الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لتعديلات الاشتراكية الراديكالية تقر بطريقة جديدة

فنزويلا الاشتراكية

2008 / 9 / 28
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


مع انتهاء الصلاحية التي منحتها الجمعية الوطنية للرئيس تشافيز بإصدار مراسيم رئاسية دون الحاجة للعودة للجمعية الوطنية للموافقة عليها، دعا زعماء المعارضة الفنزويلية الفنزويليين "ليستفيقوا" ويواجهوا الحكم "الأوتوقراطي" الذي يتفرد به الرئيس تشافيز.

انطلقت هذه الدعاوي بعد أن أقر الرئيس تشافيز 26 مرسوماً رئاسياً في اليوم الأخير من المدة الممنوحة له من قبل الجمعية الوطنية، وتشكل هذه القوانين جزءاً من مجموع القوانين التي كان من المفترض أن تقر في حال لو قبل اقتراح دستور 2007.

أثارت المراسيم الجديدة التي تنظم نواحي عدة في فنزويلا، كالقوات المسلحة والإدارة العامة والإنتاج الزراعي ونظام التأمين الاجتماعي وغير ذلك، غضب مئات الفنزويليين الذين ساروا في شوارع كاركاس معبرين عن رفضهم لهذه القوانين التي تضع-حسب رأيهم-سلطات غير محدودة بين يدي الرئيس. وسعوا للتشكيك بدستورية هذه المراسيم، إلا أن المحكمة العليا ردت دعاويهم بعدما أعلنت أن الرئيس حرص على الحصول على موافقتها على كل مرسوم قبل إقراره. كما أن القوانين عرضت لمناقشات طويلة بل وتم تأجيل 16 قانونا منها لم يقرّها الرئيس لأنها لم تحظَ بنصيب كافٍ من المداولات حول أهميتها ونتائجها وستترك حتى وقت لاحق لتناقشها الجمعية الوطنية وتصوت عليها.

بعد إفشال استفتاء الدستور المقترح للعام 2007، أعلن الرئيس عن قبوله لنتائج الاستفتاء وإيمانه بالديمقراطية وإشاراتها وضرورتها للثورة، وتوعد بأن هذه التعديلات التي تعطي الثورة طابعاً اشتراكيا راديكالياً ستقر بوسائل قانونية أخرى. إن إقرار هذه المراسيم هو خطوة ليس من شأها فقط زيادة تحكم الدولة بمجالات عدة كانت عادة ممنوعة من الدخول فيها، كالسيطرة على السوق الداخلية، بل أيضاً دفع الثورة نحو الأمام للتقليل من دور الدولة في عدة أمور والبدء بتطوير المجالس العمومية "الكومونات" لتأخذ دورها لا الاجتماعي فحسب بل الاقتصادي والعسكري كذلك. فقد تبدو عملية مركزة العديد من الأمور في يد السلطة المركزية توجهاً نحو الحكم الاستبدادي فعلاً، ولأصبح هذا الأمر صحيحاً لو أن هذه القطاعات كانت تابعة سابقاً لمنظمات شعبية أياً كان شكلها ومن ثم سعت الحكومة المركزية لسحبها منها، إلا أن هذه القطاعات تابعة للبرجوازية، وحتى السلطات التي ستتبع للمركز لم تكن موضوعة في متناول حق الانتخاب والسحب الشعبيين بل بيد بيروقراطية الولايات. ففعلياً ستتم مركزة إدارة قطاعات وسحب سلطات من يدي البرجوازية والبيروقراطية إلى يدي الدولة، ومن ثم سيتم العمل في نفس الوقت على تطوير المجالس العمومية "الكومونات" والرفع من خبرات عمل المنظمات واللجان الشعبية لتتولى المهام بنفسها.

وغالباً ما تطالب أصوات "متهورة" بنقل هذه السلطات مباشرةً إلى المجالس العمومية متناسية أن هذه المجالس تتشكل من سكان المناطق التي تقوم فيها، وتوجد العديد من المناطق التي تحررت من الأمية منذ مدة قريبة، أي أن سكانها ليسوا على دراية كافية بكيفية إدارة المؤسسات الإقتصادية أو حتى بوسائل عمل الإدارة عموماً فكيف سيتم تسليمهم تلك السلطات! لا ينظر إلى المجالس العمومية على أنها أمر ثانوي، بل أساسي لا يمكن التقدم بالخيار الراديكالي دونه، فالبيروقراطية تنمو وتزداد قوةً وتتهدد الثورة ولا بد من الاستفادة من العناصر الثورية للتصدي للبيروقراطية من جهة ولإيجاد البديل الجدير القادر على تولي سلطات عدة من الدولة من جهة أخرى.
فالدولة الآن، ستمسك بيديها سلطات جديدة كانت حكراً على رجال الأعمال ورؤوس أموالهم وبنفس الوقت ستترك العديد من السلطات للمجالس العمومية لتتولى إدارتها وتنمي الخبرات لديها استعداداً منها لتولي المزيد من المهام سعياً للتقدم نحو ديمقراطية مباشرة يكون التمثيل فيها هو الخيار الثاني بالنسبة للفنزويليين والإدارة المباشرة هي الخيار الأول والمتوافر لجميع المواطنين.
ومن هذه الصلاحيات الجديدة صلاحيات إقتصادية واجتماعية، فسيتم إيجاد ملكية جديدة هي "الملكية الاجتماعية" التابعة للمجالس العمومية التي ستحصل على أموال سنوية للقيام باستثماراتها التي تديرها وتوجهها بنفسها بشكل مستقل عن السلطة المركزية وأي سلطة محلية أخرى. ويترافق مع هذه الملكية أيضاً صلاحيات للمجالس باختيار قطاعات الإنفاق التي تراها مناسبة من عوائد الأرباح التي تحققها بمشاريعها، وتشمل هذه القطاعات أعمال بناء المنازل الكومونية والكليات الأهلية ودعم الإعلام الأهلي كي يتقدم ويحافظ على استقلاله عن الدولة فيكون تمويل الإعلام اجتماعياً وبعيداً عن السلطة المركزية التي سيتضاءل دورها تدريجياً في كافة المجالات وهي الغاية من المجالس العمومية أصلاً.

أما أحد المراسيم الأكثر إثارةً للجدل، فهو مرسوم يتناول تشكيل ميليشيات شعبية تابعة للمجالس العمومية، والتخوف الذي تروّج له المعارضة هو أن هذه الميليشيات ستكون مشابهة لمثيلاتها في كوبا المسئولة عن التصدي "لأعداء الثورة". لكنهم لا يرون الفرق الشاسع بين طبيعة النظامين المختلفين إلى حد كبير، فنظام الحزب الواحد في كوبا يحتكر وفق قانونها صلاحية توجيه المنظمات الشعبية وتحديد مهامها وصلاحياتها. ففعلياً تلك الميليشيات ما هي إلا ميليشيات معطّلة حتى إنها ما عادت تنفع لقمع أعداء الثورة أو بالأحرى أعداء الحزب الواحد ونظامه، والحال مختلف تماماً في فنزويلا، فبعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في عام 2002 التي قادتها البرجوازية الفنزويلية بدعم صريح من الولايات المتحدة للتعدي على الديمقراطية، وجد الناشطون الاجتماعيون والسياسيون عموماً أنه من الضروري خلق منظمات شعبية تضمن أن يكون مصير أي محاولة انقلابية جديدة الفشل الحتمي، ولتكون هذه المنظمات درعاً للدفاع عن الديمقراطية. لتحقيق هذه الغاية لا يمكن أن توضع هذه المنظمات كذلك بين يدي السلطة ففي تجارب سابقة حول العالم لم تفشل فقط-أي المنظمات- بالدفاع عن الديمقراطيات بل حتى تحولت لأدوات قمع. فكان التوجه الفنزويلي في هذا المجال هو محافظة هذه المنظمات على استقلاليتها بأي شكل عن خطر السعي الربحي كي لا يستعبدها رأس المال وعن الخطر الآخر وهو الوقوع في فخ البيروقراطية والانحناء لها. ومن هذه المنظمات المستقلة، لدينا المجالس العمومية التي ستكون المسئولة عن تشكيل الميليشيات وتدريبها وتوجيهها، أي أن السكان المدنيين لن يشكلوا هذه الميليشيات فحسب بل أيضاً سيديرونها ويحركوها دفاعاً عن مصالحهم إما لحماية الديمقراطية أو للدفاع عن المكتسبات التي تحققت في الفترة الماضية.

قال الرئيس تشافيز: "مادام تشافيز هنا، فإن الشعب هو الذي يحكم وليس الأوليغارشية"، و"الشعب يحكم" لا تعنِ ما كانت تعنيه التجارب الاشتراكية السابقة، فهي لا تعنِ أن الشعب هو الحزب والحزب يتمثل في قائده الذي يحكم باسم الشعب، بل تعني أن الحكم يكون مباشرةً بيد الشعب عن طريق المجالس العمومية "الكومونات" التي سيبدأ وجودها المؤثر منذ الآن. إن حزمة المراسيم الرئاسية الأخيرة ليست النهاية، بل هي البداية نحو وضع المزيد من السلطات بيد الكومونات خلال معركة طويلة وصعبة بمواجهة عدوين شرسين، البيروقراطية المستشرية في الدولة والمتسللة إلى الحزب الاشتراكي الموحد من جهة والبرجوازية المهزومة التي ستستشرس أكثر في المعارك القادمة من جهة أخرى.

الخيار الراديكالي لتوجهات الرئيس تشافيز يتضح أكثر يوماً بعد يوم والإصرار على هذا الخيار لا يمنع الرئيس من التحلي بالمرونة الكافية لمواجهة عقبات عدة، فلم يكن الاستسلام بعد رفض الدستور المقترح ولم يكن الخيار الديكتاتوري الحزبي أو الفردي مطروحاً للرد، بل كان القبول والسعي للانطلاق من جديد خاصةً في خضم ثورة اختارت شكلاً جديداً وخاضت في خيارات راديكالية غير اعتيادية، تدفع طاقاتها المتجددة في اتجاهات عدة لتستمر ثورتها بإخفاقاتها ونجاحاتها وتستفيد من تراكم خبراتها من أجل استخلاص الدروس الكافية لكي تبقى على قدميها وتقوي بنيانها لا بالجمود والدوغمائية بل بالمرونة والثورية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة رفح.. إسرائيل تتحدث عن خيارات بديلة لهزيمة حماس | #غرف


.. العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران.. عقبات -لوجستية- و-سياس




.. قصص ومعاناة يرويها أهالي منطقتي خزاعة وعبسان الكبيرة بسبب تو


.. شهداء غزة من الأطفال يفوقون نظراءهم الذين قضوا في حروب العال




.. نتنياهو: قمت بكل ما في وسعي لإضعاف قوة حماس العسكرية وقضينا