الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شوارعنا تعكس بدائية سلوكنا.. النظافة العامة ثقافة غائبة ولا رقيب

عمار ديوب

2008 / 9 / 28
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


من النادر أن يتقيّد الأفراد في سورية بحمل أكياس البسكويت أو الشكولاته أو علبة الدخان الفارغة إلى منازلهم كي يضعوها في سلال القمامة، إذ جرت العادة أن فضلاتهم في الشارع دون أن ينظروا خلفهم أبداً!! وكأن الشارع لا قيمة له ولا حرمة، وأي فعل منافٍ للرقي والنظافة العامة مباح فيه!!
ومن المشاهد المتكررة في عاصمتنا دمشق، حين يتضايق أحدهم من بوله، ويذهب لأقرب مكان خفي عيون الناس ويقوم بفعلته، هكذا.. وبمرور الأيام تصبح بعض الشوارع نتنة وكريهة الرائحة، لدرجة أن المرور فيها أو الاقتراب منها يشعرك بالغثيان، ومثال ذلك الشارع القريب من وكالة سانا!! والمكان القريب من باب شرقي فوق الجسر تماماً، كذلك أعلى النفق المقابل لكلية الحقوق، إضافة إلى عشرات الأماكن في وسط العاصمة تعاني من ذات المشاهد المعيبة، على الرغم من انتشار حاويات القمامة والمراحيض العامة بالقرب منها، وربما لو أن الدولة كلّفت خاطرها واهتمت قليلاً عبر بلدياتها وفتحت أماكن مخصصة لقضاء الحاجات البيولوجية للأفراد في الشوارع، لانعدمت هذه الظاهرة القذرة، والمفارقة أحياناً، أنه حتى لو وجدت تلك الأماكن، فإن بعض المواطنين لا يستطيعون أن يدفعوا نقوداً للدخول إليها، بعد أن صارت ملاكاً للقطاع الخاص!! لذا فغالباً ما يستسهلون الأمر و"يفعلونها" في الشارع. ومن مشاهداتي للبشر وجدت أن لا أحد في سورية تقريباً يتورع عن القيام بذلك الفعل، وهو أمر يحتاج لتأمل عميق بمعاني التحضر والمشاركة والمسؤولية والشعور بالغير.. إذن، المشكلة عميقة، فلا قانون يحاسب ولا بشر يمتنعون عن ذلك ذاتياً.
ظاهرة شائعة!
حاولت في هذا الموضوع أن أتبيّن مفهوم الطلبة لهذا المشكلة، وكانت إجاباتهم متباينة إلى حد ما ومتطابقة في بعض القضايا:
يقول محمد وهو طالب في إحدى الثانويات: لو توفرت السلال في الشارع لما رمينا ما نرميه كل يوم بعد خروجنا من المدرسة، وحتى في باحة المدرسة لا يوجد سوى برميل واحد. أما زميله اسماعيل فيقول: إن الجميع يفعل ذلك، فلماذا لا نفعل نحن ذلك؟ ونحن كما يكون مجتمعنا.
هاني كان له رأي آخر إذ قال: إن الأمر متعلق بعدم وجود مخالفات تفرض على الأفراد، فلو كانت موجودة كما في أوروبا لارتدعنا، لأننا سندفع المخالفة.
وحين دخلت أحد الصفوف، طالبت الطلاب بأن ينظفوا ما تحتهم، فبدأ البعض يحرك بقدميه الأوراق والمحارم الذي بأسفل المقعد إما إلى الأمام أو إلى الخلف لتصبح من مسؤولية زميله، وهذه تقريباً ظاهرة شائعة. وبعد ذلك رفع أحد الطلبة يده قائلاً: أستاذ لا يوجد أحد يطلب منّا ذلك سواك، فلو فعل كل الأساتذة ذلك لكان صفّنا نظيف دائماً. وسؤالي هنا: هل المطلوب من كل مدرّس أن يعلّم الطلاب النظافة؟ ولماذا لا يشعر الطالب ذاتياً بضرورة ذلك؟ ولسخرية القدر فإني كلما دخلت صفاً في إحدى المدارس، أرى ذات المشكلة، فلا أحد يمتنع عن سلوك القذارة رغم توجيهاتي المتكررة..!!.
الطالبة مها حين سألتها عن ذلك، قالت: إنها كادت أن ترمي قشرة البسكويت من نافذة سيارة والدها لولا أنه حذرها من أن الشرطة بدؤوا بتسجيل المخالفات فارتدعت وحملتها إلى المنزل. فتاة أخرى قالت إن الصف متسخ لأن "الآذنة" لم تنظفه فهو متسخ من قبل دخولهن إليه، أخرى قالت لم تكن لدينا سلّة فأتوا بها اليوم، ثالثة أجابت أن الكل يفعل ذات الشيء، ونحن بدورنا نكرر ذات الأمر.
نقص الشعور بالانتماء
وحين التقيت الصديق إياد أثرت معه هذا الموضوع، باعتباره موضوعاً مقلقاً لكل من لديه حس بضرورة تقدم بلده، فكان جوابه بأنه فكر فيه أكثر من مرة، ووجد أن أصل المشكلة في شعور المرء بعدم الانتماء للبلد، فلو شعر بذلك لفهم أن الشارع والباص والمدرسة والهواء من أملاكه، وبالتالي لما قام بأي عمل أو سلوك ضد نظافة المحيط الذي يعيش فيه. وأعاد شخص آخر جلس معنا لاحتساء الشاي، أسباب هذه الظاهرة إلى: أنّنا لا نزال نفكر بعقلية البدوي، الذي لا يعنيه شيء أكثر من مكان إقامته، أما كل ما يوجد حوله من طبيعة ومجتمع، فهو مشروع انتهاك وغزو وسلب وطعام للحيوانات، وبمجرد الانتهاء من ذلك يتم الانتقال إلى مكان آخر، تاركاً خلفه نفاياته البشرية والحيوانية، وربما ما يفعله بعض سكان دمشق ومعظم سكان سورية من عادات سيئة بخصوص النظافة، متعلق بأننا لا نزال نفكّر بعقلية البداوة هذه.
وفي جلسة الدردشة رفدت السيدة نهى حديثنا برأيها فكان جوابها متعلق بالتربية، وأضافت أن حس الإنتماء إلى مفهوم الدولة لا يزال بدائياً، كما الدولة من جانبها لا تقوم بما عليها، من حيث تنظيف الشوارع، وتأمين سلال ممتدة في الشوارع وغيرها. أما سعيد فكانت مداخلته عبارة عن حادثة شخصية، إذ قال إنه ذات مرة، وبعد انتهاء سيجارته الأخيرة، حمل العلبة الفارغة بيده وبقي يسير ويبحث عن سلة أكثر من خمسمائة متر ولم يعثر عليها، فما كان منه أخيراُ إلا أن رماها في الطريق!! وعلل فعلته تلك بأن البلديات لو أمّنت السلال في الشوارع لرمى العلبة الدخان الفارفة بها، ولكن ماذا نفعل بعدم وجودها؟.
أما السيّدة الجدّة التي كانت تجلس معنا فأعادت الأمر إلى التربية التي تنشئ الأولاد على عقلية أن كل ما خارج المنزل ليس من ملكية العائلة، وبالتالي يمكن فعل أي شيء به.
وقائع مؤلمة
وفي واقعة لن أنساها أبداً، كنت راكباً أحد السرافيس على طريق درعا دمشق، وكان يجلس رجل إلى جانب السائق وهو يدخن، وما هي إلا ثوانٍ حتى كادت المرأة التي تجلس خلف السائق أن تختنق، فقلت له أن يطفئ سيجارته لأن الجميع منزعج منها، فكان ردّه أن "من لا يعجبه التدخين، فلينزل من السرفيس"، وبعد صراخ وملاسنات ضج بها المكان، تدخل السائق وأجبر المدخن على إطفائها، ثم فهمت بعد ذلك أن تلك المرأة هي زوجة ذلك المدخن..!! وبالتالي ماذا نقول عن هذا السلوك الضار بصحة المرأة وطفلهما. طبعاً هذه المشكلة تتكرر يومياً على الشوارع الممتدة نحو القرى أو المدن وفي كل سورية، وخاصةً في الميكروباصات التي أن امتلأت لن تحتوي من الأوكسجين ما يكفي الركاب. ناهيك عن كثير من الآباء الذين يدخنون في منازلهم وفوق رؤؤس أولادهم النيام أو المستيقظين، ويعللون الأمر بأن سيتأقلمون وأن مناعة خاصة ستتكون لديهم!! أي أنهم بمعنى آخر، يفيدون أولادهم ولا يتسبّبون لهم بأمراض مزمنة!!
قرب منزلي صارت من همومي اليومية مراقبة "هوس" من يرمي النفايات في الحاوية وتنبيهه إلى أن مكانها ليس قرب الحاوية بل فيها، وأن ذلك يبعث الروائح والأمراض. وقال لي أحد الأصدقاء أنه في المدن الصغيرة تقوم النساء بـ"دق" سطل الزبالة قرب الحاوية كي يتأكّدن من أنه أصبح نظيفاً بدلاً من غسله في منازلهن، وهي عادة كثيرة التكرار في القرى قبل إنشاء البلديات وبعدها..!!
ويتساءل صديقي عماد.. لماذا لا تكون الحاويات متعددة الأغراض فتكون زاوية منها للزجاج المنكسر وأخرى للبلاستيك وثالثة للمواد العضوية وحاويات خاصة بالصيدليات والمواد الطبية والأدوية، ولماذا تبقى رائحة الحاويات نتنة ومنبعثة كل الوقت، وحين تنظف يتم ذلك عن طريق حرقها، مما يولد غازات لا يعلم سوى الغيب ماذا تحتوي. وأضاف بأن هذا هو السبب الذي يجعلني أشعر بالقرف وأقاتل كي يبعدوا الحاوية عن منزلي. وأما عن موضوع سلوك القذارة عند الأولاد، فقال إنني وأنا أجلس بمحلي وأتابع ما يفعلون بالشارع وما يرمون من أوساخ، فإنني لا أشبههم إلا بالحيوانات التي تفعل ما يزعجها في الشارع وفي أي مكان. وأصرِّ على هذه الكلمة، لأنها برأيه تناسبهم تماماً، "فما الفرق بينهما بربك"؟. وسرد لي أحد الأصدقاء أنهم في فرنسا، وبعد أن يجمعوا النفايات من مكانها، يعقمون المكان برائحة تتمنى أن تستنشقها..!!
يمكن سرد وقائع كثيرة، وأنت أيها القارئ الكريم الذي ترمي نفاياتك في الشارع أو تحملها إلى السلال المخصصة لذلك. يمكنك أن تتساءل معنا:
لماذا لا يزال الفعل الشنيع يتكرر يومياً، ودونما أدنى حس بالمسؤولية؟.
وأحب أن أشير إلى أن أحداً لم يمتنع عن المشاركة في هذا الموضوع، فالجميع رغبَ في التصدي للمشكلة وإبداء الرأي المختص والخبير..!!، ولا أعلم إذا كانوا بالفعل لا يرمون قمامتهم في الشارع؟!!
بين الواقع والطموح
يمكن القول إن قضية تحقيقنا هذا مشكلة اجتماعية كبيرة، ولها أسباب عديدة، حاولنا التصدي لبعضها، وعلى الدولة تداركها عبر تأمين سلال للقمامة في جميع الشوارع وبمسافات متقاربة تقاس بالأمتار لا بالكيلومترات أو بالمدن، وتنظيف حاويات الزبالة بطريقة حضارية وتعقيمية وليس بالحرق، وتخصيصها لأغراض متعددة كما سبق وذكرنا، ومتابعة هذا الأمر مع البلديات بشكل دائم، وفرض عقوبات على غير المرتدعين، وإشعار الناس بأن هذا البلد بلدهم وعليهم المشاركة فيه من أبسط الأشياء إلى أكبرها دون تمييز بين الأفراد. فحس الشعور بالانتماء إلى البلد أساسي كي نتخلص من هذه العادة التي تحولت إلى ظاهرة مزعجة لنا جميعاً. هل هذا ممكن؟ لا أستطيع شخصياً أن أجزم، ولكنني مقتنع بأنّنا قادرون على ذلك، إذا وفّرت الدولة للأفراد ما يشعرهم بأنهم مواطنون ولهم حقوق عليها ـ وليس فقط واجبات ـ ويرفضون من خلالها أي مبرر لعدم إنهاء هذه الظاهرة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الفرنسية تفرق محتجين اعتصموا في جامعة السوربون بباريس


.. صفقة التطبيع بين إسرائيل والسعودية على الطاولة من جديد




.. غزة: أي فرص لنجاح الهدنة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. دعوة لحماس من أجل قبول العرض الإسرائيلي -السخي جدا- وإطلاق س




.. المسؤولون الإسرائيليون في مرمى الجنائية الدولية