الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في هجاء القبيلة

سامر خير احمد

2004 / 2 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


لا نأتي بجديد اذا قلنا ان التاريخ العربي المعاصر شهد وفي موازاة القبيلة بمعناها  الاجتماعي التقليدي، قبائل سياسية اتخذت اشكال الاحزاب، فكان الحزب السياسي في حقيقته يتمثل قيم القبيلة ومفاهيمها في سطوة الزعيم على كل واحد من الافراد، وكان الافراد بدورهم يتآزرون لا لخدمة الايديولوجيا التي ينطلقون منها، وانما للتناصر فيما بينهم ظالمين او مظلومين.
كان هذا حال احزاب البعث مثلا، وفروع جماعة الاخوان المسلمين، وهذه الاخيرة معروفة بتبرير تصرفات كافة افرادها مهما كانت، سواء كان هذا الفرد مرشدا او مراقبا عاما او قياديا او عضوا عاديا، بمعنى انها لا تعترف بالخطأ وتحرص على تلميع صورة اعضائها مهما عملوا. وعلى ما يتضح فان هذا ليس سلوكا مدنيا من النوع الذي يفترض ان تتصف به الاحزاب السياسية التي هي نتاج التنظيم المتحضر للبشر والمتقدم على التجمعات البشرية العصبوية التقليدية، بل هو سلوك يتغطى بالشكل التنظيمي المتحضر، فيما هو في داخله يمارس التصرفات الغرائزية القديمة نفسها، لكن دونما شعور بوخز الضمير «الحضاري»!
الجديد في التاريخ العربي هو ما يدور هذه الايام في العراق، خاصة بين الشيعة، اذ ان كلمة واحدة من صاحب العمامة كفيلة بتحريك مئات الالاف من البشر، حتى لو كان اكثرهم لم يفكر او يتدبر في فحوى ما يطالب به، فهؤلاء المتظاهرين لا يتحركون في ضوء برنامج وطني يفهمونه ويطالبون بتحقيقه، بل هم على الأغلب يظنون الامر واجبا دينيا كونه صادرا عن مرجع ديني،  وهكذا فهم يتآزرون فيما بينهم لنصرة «الزعيم» صاحب النفوذ الكبير بينهم، بغض النظر عن فحوى ما يطالب به، وهؤلاء الذين يتظاهرون اليوم مطالبين بالانتخابات التي طالب بها «الزعيم» سنراهم يتظاهرون غداً ضد اجراء الانتخابات فيما لو غير زعيمهم نفسه مطالبه.
اذن ما الفرق بين هذه الطريقة في التناصر وتلك القائمة في القبيلة العربية حيث لا يسأل المرء اخاه برهانا حين يطلب نصرته؟ لا شيء. هي اذن قبلية دينية، فلا احد يفكر ما اذا كانت المطالب تنطلق من اصل ديني/ايديولوجي ام لا، حتى تكون المطالبة عندها مبررة نظريا، فالمهم عندهم ان الزعيم «قال ذلك»، وهذا على ما يتضح لا يتناسب والسلوك في الجماعات والاحزاب التي تنطلق من افكار دينية وتجعل الافكار هي الحكم في صحة التصرفات ومشروعية المطالبات، انما هو إلباس للسلوك القبلي برداء الدين والفكر الديني.
المهم هنا ليس تحليل هذا الواقع، وانما استكشاف ما يشي به لجهة المستقبل، حيث يبدو ان الحياة السياسية العربية غير مرشحة للخروج من ليلها البهيم، لانها اليوم تترك القبيلة السياسية الى اخرى دينية، وهي بذلك لا تغادر الثقافة التي ما فتئت تعطل نهضتها وانطلاقتها الحضارية الممكنة، فهذه الاخيرة لا تتحقق في غير بيئة مدنية تعيد تشكيل مفاهيم وقيم الافراد في العالم العربي، وعليه فانه لا تغيير ولا تقويم دون البدء بهجاء القبلية بكل تجلياتها، بدءاً بالقبيلة الاجتماعية التي تلد الفرد المقموع  وليس انتهاءً بالقبيلة الدينية التي تتغطى برداء القداسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عودة الصدر للسياسة تقترب.. كيف تلقى دعما من السستاني؟ | #الت


.. تونس..مظاهرة تطالب بتحديد موعد لإجراء الانتخابات الرئاسية|#غ




.. الهجوم الإسرائيلي على رفح وضع العلاقات المصرية الإسرائيلية ع


.. تحقيق إسرائيلي يوثّق انتحار 10 ضباط وجنود منذ بدء الحرب




.. قوات الاحتلال تطلق قذائف على صيادين في البحر