الاحتقانات الطائفية و التقسيمية..
و هنا يمكن القول أن هناك أسبابا عميقة لممانعة العقل العربي على تمثل
الديموقراطية. و المرتكزة على محور رئيسي هو الاعتراف بالآخر و حقوقه,و التي
كان ينشدها و يعاني الفظائع من غيابها, و يحلم باليوم الذي سيظفر بها.
وحين يسقط الديكتاتور و يحين وقتها, يعجز الجميع عن ممارستها و تطبيقها في
الحياة اليومية. أو إدارة الاختلاف مع الآخر..                            
هل صحيح أننا نحن العرب يسهل علينا هدم ما لا نرغب به, و نعجز عن بناء
أبسط الأسس, أو الأعمال لحياة طبيعية يومية, أو سياسية على مستوى الوطن ؟؟!
إذا كان هذا صحيحا, و هذا ما نخشاه و لا نرغب بتصديقه, فنحن حقا لا نستحق
الحرية التي ننشدها.. و لا نستحق الديموقراطية التي طالما حلمنا بها. و
نحن حقا لا زلنا في مرحلة بدائية من مراحل التطور الإنساني, و مازالت عقولنا
تحمل معها كل موروثات الماضي السحيق, رغم أننا نعيش في القرن الواحد و
العشرين.. 
و هذه الموروثات البائدة, و الحاضرة اليوم في الوعي , هي التي تحتل كامل
المساحة الثقافية , و تتثبت بها, و تتمّنع من الانزياح لصالح مفاهيم العصر
, و التي أصبحت الديمقراطية إحدى مسلماته لدى أغلب الشعوب ..                                                          

 هنا..يتوجب على الباحثين التوقف و التنقيب عن أسباب التشكّل المتوارث
للعنف , و أسباب الإعاقة التاريخية للديمقراطية .
يبدو الكلام و كأنه مجرد جلد للذات , من أجل جلد الذات.. لكن الأمر ليس
كذلك, بل لأننا بأمس الحاجة وقبل أي شيء آخر , إلى كشف زيف الأوهام الكبيرة
التي كنا نعيش فيها , و تعشش في وعينا. عندها فقط يمكن بعد أن نهبط من
أبراج أوهامنا إلى أرض الواقع,ونتمكن من معالجة مشكلاتنا بشكل ناجع, مهما
كانت .. كما تقتضي الحاجة إلى تفكيك كل المفاهيم, و الشروع ببناء مفاهيم
تستلهم ما أنتجه الإبداع البشري, و تستلهم روح العصر , بحاجة إلى تفكيك مفاهيم
الدين , و إعادة الدين إلى حقله الخاص به فقط , وبحاجة إلى تفكيك مفاهيم
السياسة, و تنظيفها مما لحق بها أوحال و تشوهات, مارسها أهل الدعارة باسم
السياسة, و إعادة الالق إليها.
أننا بحاجة إلى الإجابة على الأسئلة التالية بكل مصداقيته :
هل حقا نريد بناء أوطان  جميلة , أم ما نريده لا يعدو سوى فرض إرادتنا
بوسائل العنف على الآخر الأضعف و المختلف ؟ 
أم ما نريده هو اقتطاع جزء من الوطن لنشّيد فيه عزوة القبيلة , أو العشيرة
؟
أم ما نريده هو إشادة دولة على جزء من تراب الوطن, تتحقق فيها تصوراتنا
الدينية, المستجرّة منه بطن التاريخ الآفل.  ومن خيالاتنا الخادعة , ونمارس
فيها أمراضنا النفسية, من عدوانيات دفينة تجاه الآخر آيا كان ؟
عند الإجابة على هذه الأسئلة. سنكتشف لماذا لم نكن صادقين مع أنفسنا عندما
طالبنا بالديمقراطية , ولماذا كانت بالنسبة لنا كلام حق نريد به باطلا ,
ولماذا كانت الديمقراطية مجرد رغبة بالخلاص من الطاغية, و ليس أكثر. و ليس
من أجل الشروع ببناء وطن مؤسّس وفق الأصول الديمقراطية , ولماذا لم تتمكن
مفردات الديمقراطية من الولوج إلى نسيج وعينا , و كنا عاجزين عن تمثلها في
الوعي و في السلوك , و أخيرا لماذا لا نستحقها ؟

                                                     *             *                
11/2/2..4   مفيد ديوب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تعلق كل المبادلات التجارية مع إسرائيل وتل أبيب تتهم أر


.. ماكرون يجدد استعداد فرنسا لإرسال قوات برية إلى أوكرانيا




.. مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين: جامعة -سيانس بو- تغلق ليوم الجمعة


.. وول ستريت جورنال: مصير محادثات وقف الحرب في غزة بيدي السنوار




.. ما فرص التطبيع الإسرائيلي السعودي في ظل الحرب الدائرة في غزة