الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة العطور

كامل عباس

2008 / 9 / 24
الطب , والعلوم


ينتج عن نشاط الكائنات الحية سواء كانت نباتية ام حيوانية , وخلال دورة حياتها الطبيعية مفرزات عديدة من جملتها مفرزات تنبعث منها روائح متنوعة بعضها كريه وبعضها منعش بعضها مفيد وبعضها ضار , وجميعها تعمل على مبدأ انفصال جزيئات من تلك المفرزات وتطايرها في الجو حتى تصل الينا , بعضها يحط رحاله على البصلة الشمية في الأنف حيث يتم نقل الإحساس بها الى المركز الشمي في المخ ليتم تحليلها هناك , ومن ثم يجاب عليها حسب نوع الرائحة وما تسببه للجسم , وبعضها يقع على الجلد او على العين وتسبب لها حساسية معينة , وتلك الروائح قد تكون موسمية , مثل روائح الورود والأزهار في فصل الربيع ,وقد تكون مؤذية أحيانا , مثل حبيبات الطلع وما تسببه روائحها من رمد ربيعي للعين , وبعضها يكون دائما طوال العام , وهو ما ينتج عن تحلل الجثث العضوية في التربة ,او المخلفات البشرية كالبول والغائط .
قبل عصر الصناعة كانت تلك المفرزات مع روائحها جزءا من الدورة الطبيعية الحيوية لمواد النظام البيئي , ولم يكن لها تراكم يذكر وله اثر سيئ على حياة الناس , ولكن عصر الصناعة غير المعادلة كما جرى لصناعة العطور مثلا ,
جرى لصناعة العطور في عصرنا الحالي ما جرى لصناعة الأدوية ( لم تعد الأدوية تستخرج من مواد عضوية نباتية او بحرية او حيوانية ,اصبحت تركب في المخابر كيميائيا بعد ان عرف تركيبها , والعطور تم تحليل مركباتها الكيميائية ومعرفة طول وعرض وعدد وتتالي ذراتها , ومن ثم رُكبت كيميائيا ’ وقد وجد ان العطور عبارة عن مركبات كربونية ذات سلاسل بنزينية مغلقة , في حين تتكون مركبات البترول من سلاسل كربونية مفتوحة . لقد تمكن العلماء من تحويل السلاسل المفتوحة في البترول الى سلاسل مغلقة عطرية وأنتجوا الآلاف من العطور المتنوعة, والتييجة يعج بها العالم المتقدم والمتأخر بحيث توازي حوانيت العطور, الصيدليات في المدن والأرياف , وقد تتفوق عليها , و المشكلة ان الأدوية تصنع في المعامل ولكل دواء داء يعالجه , وهذا يعني ان استهلاك الأدوية حسب الحاجة التي يطلبها السوق, لكن صناعة العطور تتم للاستهلاك من اجل الزينة , وليس من اجل التداوي بها ’ وهنا تبدا المشكلة , حيث توجد شركات محلية وعالمية تنتج هذه العطور ولا يهمها سوى الربح , واستعمالها المكثف - سواء في الرحلات او الجامعات او المعامل – سبب أمراضا لا حصر لها (( ويتوقف تقرير طبي عند أحد مكونات العطور وهو المسك الصناعي ’ ليقول إن آثاره ضارة على منظومة الهرمونات البشرية , فاذا تعرض الانسان لتركيزات عالية منه , زادت احتمالات الإصابة بسرطانات الصدر والخصية والبروستاتا , ونقصان عدد الحيوانات المنوية عند الرجال والبلوغ المبكر للفتيات ))**
الشركات المنتجة للعطور تصدر لنا مع عطورها صداع وحساسية وفطور وايكزما وحكة ونوبات ربو وطفح جلدي وضعف تركيز وخفقان قلب والتهاب جيوب انفية ...الخ , والمشكلة ان تأثيرها لا يقتصر على من يستعمل العطور بل على كل الناس , وهذه الحادثة التي جرت معي شخصيا هي اكبر دليل على ذلك .
في الستينات من القرن المنصرم جاء الى اللاذقية فيلم هندي مشهور بعنوان (جنكلي) كانت أغانية ومناظره وحبكته العاطفية سببا في إقبال شديد عليه دام شهورا , ذهبت لحضور الفيلم برفقة أخي وامرأة أخي بعد ان حجزت لهم في سينما اللاذقية , وفي الصف الأول من القاعة ,ولسوء حظي فقد كان الصف الأول ممتلئا بسيدات أنيقات متعطرات بأفخم العطور وأنا أعاني من حساسية أنفية وامرأة اخي تعاني من حساسية صدرية (ربو) , لم نتمكن من متابعة الفيلم - بسبب عطاسي المتكرر وسعال امرأة أخي - لا نحن ولا الجيران ’ فاضطررنا الى مقايضة ثلاثة شبان في آخر صف من القاعة بالمحلات حتى حلت المشكلة .
ولكن اذا كان الحال في الستينات هو كذلك ’ فقد تغير الحال الآن حتى في مدينتي وربما كانت الصفوف الخلفية من المحلات العامة أسوا في هذا الجانب ولا تستطيع التبادل مع أصحاب مقاعدها ’ لأن هؤلاء يضعون عطورا رديئة قد تضاعف الرشح والربو معا وهذه الحادثة اكبر دليل على ذلك .
أعرف مدرس جغرافيا كان يدرس في احد المعاهد الخاصة في المحافظة أوائل هذا القرن وفي شعبة مختلطة 0بكالوريا ناجح ويعيد , وعدد الإناث في الشعبة يفوق عدد الذكور , اشتكى المدرس الى الإدارة كون الطالبات يضعن عطورا من النوع الرديء ومساحيق على الوجه والشفتين أردا ,وفي الشتاء والقاعة محصورة تتحلل تلك المساحيق وتصبح رائحة الغرفة كريهة لدرجة انها تعيقه في شرح الدرس ,لم تستطع ادارة المعهد من حل المشكلة , فهي لاتريد خسارة المعهد ماليا ولا تستطيع إقناع الطالبات الغواني ولا الذكور أيضا من عدم وضع مساحيق التجميل والعطور على ا لوجه والشعر , والمدرس لا يستطيع ترك القاعة فمادته جغرافيا ولا يمكن تامين قاعة بديلة , وبالتالي تتضرر حالته المادية , احتمل الموضوع رغما عنه , ولكنه توفي في النهاية . هو شخصيا كان يقول ان تلك العطور ستسرع من دقات قلبه حتى تواتيه المنية وقد حدث ذك فعلا .
(( ان صناعة العطور تعتمد على أكثر من خمسة آلاف مركب كيميائي و منها 95% مشتقات بترولية , وتشمل على مركبات مسرطنة , وأخرى مثبطة للجهاز العصبي المركزي , ومؤثرة على الجهاز التنفسي , ومسببة لأنواع من تفاعلات الحساسية , وقد نشرت وكالة حماية البيئة الأمريكية تقريرا عن عشرين مركبا كيميائيا , هي الأكثر شيوعا في معظم أنواع العطور المستخدمة بالعالم, جاء بينها الأستون وخلات الايثيل والكحول الاتيلي , ويجسد التقرير خطورة هذه الكيمياويات فيعلق قائلا : انها كيمياويات لايحق لأحد ان يتخلص منها بجوار بيتك , فمن حقك ان تقاضيه ان فعل ذلك ’ ولكنك لاتملك ان تفعل شيئا اذا جاءتك في هيئة منتج تضعه على جلدك او تتعطر به, ومن الكيميائيات المسرطنة التي وردت في قائمة العشرين مركباك خلات البزيل , الليمونين, كلوريد الميثالين , بالإضافة الى تسعة مركبات اخرى ضارة بالجهاز العصبي , ويتوقف التقرير بصفة خاصة امام (التولوين) الذي يشارك في تركيب اعداد كبيرة من العطور المنتشرة في العالم ’ وهو مركب كيميائي مسرطن , ومؤثر على الجهاز العصبي’ ويصيب المتعرضين له بالربو , وبالرغم من كل ذلك , فانك قد تقف أمام واجهة متجر للعطور ويبهرك منظر زجاجة بهيئة القلب , فتسارع الى شرائها لتستعملها بنفسك او لتهديها صديقا, حاسبا انك اشتريت حلما والحقيقة انه كابوس !)) ***
المراهقة كما رأينا لا تقتصر على البلدان الغنية والمتقدمة حضاريا ولا على الطبقات الارستوقراطية فقط , المراهقة تشمل البلدان الفقيرة والطبقات الفقيرة ايضا.
كامل عباس – اللاذقية
...............................................................................
هوامش :
* - هذا المقال فقرة من كتاب قيد التأليف بعنوان – البيئة والإنسان فترة مراهقة النوع البشري –
** - من مقال : ممنوع دخول المتعطرين , مجلة العربي عدد حزيران 2001 ’بقلم د. رجب سعد السيد .
*** - المصدر السابق .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممرض يشكو سوء الوضع الطبي في شمال غزة


.. اتفاق تشاوري حول المياه الجوفية بين الجزاي?ر وتونس وليبيا




.. غزة: انتشال 332 شهيدا من المقبرة الجماعية فى مجمع ناصر الطبى


.. ما الجديد الذي استحدثته مايكروسوفت في برنامج الذكاء المصغر؟




.. إطلاق مبادرة -تكافؤ- لدعم طلاب الجامعات التكنولوجية النابغين