الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قضايا الشرف في المجتمع العربي

فدى المصري

2008 / 9 / 25
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


تعتبر قضايا الشرف من الظواهر الاجتماعية التي تتفاعل في انتشارها عبر المجتمع العربي بصمت دون أي رادع لها قانونيا ً أو اجتماعيا ً ، وفق ما يمارس من جرائم قتل بحق النساء ضمن مآرب الشرف والعرض الذي يشكل هاجز أساسي للعديد من الذكور في ظل مجتمع ذكوري عشائري . ولعلنا هنا ندرك حجم المعاناة التي تعيشها المرأة من جراء هذه الأمور التي تسلب حقها وإرادتها ، وتجعلها عنصرا ً مكبوتاً نفسيا ً وجنسيا ً وسلوكيا ً ، خوفاً من السلوكيات المعّنفة التي تمارس عليها ، لمجرد الشك بسلوك انحرافي وقع بحقها .
ورغم أهمية قضايا الشرف الممارس في العنصر الثقافي لدى المجتمع العربي إلا أننا نجد أن حجم هذه القضية تتفاوت من بلد لآخر ومن بيئة لأخرى ضمن البلد الواحد تبعاً لشكل العادات والتقاليد وشكل التركيبة الطبقية البشرية للمواطنين ، بحيث أننا نلاحظ كلّما كان المجتمع عشائريا ً ، كلّما ازدادت نسبة حدوث الجرائم المرتكبة بحق النساء في إطار قضية الشرف ، والعكس هو الصحيح . إلا أننا رغم هذا السلوك المعنف بحق النساء نجد له الحماية القانونية والتشريعية التي تخفف الحكم عن المرتكب مثل هذه الجرائم ، تحت ذريعة حماية وصون شرفه من العار ، وغسل عار عائلته بدم الفتاة المَجني عليها ، دون أي نظرة قانونية ترأف بحالة المغدورة ، تحت ذريعة الأعراف والعادات والتقاليد الموروثة .
كما أننا نلاحظ ، أن العديد من قضايا الشرف التي تُرتكب تستند إلى معلومات خاطئة ، ومصحوبة بالشك دون أي تحقيق من مدى صدق المعلومات ، لدى مرتكبيها بحق الأخت ، الأم ، الزوجة ، فيبنون الأحكام مسبقا ً على أساس الأقوال المتناقلة إليه ، فيرتكبون أبشع الجرائم بشكل مصحوب معها الغضب الشديد ، بناءً على ما قد تم تداوله بحق العرض تجاه الضحية ، وغالباً ما قد يصابون بالندم على ما قد فعلوه ، عندما يتبين البراءة وعذرية المرأة ، بعد تشريح الجثة من قبل الأطباء الشرعيين . فيكون الشك هو سيد الحكم على الضحية ، مصحوب بغضب عارم يبنيه كلام وأقاويل خاضع لاعتبارات الأعراف والعادات الموروثة ، متناسين الأسباب الكامنة وراء ارتكاب الضحية مثل هذه السلوكيات الملتوية التي لا يتقبلها المجتمع ، ومتناسين قول " قبل أن تحاسب الآخر حاسب نفسك " فأين كانت الأسرة الأب والأخ ، عندما كانت ابنتهم ، تلجأ لسلوكيات يرفضها المجتمع من خلال علاقاتها الاجتماعية مع الجنس الآخر ، فلا يصحوا إلا عندما يتوجب عليهم غسل هذا العار بقتل الفتاة . علما أن الكتاب الكريم قد نص بشكل واضح على عقوبة الزاني والزانية بالجلد مئة جلدة ، وليشهد على عذابهما طائفة من المؤمنين وذلك عبر الآية ، من سورة النور كما ورد في كتاب الله العزيز ، ولم يُقال اذبحوا الفتاة وطهروا عار العائلة أو القبلية بهدر الدم ، وارتكاب الجرائم بالقتل المتعمد للنفس التي حرم لله ذلك ، وخاصة أن غالبية جرائم الشرف ترتكب ، وفقا ً لأقوال متسرعة ومغلوطة ، من دون التحقق أو التأكد من مصداقية الأقوال التي يقذفون بها المحصنات من النساء ، ففي السورة النور نفسها ، يتم التأكيد عبر الآية 4 ، التي تشير بالعقوبة بثمانين جلدة لمن يرمون المحصنات ولم يـأتوا بأربع شهداء على قولهم هذا ، ولا يقبل لهم أي شهادة ، وذلك حرصا ً على نقل الأخبار والتأكد من تناقلها وفقا ً للحقائق ، ومنع التأويل أو التلفيق أو التشويه للحقائق لما لها من نتائج وخيمة على الفرد وعائلته بحد ذاتها ضمن المجتمع العربي .
ورغم ، نص القرآني ووضوحه ، نجد من ينفذ القوانين والأعراف الموروثة ، متغاضين عن العدالة الإلهية ، فينصبوا لأنفسهم محكمة يكونون فيها القضاة والمحامين والمنفذين ويشرعوا لأنفسهم تنفيذ الحكم ، دون أي رحمة بحق المُجني عليها ، ليأتي القانون ويخفف الحكم عن الجاني ، تحت عنوان ساعة غضب وغسل العار ، وتحت بند قضية الشرف الواجب أخذها والذي يحلل استباحة الدماء تحت أعذار واهية يتلطى عبرها المجرم ألا وهي ساعة غضب لقضية شرف ، الذي يبيح له هذا النظام الاجتماعي الموروث . ومن هنا ثمة حركة للجمعيات النسائية التي تدعو إلى إلغاء هذا البند من العقوبات، حيث يتم المطالبة عبر جمعيات " المرأة وحقوق الإنسان " بإلغاء المادة (240) من قانون العقوبات، والتي تمنح العذر المخفف للقاتل، على أساس أنه ارتكب الجريمة خلال ثورة غضب لشرفه. وبالتالي فأن القتل المتعمد تحت غاية الشرف والدفاع عنه يجب أن يحاسب عليه وفق العقوبات المنصوص عنها حول القتل المتعمد ، وهذا ما يساعد في تقليص حجم الجرائم القتل دفاعاً عن الثأر للشرف وتحت طيات الغضب لعرّضه إزاء سلوكيات ممارسة من قبل الفتاة تحت عنوان سلوك غير شرعي.
لا من التنويه هنا ، أن بعض الدول العربية قد تجاوزت هذا المطلب التشريعي لاستحداث قوانين جديدة تحفظ حق الأم العذباء في حماية وليدها وتسجيله على أسمها ، وتضمن بقاءه بجانبها كتونس مثلا ً ، وذلك بسبب ارتفاع أعداد الولادات الغير شرعية ، ولا يوجد من يعترف بأبوتهم ، فيتم رمي اللقطاء على قارعة الطرقات . وهذا ما يسبب للدولة نفقات كبيرة لتأمين الحماية لهم من خزينتها من تأمين إيواء لهم ومستلزمات بقائهم على قيد الحياة. وهذا ما دفعها إلى الموافقة على المواد القانونية المستحدثة تحت ضغط الجمعيات النسائية وحماية حقوق الإنسان إلى تشريع هذه القوانين ، وحفظ حق الأم بالاحتفاظ بوليدها دون أي تعرض لها بالاعتداء ، مع العلم أن مثل هذه القوانين المستحدثة سوف تساهم بارتفاع حالات المساكنة والزنا ، والذي يشكل خطر كبير على تركيبة الأسرة كمؤسسة زواجية شرعية تحمي حقوق الطفل ، تبعا ً لتقلص أعداد المقبلين على الزواج وتعمل على ارتفاع نسبة العُذوبة بين صفوف الشباب .
وإذا حللنا أسباب هذا التجاوز السلوكي من قبل الشباب بشكل عام والفتيات بشكل خاص، نجد عوامل عديدة متفاعلة في تشكيل هذا السلوك الغير شرعي في تكوين العلاقات بين الجنسين ؛ مع العلم أن المجتمع يحاسب الفتاة فقط ؛ في حين نجد تبرأة لسوك الذكر الذي لا يتم محاسبته كونه حر في تصرفاته، ضمن مجتمع ذكوري يبيح له الحرية الكاملة . وهذه العوامل تتعلق بالعوامل الأسرية ، الاجتماعية بشكل عام .
