الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزمن الابدي في رواية العطر للكاتب الألماني .. باتريك زوسكند

ميادة العاني

2008 / 9 / 27
الادب والفن


( كانت أصعب معاناته تلك الكلمات التي لا تصف شيئا له رائحة , أي المفاهيم المجردة , وخاصة ذات الطبيعة الأخلاقية والمعنوية . لم يستطع الاحتفاظ بها كان يخلطها وغالبا ما يخطئ في استخدامها .. الله , الحق , الضمير , ...... الخ ) زوسكند / العطر

غالبا ما ينتخب الإنسان كماله ويسمو به نحو أعلى قمة في هرم الإنسانية المعبأ بها والمعبأة به , ذلك الفرد ذاته الذي قد تتملكه القدرة على أن يضع مشاعره رهن السيطرة والتحكم بها على نحو بعيد تماما عن الترهل والابتذال ذاك الذي غالبا ما يقود إلى أدنى حدود الإنسانية وتلك حالة كمالية تشق طريقها عبر قاموس الموت المهيأ للانجراف بعيدا عن مكامن العفوية والتطرف اللإنساني وكأن تكون قولبة متدنية في إطار إنساني صارم .

إن انصهار الذات في بوتقة المشاعر المتأججة غير الموجهة يمنحها شيء من العبث اللذيذ الذي يساعدها على الاستمرار دون تجديد أو قطف مما يستدعي السيطرة على مكابح هذا الاندفاع كلما سنحت الفرصة لمنح هذا الهيجان صفة العقلانية المتفردة في بني البشر .

مثل كل القرارات والمقاصد الأخرى وقف جان بابتيست غرينوي موقف الند من الحياة واتخذها عدوه الأوحد في عصر ( لم يخلو فيه من النوابغ والسفلة ) على حد قول الكاتب زوسكند .

لم تكن رواية العطر للكاتب الألماني باتريك زوسكند والصادرة عن منشورات الجمل مجرد قصة سردية لرجل تدين له الحياة بالبؤس الكامن في قوسي حياته منذ أول صرخة شرسة أطلقها في الحياة لتصم أذن العالم وتكون صرخة الوصل بين أمه وحبل مشنقتها .

هي رواية ابرز فيها الكاتب ثقافته اللغوية بثراء مختلف وضالع , في لغة حديثة جدا تتخللها تفصيلات عميقة للصور تمنح القارئ شيء كبير
من الرؤى والرؤيا .

غرينوي , العطار الذي اثبت للعالم إن الإنسان له أن يجتاز حدود المعهود والمؤتلف إلى ما لا يدركه إلا صاحب الشأن ذاته والذي تراكبت في مجرى حياته كل الاختلافات غير المألوفة ليعمل على إذكاء حاسة مغايرة لما اعتاده البشر واعتمدوا على تحديد هويات الأشياء من خلالها كالنظر والسمع فاتحا الطريق لحاسة الشم لتكون دليلا صارما لا يخطئ في تقدير المحسوسات والانطباعات . وتلك فلسفة أتقنها غرينوي واقتاده انفه ليكون القاتل الغريب الذي يقع الناس في شركه ليصبح الإله القاتل .

تلك الرائحة التي انبعثت من فاقد لأي شذرة خبيئة من رائحة الإنسان ولكل معايير الإنسانية منحت الآخرين طمأنينة كالتي يلدها وعي القوة الذاتية للفرد الذي يقر بأنه ( رأى بأم عينيه ) .

لم يمنحه الاحساس بالسمو أي معنى للسعادة وحينها ادرك فقط ان السعادة لا تكمن الا في الانسانية التي تميز الذوات البشرية عن غيرها وان كل فعله لم يشكل اهمية تذكر .

عاش في القرن الثامن عشر كأحد أهم النوابغ والذي لا يقل عنهم سفالة وعنجهية واحتقارا للإنسانية إلا إن اسمه توارى ليس لسبب أكثر من أن نبوغه كان في حقل الروائح الطيارة التي تطايرت مع تعاقب الأزمان وفقدت طيبها مخلفة النتانة في كل مكان .

لقد افلح كاميران حوج في نقل الفلسفة العميقة لزوسكند بدقة فسحت الطريق للقارئ لان يكون شريكا للكاتب في تتبع الأحداث وإبداء التوقعات التي يفاجئنا الكاتب دائما خلافها ومع ذلك يمنحنا فضيلة الرضا عبر الفشل وطمأنينة المعرفة المكتفية بذاتها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي