الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعايش الاضداد والاعتدال السياسي

كاظم الحسن

2008 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


يمكن القول بأن التعايش السلمي قد ابتدأ مع الدولة المدنية الحديثة، ويكاد ان يكون في الربع الأخير من القرن الماضي، فتطرف اليمين وأحاديته (الحزب النازي) قادته الى صراع وجود مع الليبرالية واليسار، والأمر سيان بالنسبة للحزب الشيوعي (الاتحاد السوفيتي سابقا) الذي يؤمن بدكتاتورية البروليتارية، أي انه صراع الآيديولوجيات.

وتمثل نهاية المانيا النازية وانحسار المد الشيوعي (ذي الصبغة الشمولية) بداية لما أطلق عليه تعايش (اليمين واليسار).
والتعايش بهذا المعنى لانصافه إلا في الأنظمة الرئاسية التي يتقاسم فيه رئيس الدولة ورئيس الوزراء السلطة التنفيذية شريطة ان يتقلدا منصبيهما بالانتخابات، ولما كانت هذه الوضعية الحرجة نادراً ما تحدث لما يكتنفها من غموض وصعاب جمة. أن تعبير التعايش يعد من أقل المفاهيم تداولا في حقل العلوم السياسية، وأن كان مفتقرا الى بؤرة الاهتمام في هذا الحقل عندما جاءت الهيئة الناخبة الفرنسية في مارس 1986 بأغلبية برلمانية يمينية في مواجهة رئاسة اشتراكية منهية حقبة طويلة من التفرد السلطوي لرئيس الجمهورية ارسى تقاليده الجنرال ديغول ومؤرخة لبداية تعايش صعب بين رئيس الدولة ميتران قطب الحزب الاشتراكي ورئيس الوزراء شيراك أحد رموز اليمين الفرنسي وزعيم حزب التجمع من اجل الجمهورية.
لا يذكر التعايش بين الاضداد الا ويذكر معه الاعتدال بمثل ملازمة الدكتاتورية للتطرف والاحادية، وفي هذا الحال هل الاعتدال يؤدي الى التعايش أم ان العكس هو الصحيح؟.
نعتقد ان قبول الآخر واحترام خصوصيته هو بداية التسامح وإقرار بالاختلاف المكمل للسوية الانسانية وذلك سوف يقود بالضرورة الى الاعتدال، والذي هو احد الفضائل الاربع الكبرى لدى اليونان، والثلاث الأخرى هي: الحكمة والشجاعة والعدالة.
ولهذه الفضيلة مكانة بارزة في تاريخ الأدب والفن اليوناني والروماني القديم، ومنها انتقلت لتسيطر على ميدان الفكر السياسي القديم، وتجمع هذه الفضيلة تحت ظلها شمائل عدة، أهمها القدرة على التحكم في النفس وشهواتها واحترام حدود الطبيعة البشرية دون إفراط أو تفريط، وفي عبارة موجزة هي تجنب كل سلوك غير معتدل وغير عقلاني وغير رشيد.
أما الأصل اللغوي للمصطلح فهو الكلمة اليونانية التي تعني (ذو عقل سوي) وكانت تستخدم في الأدب اليوناني القديم لوصف الشخص الذي يسلك سلوكا متسقا مع طبيعته وقدراته او الشخص الذي يملك حسا في مقابل التافه او المستهتر أو الارعن.
أما أول ظهور للمدلول السياسي للكلمة فكان مع ظهور دولة - المدينة، حيث بدأ استخدام المصطلح كإحدى الصفات التي يتوقف عليها النجاح الشخصي للفرد والصلاح السياسي للمجتمع.
أن منطقة الشرق الأوسط المسكونة بالنزاعات والصراعات السياسية هي بأمس الحاجة لتعايش الاضداد والاعتدال السياسي لا سيما بعد بروز التطرف الديني ويكاد ان يماثل اليمين المتطرف، وعليه فأن الأحزاب مطالبة باحترام التعددية والرأي الآخر وتمجيد فضيلة الاعتدال كأهم صفات المواطنة، ولقد كان لفضيلة الاعتدال مكانة بارزة في الفكر السياسي الإسلامي في العصور الوسطى رغم ارتباطها بالفكر السياسي اليوناني فقبلها حتى هؤلاء المفكرون الذين لم ترتد أصولهم الفكرية الى الفلسفة اليونانية وذلك يرجع أساساً الى اتفاق فضيلة الاعتدال مع المبدأ المحوري الذي قامت عليه الشريعة الإسلامية (خير الأمور الوسط).
لكن انعدام ثقافة حقوق الانسان ووصم المخالف للسلطة السياسية بالعدو والخائن والاعتقاد بوجود مؤامرة أزلية لا تنتهي أو أن الأمة التي ينتمي لها الفرد هي افضل الأمم وأحسنها على الإطلاق وأن لها رسالة لكل العالم، هذه التصورات سوف تقود بالضرورة الى التطرف، ولهذا السبب لا عجب ان يظهر شخص مثل بن لادن أو ايمن الظواهري وهم يحملون نزعات تدميرية وتخريبية نحو العالم والحياة،÷ ولذلك فان تعايش الأضداد والاعتدال والتسامح لن يكون لها وجود في حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية ما لم نتحرر من أوهام التفوق او مشاعر الاضطهاد او عقد التخلف.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار تطبيق تقنية الفديو المساعد -الفار- في الدوري الإنكلي


.. استشهاد 3 فلسطينيين إثر اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدين




.. 5 شهداء بغارة للاحتلال على مبنى لبلدية النصيرات وسط قطاع غزة


.. عراك بين شرطي إسرائيلي وجندي في جيش الاحتلال بسبب خلاف حول ا




.. أخبار الساعة | حماس لا تزال تدرس مقترح وقف النار والدعم السر