الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البحث عن عربي - غياب الترجمات عن العربية في روسيا

منذر بدر حلوم

2004 / 2 / 14
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


    "  اسم عربي على الغلاف ! –  يعوج فلاديمير درابكين رئيس تحرير مجلة أعمال الكتاب ( كنيجني بيزنس) فمه , مقلّبا الفكرة في رأسه – ربما يمكن تجريب ذلك في روايات الغرام , و لكن  لا , فحتى هنا الاسم العربي غير مضمون ". كان ذلك ردا على سؤال طرحته عليه عن رأيه في أسباب الغياب التام للمؤلفين العرب رغم وجود عشرات آلاف العناوين في سوق الكتاب الروسي اليوم . ثم يكمل درابكين : " يحتاج ترويج كاتب عربي إلى الكثير من المال , و لا أرى مصلحة لأحد بذلك ".
    من الواضح أن شيئا ما يمنع المستثمرين في صناعة الكتاب و تجارته في روسيا اليوم من تسويق كاتب أو كتاب عربي . لكن , أهو الموقف من ( العربي ) عموما يمنعهم من ذلك , أم سوء معرفتهم بالكتّاب العرب , أم على العكس من ذلك حسن معرفتهم بهم ؟ ثم إذا لم يكن لأولئك , لسبب ما , مصلحة في الكاتب العربي , أفلا يجب أن يكون لغيرهم مصلحة فيه ؟! كأن يكون للقارئ الروسي أو للحكومات العربية . يحيل هذا السؤال الأخير إلى مسألتين : الأولى عن العناصر التي يتحدد بها الطلب على الكتاب , والثانية عن علاقة السلطات العربية بالكاتب و بالكتاب عموما .
     فيما يتعلق بالمسألة الأولى يمكن القول بأن القارئ العام المقيد بجهله باللغات الأخرى يجد نفسه مجرد مستهلك لسلعة الكلام الذي يطرح في السوق بلغته الأم , أي يكون , بمعنى ما, مضطرا لتناول ما يراد له أن يتناوله . و لكن , أيعني ذلك أنّ الطلب على الكتاب لا يتحدد بالقارئ الذي لا معنى لوجود الكتاب من دونه ؟ ليس تماما . لكننا نكون هنا مضطرين للتساؤل عن العوامل التي تساهم في تشكّل القرّاء . فمن أين للقراء أن يعرفوا بوجود من هو خارج البرامج المدرسية ( أو الجامعية ) , و خارج اهتمام وسائل الإعلام , ما لم يتقنوا لغات أخرى و يتحلوا بروح الباحث  في آن . و حتى هؤلاء حين يكونون ( أو يضعون أنفسهم ) خارج منظومة نشر المعلومات و المعرفة يكون فعل ما يعرفونه ضعيف التأثير في الآخرين . و هكذا يكون طلب القارئ انعكاسا لطلب المؤسستين التعليمية و الإعلامية في المعظم الغالب من الأحيان . وهنا أود ذكر بعض الأرقام التي تشير بوضوح إلى غياب الأسماء العربية أو المواد المترجمة عن العربية في المجلة التي تزوّد القارئ بجديد الأدب العالمي أو تذكّره بقديمه و هي مجلة ( الآداب الأجنبية ) التي تصدر في موسكو منذ أمد بعيد . فبنتيجة إحصاء قمت به لجميع المواد المنشورة في أعداد السنوات الست الأخيرة منها , تبين أن مواد مترجمة من ثمان وعشرين لغة تم نشرها فيها . و ليس مفاجئا , طبعا , أن تحتل اللغة الإنكليزية الموقع الأول بواقع ( 208 ) مادة مترجمة , تليها الفرنسية بواقع ( 104 ) مادة , ثم الألمانية ب ( 69 ) , ثم البولونية ب ( 53 ) فالإسبانية ب (40 ) , فالإيطالية ب ( 28 ) و الهنغارية ب ( 19 ) و السويدية ب ( 14 ) و الصربية ب ( 9 )..الخ. و قد لا يكون مفاجئا أيضا أن تأتي العبرية في المرتبة العاشرة بعد الصربية مباشرة بواقع ( 8 ) مواد و أن تأتي اللغة العربية في المرتبة الأخيرة مع السنسكريتية الميتة. فالمادة الوحيدة المترجمة عن العربية في اثنين وسبعين عددا هي من ( الكتاب ) لأدونيس ( العدد 9 , 1996 ). و لا أعتقد أن الحال في أعداد السنوات التي سبقتها كان أفضل من ذلك . فما الذي ( ولا أقول من ) يضع العربية بين اللغات الميتة ؟ أهو ضعف الإنتاج الثقافي العربي , أم قلة الاهتمام بنا نحن العرب – إلا بالمعنى السلبي –  و بإنتاجنا ؟ و لكن إذا كان الآخرون لا يقلقهم حال إنتاجنا الثقافي ( الكلامي ) , فلماذا لا يقلقنا نحن ؟ أم أن كبرياءنا يمنعنا من عرض بضاعتنا على الآخرين ؟ أما لماذا لا تجد من يترجم عن العربية , على قلّة العارفين بها  و المهتمين بثقافتها من الروس ؟ فربما لأن لقمة الترجمة جافّة و مرّة , ذلك إذا وجد المترجم من ينشر له . أما المستعربون ذوو الخبرة من تركة دور ( رادوغا ) و( التقدم ) و( مير ) فقد لفظ بهم السوق إلى خارج جميع اللغات الإنسانية و لم يتلقفهم العرب المشغولون بثقافات أخرى .وعلى الرغم من وجود قسمي ( الآداب و الاقتصاد ) في جامعة موسكو الحكومية وهما يخرّجان سنويا حوالي عشرين ( عارفا ) باللغة العربية فإن شيئا في حضور الثقافة العربية في روسيا لا يتغير. فهؤلاء - كما تقول الدكتورة نتايا تولينا الأستاذة في الجامعة المذكورة - يبحثون عن فرص عمل في السفارات و في الترجمة الفورية التي تدر عليهم دخلا يسد بعضا من حاجاتهم , بل إن اختيارهم للتخصص , أصلا , مبني على هكذا آفاق عمل , لذلك تكاد لا ترى بينهم مهتما بالأدب أو الفكر بعد تخرجه .
