الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أغلقوا وزارة الأنفاق في قطاع غزة

محمد داود

2008 / 9 / 26
القضية الفلسطينية


للأنفاق رواية تاريخية حافلة، وشرف بطولي ونضالي ثوري، انطلقت باكورته الإبداعية الأولى التي تستحق كل تمجيد واحترام عندما وظفها الشهيد جيفارا غزة كمأوى يتحصن به ليواصل مقاومته للاحتلال الإسرائيلي، كما ساعدت الأنفاق في مرحلة سابقة لربط المنازل التي يقطنها مناضلين ومطاردين فكان يعجز الإسرائيليون عن معرفة أو مراقبة أماكن تواجدهم، بالتالي أخذ هذا الأسلوب أبعاداً في ظل تطور وسائل الصراع والحاجة إلى اختراق الحصون والمواقع الإسرائيلية وهو ما شهده قطاع غزة قبل اندحار الاحتلال عنه عام 2005، وكانت ابرز تلك العمليات الفدائية " محفوظة ومعبر رفح والسهم الثاقب والوهم المتبدد.."
إلا أن الحصار الذي فرض على قطاع غزة عقب سيطرة حركة حماس عليه في يونيو حزيران العام الماضي أخذ يرسم فصولاً من المعاناة لا سيما بعد إغلاق معبر رفح الذي يشكل المنفذ الوحيد لدى ما يقارب من مليون ونصف نسمة في قطاع غزة الخاضع للحصار الإسرائيلي. إذ لم يعد المعبر يفتح إلا في الحالات الإنسانية الطارئة، بعد إعلان إسرائيل عن قطاع غزة كيان معادي، وإغلاقها لكافة المعابر المؤدية إليه ومنع استيراد وتصدير البضائع، بالتالي أخذ هذا الواقع الجديد يروي قصصاً وحكاوي الأنفاق الفلسطينية وأساليب حفرها وضحاياها بعد أن امتدت إلى خارج الأرض الفلسطينية، باتجاه سيناء وأرض مصر الشقيقة، فمثلت حالة استثنائية لصورة الحياة الإنسانية الفلسطينية وضرورة إيجاد البدائل، لتلبية المتطلبات والحاجة، فكان محاصر بين شروط الإكراه السياسي، ومطامع البشر، فمصر كانت تعلم بها وتتستر عليها وتحتضن أولئك المتنقلين بين الأنفاق ذهاباً وإياباً على مر الأعوام السابقة، لا سيما أولائك الذين يهربون الأسلحة والذخائر للفصائل الفلسطينية المقاومة لإرساء قاعدة قوة الأخيرة حتى تواصل نضالها ضد الاحتلال، لذلك كانت تتعامل مصر مع هذا الشأن من منظور قومي ووطني وعاطفي وإنساني وأيضاً تجاري ربحي في أحيان أخرى لسد حاجات المواطنين الغزيين، طالما هي بعيدة عن المساس بأمنها القومي، إلا أن هذه الآفة أخذت مناحي وانتشرت وأصبحت روح الغزيين وشغلهم الشاغل خلال العامين المنصرمين وأصبحت الرئة الوحيدة للقطاع تستثمر لتهريب : "حيوانات أليفة وغير أليفة وأحياناً البشر وفي الغالب البضائع مثل : الملابس والأحذية والأجهزة الالكترونية والأغذية الجبن واللبن والشاي والقمح والسكر ومواد أخرى مثل الأسمدة والأدوية بما في ذلك الفياجرا والمحروقات والعتاد"، لكن المقلق هو تهريب بعض الأشياء الغير شريفة مثل المخدرات والعقاقير، وإغراق الأسواق بالسجائر والسلع التي لا تغني ولا تسمن من جوع، والحق يقال أنها أسهمت في تأمين بعض وسائل العيش ودعم المقاومة. لهذا عبرت إسرائيل في السابق عن خشيتها لهذه الظاهرة باعتبارها وسيلة تأمين وإمداد لوجيستي للمقاومة، فسارعت بإطلاق المقترحات والخطط لمواجهة سيل الأنفاق المتدفق، فاقترحت بناء جدار إسمنتي عميقاً وشاهقاً، كما اقترحت أيضاً بناء سد مائي يهدد كل نفق يحفر بالغرق، في ذلك المحور المعروف باسم "فيلادلفيا" ولكن بقيت مجرد مقترحات يصعب تحقيقها.
