الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوهام الإصلاح من أعلى وحلم الثورة الواقعي

رمضان متولي

2008 / 9 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا أعرف هل ينبغي الرد على ما كتبه ضياء رشوان في المصري اليوم مؤخرا حول الرؤية التي سماها "عملية" للتغيير في مصر أم لا. لأن ضياء يطالبنا بالبحث عن رؤية "عملية" للتغيير في مصر مقابل الرؤية "الحالمة" لمن ينتظرون التغيير عن طريق الثورة.

وكأن رشوان لا يعيش في مصر، ولا يعرف ما يدور فيها على الأقل خلال السنوات الثماني الأخيرة والتي تكفي من وجهة نظري أن تكشف بلا أدنى شك عن استحالة انتظار التغيير من داخل النظام، أو من أعلى، إلا إذا كان ضياء رشوان لا يريد إلا تغييرا شكليا، أو تغييرا في أشخاص دون النظر إلى سياسات واتجاهات النظام. فهل هذا هو التغيير الذي يقصده؟! بل هل هذا يعد تغييرا من الأساس؟ لا أعتقد.

ضياء يعتقد أن رؤية الثوريين نبيلة ولكنها "حالمة" أو ليست "عملية" لأنها تعتمد على ظروف استثنائية لا تتوافر حاليا في مصر، وربما لأنها لا تحدث في أي مجتمع إلا بشكل استثنائي، وهي "الظروف الثورية". ينظر رشوان إلى وضع القوى السياسية حاليا، ويقول إن المراهنة على الثورة تعني المراهنة على الفوضى، وربما يذهب به الأمر بعيدا لأن يرى أن هذا الرهان نفسه هروب من مسئولية "السياسي الملتزم" لأنه يقوم على مبدأ "ما لا يدرك كله يترك جله".

وحقيقة الأمر أن التغيير "الإصلاحي" نفسه – أي اضطرار الطبقة الحاكمة على إدخال إصلاحات على النظام السياسي – لا يكون "عمليا" ولا ممكنا إلا عندما تخشى الطبقة الحاكمة من تهديد "الثورة" وعندما تكون هذه الثورة مطروحة وممكنة عمليا، بل إن بعض الإصلاحات لم يتحقق إلا على أثر تجربة ثورية لم تنجح لسبب أو لآخر. والتجربة المصرية نفسها تكشف عن ذلك بوضوح شديد. من ذلك أن صعود "محمد علي" إلى السلطة جاء عقب ثورة قادها رجال الدين في مصر ضد الاحتلال الفرنسي، وبدأت تجربة تحديث مصر، وأدخلت إصلاحات هامة على النظام السياسي المصري بعد ثورة "أحمد عرابي"، حيث بدأ بعدها تكوين "مجلس شورى النواب"، ولم يظهر في مصر دستور إلا بعد ثورة 1919، ثم أن انقلاب الضباط الأحرار على النظام السياسي في يوليو 1952 جاء ليقطع الطريق على ثورة مصرية حقيقية ظهرت بوادرها في عام 1946 وخاصة بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين عام 1948. وليس خافيا أن ما قام به نظام يوليو كان مجموعة من الإصلاحات بعضها كان مطروحا قبل حركة الضباط مثل الإصلاح الزراعي ومجانية التعليم التي فشل النظام السابق في تحقيقها.

الثورة بالتأكيد حالة استثنائية في حياة الشعوب، ولكن يكاد يكون الاستثناء الوحيد في عملية الثورة هو توقيتها، حيث يندر أن تجد شعبا من الشعوب لم يقم بثورة في التاريخ الحديث. لذلك فإن انتظارها ليس "أضغاث أحلام" تداعب الثوريين، وإنما مراهنة على إمكانية حقيقية تؤكدها التجربة العملية. هذا على عكس "الإصلاح" الذي لا يحدث عادة إلا لتفادي أوضاع قابلة للإنفجار ثم ما تلبث الطبقات الحاكمة أن تتراجع عنه وتقوم بالهجوم على جميع الإصلاحات السابقة في ظروف مواتية لذلك. ولك أن تتأمل ما يجري منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في العديد من دول العالم : بداية من "الطريق الثالث" لحزب العمال في بريطانيا، والذي انتهى عمليا إلى تبني سياسات اليمين المتطرف التي كانت ملتصقة بالمحافظين، وصولا إلى سياسات "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" في ألمانيا التي تسعى إلى تقويض ما تبقى من دولة الرفاه. ولست هنا في معرض سرد تفاصيل ما جرى خلال فترة التسعينيات والسنوات التي مرت في الألفية الجديدة للتدليل على ذلك. المهم هنا أنه إذا كانت "الثورة" نفسها إمكانية حقيقية، فلكي يصبح تحقق هذه الإمكانية "عمليا" ينبغي الاستعداد لها وتعظيم فرص نجاحها. ولا يبرر الانصراف عن هذا الهدف ضعف القوى السياسية في هذه اللحظة تحديدا، بما يعظم احتمالات الفوضى أو عدم نجاح الثورة، حيث أن الإصلاح نفسه ينطوي على نفس المخاطر – خاصة في بلد مثل مصر – ويحتاج إلى ذات الشروط، ولكنه لا يحقق نفس النتائج التي يمكن أن تحققها الثورة، ودليل ذلك أن جميع الحركات الإصلاحية الهامة غالبا ما جاءت لقطع الطريق على تهديد الثورة، أو بعد ثورة لم تنجح في تحقيق أهدافها، ثم اقتصرت على بعض الإصلاحات الهزيلة، والملغومة أيضا كما حدث مع إنقلاب يوليو الذي فرض الاستبداد وقضى على جميع المؤسسات والقوى السياسية، ثم ما لبثت أن سحبت هذه الإصلاحات عندما واتتها الفرصة.

فإذا كان "الإصلاح" يحتاج إلى ظروف "ثورية" – خاصة في مصر – كي تستجيب الطبقة الحاكمة، ويحتاج لأن تكون الجماهير منظمة وقادرة على الثورة وراغبة فيها، ويحتاج إلى تضحيات عظيمة أو تحمل نكبات هائلة لا تقل عن التضحيات الي تتضمنها عملية الثورة، ثم لا تتحقق أهدافه إلا إذا كانت الطبقة الحاكمة في وضع دفاعي وضعيفة نسبيا، وإذا كان "الإصلاح" لا يتجاوز حدود المناورة الفوقية، وأن الطبقة الحاكمة سوف تنكث عنه عندما تكون الظروف مواتية لذلك، يكون على الراغبين حقا في التغيير والمستعدين لبذل مجهود "عملي" من أجل تحقيقه أن يستعدوا لثورة شاملة وقادرة على الاستمرار لا أن يكونوا في خدمة مناورات الطبقة الحاكمة منذ البداية والترويج لأوهام الإصلاح باعتبارها حلول "عملية" مقابل التصورات "الحالمة" للثوريين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وصلت مروحيتان وتحطمت مروحية الرئيس الإيراني.. لماذا اتخذت مس


.. برقيات تعزية وحزن وحداد.. ردود الفعل الدولية على مصرع الرئيس




.. الرئيس الإيراني : نظام ينعيه كشهيد الخدمة الوطنية و معارضون


.. المدعي العام للمحكمة الجنائية: نعتقد أن محمد ضيف والسنوار وإ




.. إيران.. التعرف على هوية ضحايا المروحية الرئاسية المنكوبة