     أما عن علاقة السلطات بالكتّاب , فسأتوقف , فقط , عند أمر يخص موضوع البحث وهو عدم وجود برامج  حكومية عربية لنشر الثقافة العربية و الترويج للكتّاب العرب كأحد أهم عناصر هذه الثقافة , على غرار البرامج الفرنسية التي تمّول ترجمة الكتّاب الفرنسيين إلى اللغات الأخرى , و نشرهم تعزيزا للحضور الفرنسي الفاعل في الثقافة العالمية .  أما حين كان الزمن السوفيتي لا يزال يسير بأحذيته الثقيلة فكانت مؤسساته الثقافية تترجم بعض أصحاب الأحذية الثقيلة و الأقلام الثقيلة إلى الروسية , فيفعلون فعل اللقاح المانع لتقبّل أي أدب عربي . و ليس حال المؤسسات الخاصة بأفضل من الرسمية , فأين هي صناديق الدعم التي تموّل ترجمة المؤلفين العرب إلى اللغات الأخرى ؟ لذلك فليس غريبا أن توجه رئاسة المركز الثقافي – الروسي العربي المستقل في سانت بطرسبورغ  في جميع أعداد مجلته         ( روسيا و العالم العربي ) دعوة " إلى كافة المؤسسات و الهيئات الثقافية و العلمية و الاجتماعية العربية إلى المساهمة في دعم و رعاية نشاطات المركز التي تهدف – كما تقول الدعوة – إلى نشر التراث الثقافي للعالم العربي , و تقديم المساعدة في تدريس اللغة العربية و تاريخ و ثقافة البلدان العربية .."علما بأن هذا المركز يشغل غرفة واحدة من غرف مكتبة أكاديمية العلوم في بطرسبورغ و يتمكن من إصدار عدد واحد في العام من المجلة المذكورة , يكون غالبا جامع أعمال ندوة علمية دولية تلقي بعض الضوء على جوانب مهمة من تاريخ العلاقات الثقافية العربية – الروسية كالاستشراق الروسي و أعمال المستعربين .. و على الرغم من الأهمية الكبيرة  لهكذا أعمال إلا أن فائدتها تكاد تقتصر على الأوساط العلمية الضيقة نتيجة طابعها الأكاديمي التخصصي من جهة و عجز المركز عن نشرها في سوق القراءة الروسي الواسع من جهة ثانية .
    إذا كان ثمة اهتمام بالنتاج الثقافي العربي اليوم , فهو لا يختلف كثيرا عن الاهتمام بثقافات الشعوب البائدة .فهناك من يحقق المخطوطات العربية و الإسلامية التي يوجد الكثير منها في المكتبات الروسية حتى الآن . و لكن أخشى ألاّ يكون هناك من يشغله النتاج الثقافي العربي المعاصر . وليس فقط الأدبي ففي الوقت الذي يحتاج فيه تسويق الأدب إلى أسماء لامعة , هناك موضوعات أخرى كالتاريخ و الفلسفة و غيرهما عنصر الجذب فيها ليس اسم المؤلف إنما الموضوع ذاته . لذلك فإن غياب الكتابات العربية في السوق الروسية في هكذا موضوعات يطرح أسئلة من نوع آخر , تشغل بعض العاملين في تسويق الكتب في روسيا . فمثلا , ترى لوبوف باسخينا المديرة التجارية لبيت الكتاب في بطرسبورغ أن اسم الكاتب يهم قرّاء الشعر و الروايات أما الموضوعات الأخرى فغالبا ما يبحث فيها القارئ عن العناوين والمضامين و لن يضيره أن يكون المؤلف عربيا أم غير عربي . فلماذا لا يبذل العرب جهودا لدخول سوق القراءة الروسي ؟ أم ليس لديهم ما يطرحونه فيه ؟
    تموت اللغات , غالبا , حين تبيد الشعوب الناطقة بها و تفنى , أو حين تفقد الأخيرة هويتها و تذوب في شعوب أخرى , و يغدو الاهتمام بها اهتماما بماض غابر يتلمس بعضا من ثقافة من حملوها وتاريخهم و تاريخ الحقبة التي عاشوا فيها . أمّا ونحن العرب لم نبد بعد , بالمعنى الجسدي , و لم نذب بعد , بالمعنى العرقي , فلماذا يتم التعامل مع ثقافتنا كثقافة شعوب بائدة ؟ أيرانا الآخرون نوعا جديدا من محنطات تأكل و تمشي و تحتفل و تأتمر و تقول الكثير من الشعر دون أن يشغلهم ذلك ؟ أم أن حديث الأموات لا يسمعه الأحياء ؟     








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا