الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العودة إلى الشعب .. مرة ثانية

بدر الدين شنن

2008 / 9 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد مجال اختلاف بين اثنين ، أن المعارضة قد انتقلت ، مابعد المتغيرات الإقليمية في أواسط العام الجاري ، إلى مرحلة جديدة ، وأنها ’وضعت أمام مسؤوليات بنيوية وسياسية ، يمكن أن يقال أنها على قدر من المغايرة لما سبق هذه المتغيرات . فقد سقط ما’زعم عن دور الخارج الأمريكي - الدولي في التغيير الديمقراطي . واختفى معه محور خلاف هدر النقاش حوله جهداً لابأس به في الوسط المعارض . و’حجمت ، موضوعياً ، في التداول القمعي ، ذريعة اتهام طالما ا ستخدمها النظام بإفراط لزج العديد من النشطاء المعارضين خلف قضبان السجون . كما سقط الخطر الخارجي ، الذي كان يتمثل بإعادة تشكيل الشرق الأوسط ، والذي وظفه النظام بدأب لتسويغ قمعه وعسفه تجاه الآخر المعارض ، وللتمسك أكثر مما مضى بأهمية ا ستمرار إعلان حالة الطواريء والأحكام العرفية " لمواجهة " هذا الخطر و حماية الوطن " .

مامعناه ، أن مجالاً وا سعاً قد فتح للفعل المعارض وللتغيير الوطني الديمقراطي . بيد أن هذا المجال لايمكن أن تدركه المعارضة دون تجاوز إلتباسات المشهد المعارض الراهن ، الذي ’وسمت فيه المعارضة مابعد وبسبب هذه المتغيرات بالعجز ، و’أخضعت مصداقيتها بسبب هذا الوسم الشامل لقوس السؤال الجاد . بدلالة أن سمة العجز قد أتتها من خارجها ومن داخلها . أتتها من خارجها .. من قبل أهل النظام .. شماتة .. وتأكيداً . على صحة سياسة النظام !!.. وأتتها من داخلها .. من قبل رموزها وأقلامها تجاوزاً لحقائق هذا العجز المتأتية عن بنية المعارضة وعن آليات ومواقف خاطئة أدت إلى الحالة التي وصلت إليها الآن . أي أنها ’عوملت كحركة مجردة بمعزل عن تاريخيتها وضرورتها السياسية وعلاقتها الموضوعية بحاجات المجتمع ، بشكل غلّب الانطباع وكأن الأمر يقتصر على مبارزة بين نشطاء المعارضة المعولين على دعم الخارج الحقوقي والسياسي ، وبعضهم على دعم أبعد من ذلك ، وبين النظام المسلح بكل ا شكال وآليات القمع .

وهكذا آل المشهد المعارض إلى تفاصيل تتجلى بحضور قسم من قيادات ونشطاء المعارضة في السجن وهم معرضون للأحكام القضائية الكيدية التعسفية ، وقسم آخر ملاحق ، وآخر شبه صامت للتقية . وتتجلى أيضاً بتواتر حركة إعلامية إلكترونية تنشر مقالات هجومية احتجاجية ضد النظام . الملاحظ في هذا السياق أن الرموز الفاعلة في المشهد ، لم تدخل في العمق بحثاً عن أسباب التراجع والعجز .. لا حديث صدر عنها عن أخطاء التموضع الاجتماعي .. لاكلام حول ثقوب الخطاب السياسي .. لانقد لتماوج المواقف ولأوهام العولمة .. لاذكر للعودة إلى الشعب .

لهذا لابد من العودة إلى أسّ العجز المزمن في المعارضة .. إلى بنيتها العضوية وإلى تموضعها الاجتماعي ..

لقد انطلق المبادرون والمؤسسون للحراك المعارض ، الذي سمي بربيع دمشق ، من وإلى " الطبقة الوسطى " . واعتمدوا على قدرات النخب الليبرالية الثقافية والسياسية ، على خلفية أن متغيرات العولمة الزاحفة نحو الشرق بقيادة القطب الدولي الأوحد ، سوف تمر من سوريا .. سوف تؤدي آلياً وحتمياً ، إلى التغيير الديمقراطي المنشود . ما أدى إلى تهميش الطبقات الشعبية ، وإ سقاط همومها ومآسيها الاجتماعية والمعيشية ، أي إ سقاط البعد الاجتماعي ، من الحساب ، وإلى عدم ربط المسألة الوطنية بالديمقراطية كبعدين متلازمين في مهام التغيير الأساسية . كما أدى إلى طغيان عقلية هذه النخب في اختيار الآليات الذاتية للحراك المعارض ، كان أبرزها عرائض .. مقالات .. ندوات .. تحمل هموم حق التعبير والنشر والرأي .. وهموم تداول السلطة والمشاركة في السلطة . أما هموم الرغيف والبطالة والجوع المتعدد الأشكال .. هموم الطبقات الشعبية فلم تكن ذات اهتمام يذكر . ولم تتطابق مفاهيم الحرية لدى الناشط النخبوي التي تبدأ بحرية الكلمة والقلم ، مع مفاهيم الحرية لدى المواطن الكادح الفقير العادي التي تبدأ بحقه بالرغيف والعمل . بكلمة .. ا ستعيض عن الخطوات العملية بالشعارات . حتى أن بعض الكتاب كانوا يتصورون أن عباراتهم النارية المشتعلة في مقالاتهم سوف تسقط النظام ، وبعضهم عندما تكثفت الضغوط الخارجية صار يحدد باليوم موعداً لبداية عهد جديد .

ومن خالف هذه الطروحات قليلاً راح يدعو النظام إلى تطبيق الليبرالية الاقتصادية " بمصداقية " !! أملاً بالوصول إلى الليبرالية السياسية ، متجاوزاً توحش وتخبط الليبرالية الاقتصادية عالمياً ، واعتمادها العنف الدموي الحربي في نشوئها وماضيها وحاضرها ، وممارستها العنف الاقتصادي الاجتماعي المأساوي ، لمتابعة مساراتها المتوحشة وتأمين مصالحها ، ومتجاوزاً التداعيات الداخلية المؤلمة التي تنجم عن إلحاق الاقتصاد السوري بهذه الليبرالية ، التي تترجم يومياً انحداراً متزايداً لمستوى معيشة أغلبية المواطنين تحت خط الفقر ، ووقوعاً متزاياً تحت كوابيس الحرمانات التي لاتحصى ، بمعنى أن عقلية النخبة وأحياناً عقلية فرد متميز فيها ، هي التي تبني الموقف وتحدد السمت . وقد تجلى ذلك في الكثير الكثير من المواقف والكتابات والتصريحات .. كما هو يتجلى الآن بمعالجة حالة العجز إيّاها . حيث اقتصر تعليل هذه العقلية للعجز على دور القمع وحده .. وتكر التعليلات المترادفة .. النظام لايسمح بوجود معارضة .. النظام اعتقل وضرب ومنع .. وتقدم لوائح بالقمع والمنع . وكأن المعارضة لم تتوقع من النظام هذا القمع وهذا المنع . وهنا تظهر محدودية الأفق للسياسات البعيدة عن الشعب . ويظهر أسّ العجز .. وهو عدم وجود عمق .. إ سناد شعبي .. يحمي المعارضة من القمع ، إن بالدفاع عن ضحايا الاعتقال أو برفد صفوف المعارضة بالمزيد من النشطاء .

وبدلاً من وقفة مبدئية نقدية ، يجري فيها تقييم المرحلة الماضية ، وانتقاد ما جرى فيها من أخطاء وتجاوزها بوضع برنامج مطابق للحاجات الوطنية والديمقراطية والاجتماعية , نجد ، حتى اللحظة ، تبرير الممارسات والسياسات السابقة مع محاولات احتواء القمع ، من خلال إبراز تقاطعات سياسية مع النظام فيما يتعلق بفتح بوابات العزلة العربية والدولية وفيما يتعلق بالمفاوضات حول الجولان المحتل مع إ سرائيل ، ونجد طرحاً يستدعي التفكير ملياً بمراميه ، مفاده ، أن معافاة المعارضة مرتبطة بالتعافي السياسي العام في البلاد ، وأن نهوض المعارضة غير ممكن دون نظام سياسي جديد .

وهنا ثمة حقيقة لابد من طرحها في هذا السياق ، وهي ، أن الأنظمة لاتصنع ولاتختار بدائلها المعارضة التي تعمل لتحل محلها ، وأن المعارضات الجادة لاتصنع ولاتختار الأنظمة التي تعارضها وتعمل للحلول محلها . إنها معادلة نابعة من الواقع .. من منطق وقوانين التعارض .. لاخيار فيها للمعارضة إلاّ بين الاستقالة أو المواجهة . المسموح به في حركة تاريخ المعارضات هو خيار انتقاء الوسائل والآليات التي تتطلبها الظروف الملموسة لحسم التعارض .. لاسيما عندما يكون التعارض .. والصراع .. بين المعارضة والنظام شاملاً للأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ومشحوناً بآلام اغتصاب السلطة والميز السياسي وآلام القمع .

إن تجاوز إلتباس المشهد المعارض ، الذي يعزز اتسام المعارضة بالعجز ، يستدعي ايضاً إعادة النظر في الخيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية .. العالم كله الآن أمام هذا الاستدعاء وهذا الاستحقاق . العولمة الرأسمالية الأحادية الهيمنة تتصدع وتتداعى .. وأحادية القطب الدولي تنهار . لقد بدأ انهيارها على أيدي المقاومة في الشرق .. ثم في أمريكا الجنوبية والكاريبي .. ومن ثم في القوقاز . وهاهي أبراجها المالية في مركزها الأعظم تكابد الخسائر والافلاسات ، التي ستتكثف بانهيار مؤكد لقطبية الدولار المالية العالمية . والعالم يستعد في المدى المنظور القريب لولوج مرحلة التعددية القطبية الدولية .

كيف ستتبلور الأمور عالمياً .. وبأي اتجاه اجتماعي ؟
موازين القوى العالمية ، التي تسهم مجموعات دولية متنامية القوة والكرامة الوطنية ومليارات المهمشين في قارات عدة هي التي ستقرر ذلك . لكن عالم المستقبل القريب لن يكون تحت الهيمنة الامبريالية التقليدية .. ولن يكون هذا العالم ، تحديداً ، مجالاً مباحاً مفتوحاً لتوحش " الليبرالية الاقتصادية .

بكلام موجز ، عجز المعارضة يمكن تفكيكه . والمشهد السياسي السوري مفتوح الآن على مداه أمام الحراك المعارض الوطني الديمقراطي . لكن شرطه الأول ، هو الانتقال من عهد النخب المعارضة إلى عهد الجماهير المعارضة .. أي العودة إلى الشعب .. إلى الحامل الاجتماعي لبرنامج التغيير . إلى الربط العضوي بين الوطني والديمقراطي والاجتماعي في عملية التغيير .

وبمنتهى المسؤولية والصراحة ، يمكن القول ، أن صراعاً يستند إلى دعم ومشاركة الشعب .. لابد أن يصل إلى خواتمه الناجحة وتحقيق أهدافه , وخلاف ذلك هو البقاء تحت سقف العجز والقمع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار