الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إستراتيجية الردع بين الطوائف

عاصم بدرالدين

2008 / 9 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في الزيارة الأخيرة التي قام بها نائب رئيس الحكومة اللواء عصام أبو جمرا (من التيار الوطني الحر) لـميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، اشتكى من الغبن الذي يحيق بالطائفة الأرثوذكسية، وخاصة غيابها عن "موائد" اتخاذ القرار. مع ذلك فإن اللواء أبو جمرا لم يفته تنبيهنا إلى أنه يفضل "أن تبقى السياسة بعيدة قليلاً عن الدين" مستدركاً "إلا في ما يتعلق بالطائفة"! لأنه يعتبر "كل تنازل من قبل الطائفة الأرثوذكسية في محيط طائفي وفي تركيبة طائفية يسيء للطائفة من جهة وللتوازن بين الطوائف والآخرين من جهة ثانية، ولأن التركيبة طائفية، نحن مجبرون أن نحافظ على حقوقنا".

لن ندرس النص بحرفيته، فهو لا يشي إلا بتناقض مريع، فـ فصل "الدين" عن "السياسة"، كصيغة علمانية، في بلد كلبنان تصبح شعاراً استهلاكياً مستخدماً من قبل الجميع، حتى أشد الجماعات تطرفاً وغلواً في التحريض الطائفي.. على أن هذا يرجع إلى غياب ثقافة "البرنامج" لدى أشباه الأحزاب المكونة للحياة السياسية المحلية، وما يستتبعه ذلك من رقابة ومحاسبة يقوم بهما الرأي العام.

قبل اللواء السابق عصام أبو جمرا، أحد أعضاء الحكومة الانتقالية (الانقلابية بلغة البعض) التي شكلها العماد عون في نهاية الثمانينات، كانت الطائفة الأرثوذكسية بعيدة، على ما نعلم، عن "المظلومية" كمحرك للمطالبة بتحصيل حقوقها المسروقة والمنتهكة. وإذا كان "الدارج" اليوم هو عودة الاهتمام بشؤون الطوائف لغايات لا تخفى عن أحد، وإن لم يكن الأمر هنا قصدياً أو مخططاً له، فهذا ما يمكن أن نسميه لبنانياً بـ"الغريزة الانتخابية" لدى القوى السياسية.. إذا كان "الدارج" اليوم هو المزايدة الطائفية للشرائح "الحزبية" أو "العائلية" (آل المر، مثلاً، ضمن الطائفة المذكورة أعلاه) المكونة لكل ملة على حدة، فإن هذه التصريحات المطلبية أضحت في العرف الوطني، إستراتيجية ردع بين الطوائف، لترسيخ "التوازن بين الطوائف والآخرين" كما سماها أبو جمرا نفسه. فهذه المطالب لن يتحقق منها شيئاً، لا للشيء، إلا لاعتبارٍ واحد، هو أن التغيير الذي قد يطاولها يعني تغيير النظام السياسي القائم برمته، وهو ما يستنكف عن القيام به، آنياً، كل الأطراف دون أي استثناء.

فقد كان الجنرال عون، لا ينفك- ولا يزال- عن المطالبة بالحقوق المسيحية والمارونية تحديداً، راغباً بإعادة الصلاحيات الملوكية لرئيس الجمهورية، رغم علمانيته.. المشبوهة طبعاً! والسنة، وفي حال الغليان التي يعيش فيها اجتماعهم المحلي اليوم، صاروا يطالبون بعودة الحقوق والتحذير والتنبيه استنفاراً إلى أن السنة بسلطتهم ونفوذهم مهددين، حتى أن الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي، رغم أنه "حليف" للعماد ميشال عون، اعترض على رغبة اللواء أبو جمرا بفتح مكتب خاص له في السراي الحكومي، رافضاً أن يعود رئيس الحكومة "باش كاتب"! أما الشيعة الممثلين بحزب الله، وإن أردنا أن نأخذ فقط بعين الاعتبار تصريحاتهم المعلنة، فإننا نركن إلى تصريح نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، من فترة ليست ببعيدة وربما قريبة لزمن "أحداث السابع من أيار"، حين طالب باستحداث منصب "نائب رئيس الجمهورية" على أن يعود إلى الطائفة الشيعية وهذا ما أطلقت عليه سابقاً "الانتفاخ الطائفي". أما الطائفة الدرزية، ولأن قيادتها الجنبلاطية، كانت على الدوام "مع الجميع"، ولا تسعى إلا للحفاظ على الجغرافيا تثبيتاً للوجود، باعتبارها، أقلية دينية في العالم.. فصوتها المطلبي غالباً لا يظهر إلى العلن، لأن لا مراكز سياسية نافذة لها، بل إدارية وعسكرية، داخل التركيبة الحالية للنظام.

بناءً عليه، يتساءل المراقب، عن من يحكم لبنان حالياً. وإذا كانت كل الطوائف والملل تشكو من انتهاك حقوقها وضعفها، فمن يسرقها ويحتكر الإدارة والسياسة والقرار في هذا البلد؟ ولأننا نحن اللبنانيون، من أبتدع شعار "حرب الآخرين على أرضنا" (على واقعيته النسبية) سوف نتهم "الأخر-الغريب-الخارجي" باستغلالنا ونهب حقوقنا وضرب التركيبة المقدسة، وذلك لنخرج كـ"الشعرة من العجينة" من احترابنا الأهلي، ولنترفع عن قيم القبلية التي إحترفناها لسنوات، وما زلنا.

بيد أن حقيقة الحكم تشير إلى منحى آخر. وهو أن طائفتين اليوم تتقاسمان النفوذ والحكم. رسمياً وظاهرياً السنة (تيار المستقبل) هم حكام لبنان استناداً إلى ما فرضه اتفاق الطائف، لكن ما فرضه حزب الله في سلسلة جولاته المحلية، المتداخلة مع حروبه الخارجية، كان أشد وقعاً وتغييراً، وهو ما يعبر عنه اليوم بـ"سلطة الأمر الواقع". وهذه المطالب ما هي سوى ضجيج غبار، ولا قيمة فعلية لها، ولا تهدف إلا لإبقاء الصراع دائراً، دون تحقيق أي إنجاز، لكي لا تنسى الطوائف "المتفوقة" حالياً أن الآخرين لا يزالوا ينظرون بشبق إلى الحكم والنفوذ والتسلط. ولكي لا تغرر السلطة الفئة "المتفوقة" فتبتدع وسائل تعسفية للتعامل مع الأخرى "الضعيفة" لأن عجلة الحكم ستدور يوماً ما وتعود، فهذه هي "إستراتيجية الردع بين الطوائف".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: قتلى فلسطينيين في عميلة للجيش الإسرائيلي بقرب


.. غزة: استئناف المحادثات في مصر للتوصل إلى الهدنة بين إسرائيل




.. -فوضى صحية-.. ناشط كويتي يوثق سوء الأحوال داخل مستشفى شهداء


.. صعوبات تواجه قطاع البناء والتشييد في تل أبيب بعد وقف تركيا ا




.. قوات الاحتلال تنسحب من بلدة بطولكرم بعد اغتيال مقاومين