فالتنشئة الاجتماعية التي تتعرض إليها الفتاة ، من تميز بحقها بينها وبين الذكور ، كون مجتمع يحبذ قدوم الذكر ويسعد لقدومه أكثر من الفتاة ، ويترجم هذا التميز بتعزيز الدونية في نفسية الفتاة ، وتبعيتها ، كعنصر خلق لخدمة الذكور الحامي لها ؛مما يفقد لديها ثقتها بنفسها ويتكون لديها الكبت والحرمان خاصة الحرمان العاطفي الذي يدفعها للتفتيش عنه خارج إطار مؤسسة الأسرة ، فتقع ضحية الهتك لعذريتها أمام ارتمائها في أول حضن يؤمن لها عاطفة الحب والأمان العاطفي ، دون وعي كاف لديها لهذا السلوك الخاطئ خاصة مع انتشار وسائل الإعلام من جهة وأدوات الاتصال والتواصل من جهة أخرى فشكل الانترنت مثلا ً وسيلة سهلت بناء العلاقات بأشكالها المتعددة أمام الجنسين في ظل انعدام الضوابط الأخلاقية والاجتماعية والأسرية . وهذا السلوك التي تمارسه نجده يتم دون أي حسيب أو رقيب اسري على تصرفاتها أهوائها ، وعندما يعلمون ويكشفون أمرها ينتفضون للثأر لكرامتهم ولشرفهم الذي هدر بسببها.
كما أن وضع الأسرة ومتطلباتها المادية تجاه قبولها بالزوج المرتقب لأبنتهم ومعارضة زواجها تحت عتبة الفقر وعدم تأمين المستلزمات المادية والكمالية من مهر ونفقات ومستلزمات أخرى . تدفع بالعديد من البنات إلى الزواج السري أو العرفي ، تحت ضغط وممانعة الأهل ، فيجدون الشباب هذه الوسيلة أقصر الطرق لحل رغبتهم بالزواج ، وذلك لعدم مقدرتهم على مواجهة الأهل تجاه اختيارهم . وهذا ما يشكل الدافع الأبرز لانتشار ظاهرة الزواج العرفي في المجتمع العربي ككل وخاصة في مصر الذي استفحل انتشاره ، مما أدى إلى استنفار إعلامي عبر المسلسلات الدرامية والبرامج التثقيفية الدينية ، لتوعية الأهل والأولاد إلى مخاطر هذا الزواج وما يسبب من نتائج وخيمة تدفع ثمنها الفتاة نفسها مدى حياتها ؛ إذا خلا بها الزوج ولم يعّترف بهذا الزواج الغير مثبت شرعيا ً ، والذي يحصد ولادات لأولاد لا يستطيعون الحصول على هوية وإثبات نسب، فيعيشون كلقطاء ضمن مجتمعهم المحلي ويعانون من النظرة الدونية ومن ظلم اجتماعي يدفعونه هؤلاء اللقطاء ثمن تسرع وطيش آبائهم في زواجهم العرفي .
من هنا ، ندعو لكل أب ، أخ قبل الثأر لشرفكم ، يجب التعلم كيفية تنشئة الفتاة وتعزيز ثقتها بنفسها ، ضمن جو أسري سليم يقوم على الصراحة والتفاهم ، والثقة المتبادلة ، وتعزيز الوعي لديها ، وتأمين جو من الألفة بين أعضاء الأسرة الواحدة ، كلما كانت التنشئة سليمة ويتخللها الألفة والانسجام والثقة المتبادلة ، كلما كان هناك توافق سلوكي بين أعضاء الأسرة الواحدة ، وخاصة سلوك السوي لدى البنات الذي يتكون من النضج والوعي والإدراك لكل ما هو صائب ، يعصمها من ارتكاب الأخطاء التي تدفع ثمنها هي نفسها ضمن مجتمعها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم إعاقتها أثبتت ذاتها في مجتمعها وتسعى لتعليم غيرها


.. 3 شابات تحرزن جائزة الشعر الكردي للشباب




.. حرية الملونين عنوان مسيرة يوري كوتشياما


.. تضييقات ومحاكمات العمل الصحفي في تونس بات جريمة




.. الصانعة آسية جميل