الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب القوقاز وعسكرة البحر الأسود

دياري صالح مجيد

2008 / 10 / 2
السياسة والعلاقات الدولية


أفرزت حرب القوقاز العديد من المخرجات التي ألقت بظلالها على مناطق متنوعة في عالم اليوم، فكان هنالك آثار ارتدادية لزلزال القوقاز السياسي والعسكري في مناطق قريبة وأخرى بعيدة كل البعد عنها كما هو الحال مع أمريكا اللاتينية التي شهدت دولها تحولاً واضحاً نحو حدة تعاطفها مع روسيا على حساب الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

ومن بين واحدة من أهم مخرجات تلك الحرب كانت عملية التخندق العسكري في البحر الأسود بشكل خاص من قبل القوات البحرية/العسكرية الروسية التي جوبهت فيما بعد بردة فعل أمريكية واضحة في ذلك البحر، فلماذا ياترى اتخذ الصراع في القوقاز هذا البعد؟

قبل انهيار الاتحاد السوفيتي السابق كانت هذه الامبراطورية (روسيا الحالية) تسيطر تماماً على البحر الأسود من خلال امتدادها الجغرافي الواسع المحيط به من جهات الشمال والشرق والغرب فقد كان بإمكانها الوصول إليه عن طريق الحدود التركية-البلغارية إلى الحدود الجورجية-التركية. وقد كان لذلك أهميته الاستراتيجية الكبيرة بالنسبة للسوفيت في ذلك الحين، وذلك لأن البحر الأسود كان إحدى البوابات المائية التي تعتمد عليها الدولة السوفيتية في محاولتها الوصول إلى المياه الدافئة من أجل كسر عزلتها البحرية والانتقال من نطاق التفوق البري أو من إطار القوة البرية إلى إطار آخر يكسبها مزيداً من القوة والتأثير في العلاقات الدولية وهو إطار القوة البحرية.

إلا أن انهيار الاتحاد السوفيتي السابق في عام 1990 ونيل الدول التي كانت تابعة له والمحيطة بالبحر الأسود مثل جورجيا، أوكرانيا، ملدافيا وبلغاريا، لاستقلالها، أدى إلى تقليص هذا الامتداد والى تغيير في خارطة إقليم البحر الأسود السياسية فبدلاً من أن تكون مقتصرة على دولتين هما الاتحاد السوفيتي وتركيا، أصبحت اليوم تضم دولاً أخرى، لذا أصبحت الحدود الروسية الحالية مع البحر الأسود تمتد من بحر ازوف إلى الحدود الروسية-الجورجية.

في ضوء أهمية البحر الأسود للاقتصاد الروسي خاصة فيما يتعلق بتصدير النفط من خلاله إلى السفن الحوضية التي ترسو في موانئ روسيا المهمة هناك ومن بينها ميناء نوفور سيسك، فقد وجدت روسيا انها لابد وأن تعمل على إدامة نوع من السيطرة العسكرية على هذا الساحل والتفكير جدياً في كيفية مد هذه السيطرة لتشمل الساحل الجورجي على البحر الأسود خاصةً بعد تنامي دور البحرية التركية هناك.

من الطبيعي جداً أن تبحث روسيا في ضوء موقعها الجغرافي، عن السبل الكفيلة في محاولة التخلص من موقعها الجغرافي شبه المغلق خاصة وانها لاتحقق الفائدة المرجوة من وراء وقوعها على المحيط المتجمد الشمالي، لذا فهي تسعى بكل الوسائل الممكنة إلى التشبث بإطلالتها البحرية المهمة عن طريق البحر الأسود.

يضاف إلى ذلك أن جورجيا هي الأخرى كدولة حديثة الاستقلال تعتمد بشكل كبير على موانئها في البحر الأسود (موانئ باتومي، سوخومي، سوبسا) سواء أكان في عمليات الاستيراد أم التصدير، فقبل افتتاح خط الأنابيب باكو-جيهان في عام 2006 كانت تعتمد جورجيا على خط أنابيب باكو-باتومي لتصدير النفط الأذربيجاني إلى العالم عن طريق ميناء باتومي، لذا أدركت روسيا مدى الوضع الجيوبولتيكي الحرج الذي ستكون فيه جورجيا إذا أجبرت على خسارة إطلالتها البحرية وأصبحت دولة حبيسة، فسيؤثر ذلك بشكل كبير على علاقاتها الداخلية والخارجية وهو ما يضمن لروسيا ضرب المصالح الغربية فيها من جهة، ويجعل من جورجيا تعتمد على جوارها الجغرافي في العديد من القضايا المهمة لها وبالذات التجارية من جهة أخرى ، وهذا يجعلها تعقد الاتفاقيات والصفقات التي تديم استمرار النفوذ الروسي فيها.

لذلك نجد أن إقليم أبخازيا الواقع في غرب جورجيا يحظى بأهمية روسية كبيرة فقد تم في صيف عام 1992 زيارته من قبل مسؤولين كبار في الإدارة الروسية، أعلن بعدها هذا الإقليم انفصاله. بعد عدة جولات من المعارك الحربية تمكن الجيش الأبخازي من فرض سيطرته على مجمل غرب جورجيا (أبخازيا) التي تمتد على جزء طويل من الشريط الساحلي للبحر الأسود، لذا نجد أن الحكومة الجورجية، وبعد هزيمتها، اضطرت إلى الموافقة على إيجار موانئها في البحر الأسود هناك إلى روسيا، وهو مايبرر وجود أعداد كبيرة من قوات خفر السواحل الروسية تسيطر على المياه الجورجية.

شهدت الحرب الأخيرة في القوقاز تحركاً أكبر للقوات الروسية عبر نشر بوارج عسكرية قبالة سواحل جورجيا، فسرت من قبل العديد على انها محاولة إطباق الفك الروسي على جورجيا، وقد قابلها في الوقت ذاته تحركاً أمريكياً واضحاً وذلك من خلال إرسال سفن حربية إلى البحر الأسود بحجة إعطاء المساعدات الإنسانية لجورجيا، وهو ماأثار تساؤلات كبيرة حول جدوى إرسال المساعدات الإنسانية باستخدام سفن حربية.

كانت حقيقة تلك الخطوة تشير إلى تنامي مخاوف الولايات المتحدة الأمريكية من سيطرة الأسطول الروسي على أجزاء واسعة من البحر الأسود لم يكن يسيطر عليها من قبل، لذا عمدت إلى إرسال سفن حربية بهدف الإشارة إلى روسيا بأنها غير راضية عن تلك الخطوة، خاصةً وان العقيدة الاستراتيجية الأمريكية تقوم على مبدأ مهم حيال التعامل مع روسيا وهو إثبات أن خصمها التقليدي لازال غير قادر على النهوض ليكون قوة مؤثرة في مسار العلاقات الدولية ولايسمح له باستعادة مكانته في أي جزء من الأجزاء التي سبق وان شغلها , للتأكيد على هذه العقيدة.

لعل ماشهدناه في البحر الأسود من تنافس روسي-أمريكي يثبت لنا بأن صراعات المستقبل سواء أكان في القوقاز أو في أوكرانيا، لابد لها وان تلقي مرة أخرى بظلالها بشكل أكبر على البحر الأسود، وأن التوجه نحو عسكرة هذا البحر تنذر بأخطار تهدد استقرار دول إقليمه من كل النواحي وبالذات الاقتصادية منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الرئيس الإيراني ووزير خارجيته في تحطم طائرة مروحية كانت


.. إيران تعلن وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ومرافقيه في تحطم مروحيت




.. وفاة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في تحطم مروحية.. ماذا نعر


.. ما هي ردود الفعل على مصرع الرئيس الإيراني بحادث تحطم مروحية؟




.. ماذا يحدث في إيران بعد وفاة رئيس البلاد وهو في السلطة؟