إن التطور المصري في التعامل اتجاه ظاهرة انتشار الأنفاق أخذ في الزيادة نتيجة أزمة العلاقة وإغلاق معبر رفح لاسيما بعد أن سيطرت حركة حماس على القطاع، وكثافة الضغوط الخارجية على مصر للحد منها، وهنا قدمت أمريكا دعماً مادياً وساهمت في تأهيل الضباط المصريين وإرسال خبراء وتقنيات تكنولوجية حديثة تساعد في اكتشاف ورصد الأنفاق وإغلاقها، رغم الكلفة الباهظة في حفرها والتي يستغرق حفر النفق الواحد خمسة أشهر على الأقل بتكلفة تصل حوالي إلى أربعين ألف دولار على الأقل، ويتسم النفق بعمق يصل أحياناً إلى خمسة عشر إلى خمسة وثلاثين متراً، وبعرض مترين، وطول بين كيلو إلى ثلاثة كيلو مترات في مناطق العشائر، أما الأموال التي يتم تداولها هناك فهي مبالغ طائلة تقدر بعشرات الألوف من الدولارات، وأرباح يجنيها أصحابها تكفي لأن تكون من أثرياء هذا العالم، ولكنها تبقى محفوفة بالمخاطر والمشقة وهو ما كشفته حالات الموت التي راح ضحيتها عمال الحفر خلال السنوات الأخيرة لكن من أجل المال تهون الأنفس، فلا يكاد يوماً يخلو دون أن تطالعنا وسائل الإعلام بخبر عن ضحية في نفق، وقد سجل أمس الأول زيادة بالغة في عدد الضحايا، بعد أن قضى ستة مواطنين خلال تفجير داخل نفقين، وهناك الكثيرون قضوا أثناء حفرهم للأنفاق التي تحتاج إلى عدد كبير من العاملين الذين يعملون على مدار الساعة لتجهيزه، فيما يرى آخرون أن هذه الظاهرة ساهمت في تقليص نسبة البطالة المستشرية في القطاع، وهذا لا يعني أنها مفيدة وتلبي طموحات الشعب الفلسطيني، باعتبارها ظاهرة سلبية ومرفوضة عالمياً لأنها غير شرعية أولاً، وتستنزف اقتصاد وموارد الشعوب ثانياً، وثالثاً تعزز خلق الأسواق السوداء واحتكار السلع، وأخيراً تساعد في تهريب المحظورات، لذلك تحارب الحكومات هذه الظاهرة مهما وصلت درجة الحاجة إليها، لذلك لم يخطئ عضو التشريعي العبادسة في تقريره المقدم اليوم أمام المجلس التشريعي، لما تجلب هذه الأنفاق من كوارث وأضرار خاصة وأنها أصبحت الاعتماد الرئيس في نقل البضائع على حساب الممرات والمعابر الأخرى، وارتفاع عدد القتلى، والحاجة ملحة لمزيد من حفر الأنفاق في منطقة تحتاج تربتها الرخوة لمقاييس وانتباه لقرب وزحمة الأنفاق وتداخلها، وما تقوم به إسرائيل ومصر من خلال إحداث تفجيرات وارتجاجات في التربة ... وفي أي حال كانت تلك الأنفاق التي يستغلها التجار والمهربين والسلطات المتنفذة لأهميتها القصوى لما تجلبه لهم من عوائد ورسوم تفرضها على البضائع والتي تقدر وفق الكمية وطبيعة السلع المهربة، وهو ما يزيد من سعر السلعة لأضعاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا