الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب القوقاز وأثرها على أذربيجان

دياري صالح مجيد

2008 / 10 / 3
السياسة والعلاقات الدولية


دأب المهتمون بالشؤون الدولية خلال الفترة القصيرة الماضية إطلاق تسمية حرب القوقاز على ذلك الصراع الذي دار بين جورجيا وروسيا في إقليم أوسيتيا الجنوبية الذي يعود جغرافياً وسيادياً إلى دولة جورجيا التي انفصلت بدورها عن الاتحاد السوفيتي السابق وأعلنت استقلالها في أبريل/نيسان من عام 1991.

ورغم ان معظم التحليلات ركزت على تلك الحرب من خلال متابعة أحداثها أولاً بأول ومعرفة التطورات الميدانية على أرض المعركة خاصةً بعد أن تصاعدت المخاوف من تهديد العاصمة الجورجية تبليسي نفسها التي لم تكن تبعد عن المدرعات والدبابات الروسية بأكثر من 35 كم، ورغم أن تلك التحليلات أيضاً ركزت على أسباب الحرب موجهة تارة النقد إلى جورجيا بأنها هي من شنت الحرب واستفزت روسيا من خلال توجيه وإشارات غربية-امريكية ولغايات خاصة بهذه الأطراف، وتارة أخرى موجهة النقد إلى روسيا لكونها استخدمت القوة المفرطة غير المبررة إزاء هذا العمل أو انها كانت تتحين الفرصة للإقدام على احتلال تلك الأجزاء وزعزعة الأمن القومي لجورجيا.

رغم كل ذلك كانت جمهورية أذربيجان هي الأخرى ذات ثقل واضح في تلك الفترة، فهي واحدة من جمهوريات جنوب القوقاز التي تشمل إضافة لها على جمهوريات جورجيا وأرمينيا. وتتمتع بموقع جغرافي مميز في ضوء امتدادها مابين روسيا وإيران وبحر قزوين وأرمينيا من جهة أخرى، إضافة لكونها واحدة من الدول المهمة أيضاً في مجال الطاقة بالنسبة للغرب عموماً ولأمريكا خصوصاً كما انها تقع في جوهر الحلف الأمريكي-الجورجي-التركي في منطقة القوقاز، الرامي بشكل خاص إلى تقليص نفوذ روسيا وإيران هناك قدر الإمكان.

قبل اندلاع المعارك في أوسيتيا الجنوبية بعدة أيام حصل تفجير في خط الأنابيب باكو-جيهان على الأراضي التركية، أدى إلى إجبار أذربيجان إلى وقف صادراتها النفطية عبر هذا الأنبوب إلى ميناء جيهان التركي، وهو ما انعكس سلباً على الاقتصاد الأذربيجاني الذي يعتمد اعتماداً كلياً على هذا الأنبوب الاستراتيجي لتصدير النفط. إضافةً لذلك تم أثناء الحرب الإعلان عن غلق الأنبوب خشية من تعرضه للتخريب أو لعدوان روسي، وهو ما أثر أيضاً بشكل سلبي على دولة أذربيجان. كما وقد وردت إشارات من عدة مراسلين وصحفيين تؤكد (وهو ما أكده أيضاً رئيس جمهورية جورجيا ميخائيل سكاشفيلي في خطاباته أثناء الأزمة)، ان خط الأنابيب هذا تعرض للقصف أكثر من مرة من قبل القوات الروسية.

جاء ذلك لتوجيه رسالة إلى الأذريين بعدم تكرار خطأ جيرانهم الجورجيين من خلال التمادي في الارتماء في أحضان الغرب وإلا فإن ضربة قاصمة من روسيا وإيران ستواجه مصير قادتها واقتصادها وأمنها.

كما أفادت التقارير من أذربيجان نفسها حدوث انفجار كبير في أحد المساجد الأذربيجانية بتاريخ 17 أغسطس/آب , وهو مسجد أبو بكر في مدينة باكو/العاصمة الأذربيجانية. ونظراً لمدى أهمية الموضوع فقد تولى الرئيس الأذربيجاني الهام علييف بنفسه عملية التحقيق في الحادث لمعرفة أسبابه والجهات التي تقف وراءه، وهو ما قاد إلى حالة من الاستنفار في أجهزة الدولة المعنية بهذا الأمر.

بدا ثقل هذا العمل التخريبي من خلال زعزعة الأمن في دولة أذربيجان التي لم تعرف من قبل مثل هذه الأعمال التفجيرية التي تريد إثارة الرعب وإيصال رسائل خاصة يمكننا أن ندرك ماهيتها في ضوء معرفتنا للحقيقة التي تؤكد بأن هذا المسجد كان مقراً للمسلمين/السنّة ذوي التوجهات السلفية المعروفة بعدائها للغرب وبالذات لأمريكا، إلا أن الحقيقة الأكثر أهمية في تحليل هذا الحدث تبرز في ضوء التركيبة السكانية لأذربيجان فغالبية سكانها، الذين ينحدرون من أصول تركية، يعتنقون المذهب الجعفري، وربما يفسر مثل ذلك الانفجار على انه جاء أما لبث الروح في جسد الطائفية في دولة أذربيجان أو لإثارة الجماعات السلفية وتأليبها على النظام الحاكم، وهو ما سيصب بمجمله في زعزعة الأوضاع الداخلية لأذربيجان.

لذلك نلاحظ بأن الفترة التي تلت وقف العمليات العسكرية في الأراضي الجورجية، قد شهدت حراكاً سياسياً مهماً للولايات المتحدة الأمريكية وبالذات عن طريق ديك تشيني الذي يملك صلات وعلاقات قوية مع قادة أذربيجان، ليؤكد لهم أن الغرب بمجمله وبالذات أمريكا تقف وراء حكومة علييف بشرط عدم إفساح المجال للروس للعودة إلى هناك بأي شكل من الأشكال، لذلك يؤكد العديد من المحللين على ان اختيار تشيني لدولة أذربيجان لتكون أولى الدول في برنامج زيارته، يأتي لإبراز الاهتمام الكبير الذي توليه الإدارة الأمريكية لأنابيب الطاقة الإستراتيجية التي تنقل النفط والغاز إلى أوربا. كما تم التأكيد في مكان آخر على أن تلك الزيارة جاءت من أجل التأكيد على ان أذربيجان سوف تستمر في ضخ إمدادات الطاقة عبر جورجيا.

تأتي تلك الزيارة كما أسلفنا إلى تعزيز ثقة الغرب والأمريكان خصوصاً لدى أصدقائهم الأذريين خاصة بعد أن أحست الإدارة الأمريكية أن هنالك توجساً لدى بعض القادة الأذريين من أن اختيار الطريق الجورجي مساراً لخط الأنابيب باكو-جيهان، كان قراراً خاطئاً ولابد من اعتماد مسار آخر لنقل الطاقة التي تعتبر شرياناً حيوياً لأذربيجان أما عن طريق روسيا أو عن طريق إيران، لذلك أعرب الأمريكان هناك مجدداً عن دعمهم المطلق لحكومة علييف في مقابل التخلي عن مثل هذه المخاوف.

ربما تنامي مخاوف القيادات الأذرية من مواجهة بلادهم لمصير مماثل لمصير جورجيا، هو الذي حدا برئيس البلاد الهام علييف للسفر إلى روسيا بعد انتهاء زيارة ذلك المسؤول الأمريكي الرفيع المستوى، من أجل إعطاء التطمينات اللازمة للقيادات الروسية من أن بلاده ستنتهج منهجاً أكثر تعقلاً من نظيرتها جورجيا في التعامل مع أصدقاء الأمس (الروس) وبأنها لن تطالبهم بالخروج على الأقل من محطة غابالا ذات القيمة الاستراتيجية لكل الأطراف المعنية بأمرها، وربما أسفرت تلك الزيارة عن تقديم الوعود لروسيا بإبرام معاهدات دفاعية ونفطية تضمن نوعاً من تحقيق توازن المصالح بين الروس والأمريكان في أذربيجان، وهو إذا ما حصل فعلاً، فإنه سيثبت حكمة صناع القرار السياسي هناك، لأن عكس هذا الاتجاه سيعني الاستمرار في تفجير القنابل الموقوتة داخل أذربيجان بفعل الاختلال في مصالح القوى المتنافسة وهو ما لن يصب في خدمة القيادة أو الشعب الأذربيجاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: إسرائيل لن تخرج من قطاع غزة قبل إعادة جميع المختطفي


.. مراهقون أوكرانيون يتدربون لخوض حرب طويلة ضد روسيا في ناد عسك




.. البيت الأبيض: تصريحات نتنياهو عن تسليم الأسلحة الأميركية -مه


.. وول ستريت جورنال: التوترات بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية بلغ




.. هل باتت الولايات المتحدة عاجزة عن الضغط على إسرائيل؟