الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قَدَروَمَكْتُوب

عبد النور إدريس
كاتب

(Abdennour Driss)

2008 / 9 / 30
الادب والفن



تحركت موجة عاتية نحو الشاطئ كأنها تكنس البحر من زبد الحقيقة فترامى نحو أبصارهم صندوقا منقوشا بماء الفضة والذهب، تجمدت اللحضات في أبصارهم وتأجل الفضول في علامات الاستفهام الكبيرة التي رُسمت على شفاههم، تقدم أوسطهم بشجاعة المتهور، ممزوجة بالحذر نحو الصندوق، وقد كانت شخصيته تخبئ متاهة البحر وجرأة السندباد، وهو الذي يستطيع دون الآخرين أن يقرأ أي علامة من أولها إلى آخرها دون أن يتلاشى وجوده داخل تعرجات الدلالة، تعلم كم مرة كيف يستضيف القَدر في حياته الفقيرة، همَّه الوحيد منذ أن وعى ذاته هو أي يستمر في كينونته بالرغم من معرفته بحتمية الموت، فتح الصندوق على عجل وقد انطاع ولم يدع كما في السابق إلى مرحلة فك أقانيم الرصد والأختام السلطانية، أخرج لفيفة أو ربما رسالة قديمة مصنوعة من مادة ترجع إلى زمن ولّى حددها السارد بشكل مؤقت في مادة "البردي"، مكتوبة بصمغ قديم أفقده الزمان لونه الأبدي، الكتابة مألوفة وغريبة في نفس الآن كأنها تُروى على الورق في محفل طقوسي يفك طلسم المختبئ والمفارق في عالم لايضمن القيمة لأي شيء، المحتوى غير مألوف ربما هو قصة أو حكاية.. لو كتبت بالإبر على آماق البصر لكانت عبرة لمن اعتبر، أسرار قد تتشكل بين العادي والعجيب وقد تَُحكى بلطف وحنان وقد تَُحكى وليس بمقدورها تأجيل لحظة الموت، لكنها كلها موجودة لتساعدنا على التذكر أننا نعني بالحياة الاستمرارية وإن مات المؤلف فتستطيع القصة أن تَحْيى في الملف المتعدد للسارد.
تنحنح لينتقل بهذا المخطوط من حالة الانكتاب إلى حالة وعي، ثم أخذ يقرأ :
" أنتم أربعة رجال... يحلمون أمام الغروب برحلة فاجرة نحو الضفة الأخرى
تسكن عيونكم امرأة بيضاء لا تمل من الابتسام وتثقن لغة الجسد، تتأود في قاموس الذكورة بدون خجل.. كنتم تعتقدون أن بداخل الصندوق كنزا لم تره عين ولا خطر على بال بشر أو جنّيا له الاستطاعة أن يَعْدِ بكم إلى الجهة التي تكتشفون فيها ذواتكم، وقد انتابت أحدكم هواجس شبقية اتجاه الصندوق، الذي حمّله السراب، قبل موج البحر، رائحة أنثى ما يزال جنّي سليمان يسجنها عن مشاهدة جنسها من الرجال.. وأنتم تعرفون أنها تجمع خواتم الخيانة بين غفوة الجنّي الأزرق وصحوة النهار".
توقف عليلوش بُرهة، وهو يتابع التقطعات في فَهْمِ السامعين متلمسا التحجر والخرس في وجوههم وقد أشَعَّ من أعينهم وميض مملوء بكسل الوجود، ثم أردف:
"هذا الذي يقرأ المخطوطة الآن سيرمي بها بعد قليل اتجاه البحر مُهدفا ثم يستلقي على ضهره وهو يستمع إلى البرنامج الإذاعي" حلقات مفقودة" " .)انتهى(
تسمر الأصدقاء للحظة.. تخال فيها الزمن منخرطا في قراءة نفسه، ثم انفجروا ضحكا وهم يتجهون نحو البحر للاستحمام...
أما عليلوش فقد كوّر الرسالة ورمى بها مسجلا هدفا وهميا اتجاه البحر ثم استلقى على ضهره تحت الشمسية وهو يستمع إلى آخر جملة لضيف برنامجه الإذاعي المفضل حلقات مفقودة.
"- طبعا ..طبعا../يقول المُحاوَر/ يمكن أن أجيب على سؤالك الأخير هذا بوضع علامة الاستفهام على كيفية تعاطينا مع الأحداث التي تقع لنا، لكن لا ننسى أن الأشجار الحيّة هي التي تنحني للرياح...
أرأيت ..إن تعاستنا الواضحة تكمن في انفتاح أرشيف القَدَر على أيامنا العادية...فإن أريت أحدا مستقبله لن يبق له أي مستقبل....نحن فقط حلقات مفقودة في دوائر..بل نحن الدوائر، متراصة وغير منتظمة يخترقنا سهم واحد يترك نقطة واحدة فقط بكل دائرة..أحيانا نسمي تكرارها تشابُها مع أحداث القدر وهو يستنسح نفسه في ذواتنا...الأمل وحده هو ما يجعل الانسان يعيش في تناغم مع مستقبله، ولهذا فلا حاجة للإنسان في معرفة قَدره...".


ـــــــــــــــ
مكناس في : 15-08-2008
ـــــــــــــــــ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل