الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادعوكم للتوقف عن الكتابة!

رياض الأسدي

2008 / 9 / 25
كتابات ساخرة


لماذا يكتب بني البشر على الطين، أو يرسمون على الجدران بالفحم، أو يترنمون بالأغاني البدائية الأولى التي لم يعرفها إلا عالم الاجتماع (مورغان) وحفنة من الدارسين للقبائل البدائية؟ ولماذا يجهد الباحثون أنفسهم منذ نشؤ الخليقة إلى يومنا هذا: ب(لماذا نكتب؟) ولمن نكتب؟ وما الهدف من الكتابة وهل تغير الكتابة العالم فعلا؟ سيل من الأسئلة المريرة الكبرى التي لا تجد لها إجابات غالبا، وهي تعود لتخرج رأسها بعد كلّ مرحلة حافلة بالصراعات لبني الإنسان.
كانت رسوم أجدادنا العراقيين الأول – ولم يكونوا كوردا ولا عربا ولا سنة ولا شيعة ولا توركمانا ولا مسيحيين ولا مسلمين ولا هم يحزنون- على جدران الكهوف في شانيدار وهزارمرد محطات أساسية مهمة علمت البشرية ضرورة التعبير عن الذات: هذا النزوع الأول للإنسان سيبقى ملازما له مادامت الأرض لم تتعرض حتى هذه الساعة التي اكتب فيها إلى تفجير نووي من فعل الآدميين!
والرسم كتعبير غرسه الله سبحانه في النفس الإنسانية هو كتابة أخرى، وبدايات الكتابة مهنة مقدسة ورائعة ولا نظير لها في محبة الروح والحياة والتعبير عنهما. لكن ثمة من يحاول نزع هذه المهنة الجليلة وحبسها أو تقنينها بل والقضاء عليها - إن تمكن من ذلك - بسبب اللؤم الغريب والتعقيد المبهم الذي يتوسط عقله والانغلاق السيئ في روحه، فينظر إلى أولئك الرسامين (الكتاب بالفرشاة والألوان) نظرة أخرى لا تليق بالتحضر والرقي المنشود، ولا لشيء محدد إلا رغبة في كبح (جماح) تلك الروح الإنسانية النبيلة في البحث عن ذاتها. فكثير من الرسامين توقفوا - زمن الحصار الأسود على العراق - بسبب عدم توفر الألوان أو الفرش أو المعدات اللازمة للرسم وغلو أثمانها ( بعضهم أستعمل فرش الحلاقة لأجل أن يواصل عمله!) كالخشب والقماش الأبيض المستعمل في لوحاتهم. وقسم كبير منهم (هج هج!) ولا أقول هاجر حيث عاد إلى الرسم الذي هو كتابة أخرى عن العالم بطريقة أجمل وأكثر دقة ووضوحا خارج عشه.
حسنا!، ها نحن نشاهد العديد منهم وهو يقيم المعارض الجماعية أو الشخصية عن بغداد والعراق الذي هو روحه وطريقته لكتابة العالم. ويمكننا أن نجد الحس الوطني العظيم لا يزال قائما في كلّ وقت في لوحات الفنانين التشكيلين العراقيين في الخارج والداخل الذين يصورون الحياة في العراق بطرقهم المختلفة وليعرضوا مأساته إلى العالم. وهكذا هم السينمائيون العراقيون (التسجيليون) ككتاب آخرين وغيرها من أشكال التعبير الكتابي: هم كتاب عراقيون خلص متنوعون يبحثون عن طرق للتعبير عن مأساة هذا الشعب المبتلى بالموت قبل أي شيء أخر. ترى من يوقف عجلة الموت فينا؟ ومن يجازف بصدره ليصرخ بها: قفي أيتها القذرة!! هذا يكفي: عجلة سوداء دوارة تخترم الأشياء والأجساد اختراما. أما آن لكل هذا العذاب العراقي أن ينتهي؟؟
ويبقى السؤال: لماذا يتوقف العديد من الكتاب عن النشر؟ لدينا مثالا حيا قريبا في الشاعر العراقي الكبير محمود البريكان، وأرتور رامبو، وارنست همنغواي، وفرجينا وولف وخليل حاوي: هذا الأخير وضع نهاية ليس لشعره فحسب بل لحياته كلها حينما أطلق النار على نفسه إبان الحرب الأهلية اللبنانية. فسجل الشاعر خليل حاوي واحدة من أعظم الاحتجاجات الإنسانية على حرب قذرة أخرى طحنت شعبه بلا مبررات معقولة. وكان انتحارا (ايجابيا) رائعا من اجل التذكير بهول ما تعرض له اللبنانيون إبان الحرب الأهلية 1975-1989 وعلى جميع الحروب أيضا من بدء الخليقة إلى يومنا الحربي هذا. كلّ الحروب تحمل ما يكفي من المضامين غير المعقولة دائما. وثمة قائمة طويلة من الرافضين كتابيا أو الخارجين عنها جسديا ولا مجال لذكرهم جميعا الآن؛ ولكنها في الوقت نفسه مادة دسمة لأولئك الباحثين القادمين – إن سنحت لهم الفرصة لذلك ولم يبتلوا بما أبتلي به جيلنا- في شؤون تاريخ الثقافة والأدب والفكر. كما إن كتابا آخرين توقفوا عن الكتابة ثم عادوا إليها بشغف غريب: حدث ذلك الأمر لدى الروائي العراقي عيسى مهدي الصقر بعدما وجه له القسم الثقافي في مجلة ألف باء ذات مرة في منتصف الثمانينات من القرن الماضي رحمه الله سؤالا عن سبب توقفه عن النشر أو الكتابة، فكان جوابه أن عاد إلى الكتابة حتى أخر يوم من حياته!
بالطبع لا يتعلق التوقف عن النشر بالتوقف عن الكتابة، بل إن هذا الوضع قد يعني وجود رفّ (ما) في بيت كلّ كاتب يضع عليها نتاجاته التي لا يريد لآخرين الاطلاع عليها. ويوجد كتاب – أعرفهم جيدا – لا يرغبون بنشر أي نصّ لهم ولم يجازفوا بذلك قط، ورغم ذلك ما زالوا يكتبون؟ احترم أولئك الكتاب المجهولين أكثر من كتاب عديدين يأتوننا بنتاجهم البيتي أو مشكلاتهم الشخصية وعقدهم النفسية لتنشر على الناس. أولئك الكتاب المحترمون البيتيون من النوع الذي ندعوه: يكتب لنفسه أو لمجموعة صغيرة من أفراد عائلته، أو أصدقائه، وهو ضرب من المذكرات اليومية على شكل رسائل أو قصائد شعر أو دارميات وحتى قصص أيضا؛ احترم هؤلاء الكتاب كثيرا أكثر من أولئك الذين يشيعون قيئهم (الشخصي) المقرف علينا كلّ يوم دون أن يتنبهوا إلى أنهم يمارسون كتابة مذكراتهم الشخصية ويجلدوننا يوميا تقريبا لقراءتها بطرق مختلفة. وادعوا هؤلاء حقيقة إلى التوقف لأنهم يكتبون من اجل عوائلهم الصغيرة وأصدقائهم المحدودين دون أن يعوا ذلك. ولكن..
ماذا لو أنك شعرت بأنك كاتب وثمة مسدس (بصوت كاتم) موجه إلى رأسك؟ موقف أخر يزداد سخونة هنا في عراق الداخل. وثمة من يهمس: ولككككك! روحك توقف!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان