الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متلازمة -الغباء المصاحب للكرسي-

إكرام يوسف

2008 / 9 / 27
حقوق الانسان


عودتنا حكوماتنا السنية المتعاقبة منذ عقود علي أن تتهلل فخرا وتقيم لنفسها ـ وعبر وسائل إعلامها ـ الأفراح والليالي الملاح كلما حصلت علي شهادة حسن سير وسلوك من إحدي مؤسسات تقييم الأداء الاقتصادي الأمريكية، مثل مؤسستي "ميريل لينش"، و"جولدمان ساكس" المأسوف علي شبابهما منذ صدمة النظام المصرفي الأمريكي الأخيرة التي كشفت القناع عن رداءة أداء مثل هذه المؤسسات، وارتباط تقييماتها بمستهدفات سياسية.
كما عودتنا أيضا، أن تلتزم الصمت الرهيب، وأقصي مراحل "الاستعباط" عندما تحصل علي "كعكة حمراء" في شهادات السير والسلوك عن الحريات، الصادرة عن مؤسسات أمريكية أيضا، مثل تقرير الحريات الدينية، الصادر قبل أيام، عن "مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية. ويسجل التقرير أن الحالة العامة للحريات الدينية في مصر شهدت تدهورا واضحا خلال الفترة من يوليو 2007 إلي يوليو 2008 وهي الفترة التي يغطيها التقرير.
ورغم أن التجارب والسوابق التاريخية، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه التقارير تدور ـ صعودا وهبوطا ـ مع مدي امتثال الحكومات التابعة لإملاءات القطب الأوحد؛ وتستخدم كعصا يلوح بها كلما بدت علي هذه الحكومات بوادر تململ من طول الانحناء، فإن حكومتنا تعمل ألف حساب لما قد يترتب عليها من قرارات تخفيض في حجم معونة تلقي لها كل عام مصحوبة بالكثير من المن والأذي.
ولعله ليس من الواضح تماما، ما إذا كان من الممكن أن نسمي مايصيب بعض الجالسين في سدة الحكم، بـ "متلازمة الغباء" التي تعتري الشخص بمجرد الجلوس علي "الكرسي"، فهم يصرون علي أن تظل لديهم "يدا موجوعة" يسهل للآخرين القبض عليها؛ غير أنني لا أجد ـ حتي الآن ـ تشخيصا آخر للحالة!
ألم تكن تقارير الحريات الصادرة عن مؤسسات أمريكية هي نفسها التي جاءت في أواخر حكم السادات تحمل نفس التقييم عن تراجع الحريات الدينية، وانتهاك حقوق الأقليات؟ وللحق والتاريخ لم يكن الرجل أبدي أي "تململ" أو رغبة في الخروج عن الطاعة!, كل ما في الأمر أن القوم في البيت الأبيض اعتبروا أنه أدي الدور المرحلي المطلوب منه، بإخراج مصر من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي، وفرط العقد العربي بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وحان الوقت لخروجه من علي خشبة المسرح، انتظارا لبطل جديد يكلف بدور مرحلي آخر تمهيدا لقيام الشرق الأوسط الكبير، أو ـ في قول آخر ـ الجديد.
ولاشك أن أمثالي ـ ممن بلغوا الخمسين عاما من العمر ـ يذكرون كيف نال السادات جزاء سنمار، وكابد "نهاية خدمة الغز"، عندما بدأت واشنطن تطالبه تلميحا ـ وربما تصريحا ـ يالترجل عن سدة الحكم والاكتفاء بوضع "كبير العائلة"، وعندما أبدي تباطؤا، أنشدوا له ترانيم حريات الإنسان وحقوق الأقليات، والديمقراطية التي اكتشفوا ـ فجأة ـ فقدانها في مصر!
وليس معروفا بالضبط إن كانت "متلازمة الغباء المصاحب لاعتلاء الكرسي" ـ وأحتفظ لنفسي بالملكية الفكرية للتشخيص ـ هي السبب الرئيسي وراء عدم استخلاص حكوماتنا الدرس من تجارب حكم السادات، أم أن هناك أسبابا أخري؟. فمن الواضح ـ لكل ذي عينين ـ أن الولايات المتحدة لم تضبط مرة واحدة مهمومة حقا بحقوق الإنسان أو الديمقراطية لدي شعوب العالم ـ بالمناسبة، ولا لدي الشعب الأمريكي نفسه! ولكن ذلك حديث آخر ـ
فلماذا إذا لم تحاول حكومتنا سد أحد الأبواب التي تأتي منها الرياح؟ وترفع ـ مثلا ـ يدها عن ضمائر الناس، فلا تحشر أنفها في الطريق الذي يختاره الناس لدخول الجنة؟ وتترك للجميع الحق الذي منحهم إياه الخالق سبحانه "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وتحذف خانة الديانة من بطاقة الهوية، حتي لا تصبح بابا للصداع؛ مرة من جانب البهائيين الذين يريد البعض تجاهل وجودهم أصلا عبر رفض منحهم حق إثبات ديانتهم في السجلات الرسمية، ومرة عبر العائدين للمسيحية بعد إسلامهم، وثالثة عبر حشر نفسها في خلافات مذهبية سواء بين ميشيل ماكسيموس والكنيسة الأرثوذكسية، أو بين السنة والشيعة.
لماذا لا تريح حكومتنا نفسها، وتدع الخلق للخالق، يحاسبهم ـ وحده سبحانه ـ عن إيمانهم، وتتفرغ هي لمسئولياتها تجاه كل المصريين علي قدم سواء دون تمييز؟
لقد أظهرت السنوات الأخيرة أن الفتنة ـ التي لم تعد نائمة ـ تصب الزيت علي نارها قوي الجهل والظلام في الداخل، وتحركها مطامع خارجية، فلماذا تحرص الحكومة علي أن تساهم في صب الزيت بتعطيلها لمبدأ المواطنة؟ رغم أن الصراع الطائفي الذي يهدد وحدة الأمة وتماسكها، سيكتوي بنبيرانه الجميع، وأولهم النظام الذي تغافل ، سواء عن جهل أو عن قصد، عن إطفاء هذه النيران منذ كانت شرارات <








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دوجاريك: القيود المفروضة على الوصول لا تزال تعرقل عمليات الإ


.. الأونروا تقول إن خان يونس أصبحت مدينة أشباح وإن سكانها لا يج




.. شبح المجاعة في غزة


.. تشييد مراكز احتجاز المهاجرين في ألبانيا على وشك الانتهاء كجز




.. الأونروا: أكثر من 625 ألف طفل في غزة حرموا من التعليم بسبب ا