الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشروع الشرق الأوسط الكبير

باتر محمد علي وردم

2004 / 2 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


المشكلة الجوهرية في مشروع "الشرق الأوسط" الكبير الذي يمثل وجهة نظر الولايات المتحدة تجاه التغيير الذي تهدف إليه في الشرق الأوسط، هي في أن التشخيص الذي يقدمه المشروع لمشاكل الشرق الأوسط ناقص،  وطالما أن التشخيص غير مكتمل فإن "العلاج" لن يكون دقيقا أيضا، هذا طبعا إذا استثنينا النظرة المسبقة العربية الرافضة لكل تدخل أميركي في نمط الحياة والفكر العربي، ولكن التي ترضي بالمقابل الإندماج في نمط الحياة الأميركي!
ينطلق تشخيص الولايات المتحدة، حسب نص المشروع الذي سيقدم إلى قمة الدول الصناعية الثماني، من تقرير التنمية الإنسانية للعالم العربي الذي أصدرته الأمم المتحدة والذي يركز على النواقص الثلاثة في العالم العربي وهي نقص الحرية ونقص المعرفة ونقص تمكين المرأة. ولكن التشخيص الأميركي لم يقرأ التقرير جيدا ولم يستفد من التحليل الوارد فيه عن تأثير الاحتلال الإسرائيلي والسياسات الأميركية العدوانية والمنحازة لإسرائيل على مشاكل العالم العربي.
وفي هذا المجال فإن ربط كل مشاكل العالم العربي بأسبابها الداخلية، وهي أسباب معروفة ناضل العرب لأجل تغييرها قبل الأميركين بعقود، مع تجاهل الأسباب الخارجية وأهمها الاحتلال الإسرائيلي يعني تشخيصا ناقصا غير صحيح علميا وبالتالي تبنى عليه سياسات واستجابات غير مكتملة.
وقد اختارت واشنطن أيضا أن تتكئ على مخرجات تقرير التنمية الإنسانية العربية في تحديد احتياجات التغيير وبالتالي أساءت إلى سمعة التقرير مرة أخرى، فالاستجابات تتعلق بالإصلاحات الديمقراطية وتشجيع الحكم الصالح وبناء المجتمع المعرفي  وتوسعة الفرص الاقتصادية وهي كلها مطالبات عربية منذ سنوات طويلة.
فيما يتعلق بالديمقراطية والحكم الصالح، فقد استند المشروع الأميركي إلى تقرير فريدوم هاوس الذي صنف إسرائيل بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. وهكذا فإن المدخل هنا يشكل خطيئة كبرى في حق المنطق والمبادئ الديمقراطية، فدولة الاحتلال والتشريد والقمع والعنصرية والاغتيالات وتدمير البنى التحتية أصبحت هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وربما ينبغي على الدول العربية أن تتبعها في هذه الإنجازات العظيمة. وفيما يتعلق بالحكم الصالح أيضا، فمن المثير للانتباه الملاحظة بأن الولايات المتحدة سارعت إلى الانفتاح الكامل على ليبيا بعد إعلان القيادة الليبية ايقاف برامج التسلح وفتح ملفات المعارضين الإسلاميين والتنظيمات التي دعمتها ليبيا في السابق أمام الاستخبارات الأميركية، وفي هذا السياق لم تتحدث واشنطن ابدا عن ضرورة الحكم الصالح في ليبيا!
وتمضي الوثيقة الأميركية لتعمل على تدمير مصداقية المنادين بالإصلاحات الديمقراطية الليبرالية في العالم العربي، فالولايات المتحدة تكرر نفس المطالب التي يدعو إليها الديمقراطيون العرب منذ عقود، وقضوا بسببها سنوات طويلة في السجون وناضلوا بشأنها طويلا ومنها تمكين المرأة ودعم المجتمع المدني ومكافحة الفساد وتدعو إلى زيادة التمويل للمنظمات المهتمة بالديمقراطية وهذه أخبار سيئة لكل المؤسسات المدنية العربية المهتمة فعلا بالديمقراطية وحقوق الإنسان لأن الوثيقة الأميركية سوف تشوه سمعة هذه المنظمات وتربط نضالها الديمقراطي المستقل بالأهداف الأميركية.
وتطالب الوثيقة الأميركية بإصلاحات تعليمية، وهذه حجة رائعة لمعارضي كل الإصلاحات التعليمية وتطوير المناهج في العالم العربي لتقوية موقفهم في رفض التطوير والبقاء في الحالة التعليمية المتخلفة التي نعيشها حاليا نكاية في الولايات المتحدة.
الوثيقة الأميركية سيئة جدا لأنها تجاهل تماما واقع الاحتلال الإسرائيلي والأميركي في فلسطين والعراق، وتتسبب في تدمير مصداقية كل المحاولات والجهود التي يبذلها الديمقراطيون والمتنورون العرب والتي تضمنها تقرير التنمية الإنسانية حيث أصبح التقرير شماعة واشنطن في تدخلها في العالم العربي وهذا ما سيؤدي إلى ضعف مصداقية كل المنظمات والمؤسسات العربية التي تدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وبالتالي إضعاف الجهود العربية الوطنية لإدخال الديمقراطية إلى الثقافة العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة