الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض القذى في عين المثقفيين

أحمد شهاب
باحث كويتي في شؤون التنمية السياسية .

(Ahmad Shehab)

2004 / 2 / 17
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


    لم يستقر مقال الأستاذ فهمي هويدي ( بعض القذى في عين مصر ) على صفحات الجرائد والذي عرض خلاله أوجه من الفساد المتكاثر في مصر ، إلا بعد أن نوه في الربع الأخير من المقال إلى أن هذه ليست صورة مصر بل بعض القذى في عينها ، وأنها أعرض وأكبر من الفساد ، وأن عدد الشرفاء فيها أكثر من أعداد الفاسدين ، ثم عرض لبعض أوجه الفساد في الشركات الأمريكية العملاقة ، وفضيحة رشوة رئيس وزراء إسرائيل ، والفساد المستشري في حياة الهند اليومية ، ليقول لنا أن مصر ليست وحدها في خندق الفساد ، وأنه لا يقصد الإساءه لبلده لأن الإعتراف بالخطأ من آيات الشجاعة والثقة ، وهو محق بذلك .

    لكن ما الذي يدعو كاتب بمكانة الأستاذ فهمي هويدي إلى طرح هذا التنويه ؟

أعتقد أن المسألة أكبر من تنويه ، المسألة تتعلق بقدرة رواد الإصلاح على فعل التغيير والذي يبدو أنه فعل صعب المنال في ( العالم العربي ) بصورة عامة ، وإذا أحببنا أن نطرح السؤال بصورة أشمل نقول : لماذا يضطر أصحاب الرأي والمثقفون ودعاة الإصلاح في بلادنا إلى وضع ديباجة لمقالاتهم أو التنويه في آخرها يؤكدون من خلالها إخلاصهم للوطن ، أو تبرير فعل النقد وكأنه جريمة ؟ فهل في إخلاص من ينتقد الأوضاع السائدة والفاسدة شك ؟

    أعتقد ذلك ، فربما يصح القول أن مسار الإستبداد السياسي وإستشرائه على مجمل حياتنا الثقافية والإجتماعية كان ولا يزال له أثره في صناعة مفهوم يعتبر ( النقد عديل الخيانة ) ، فالمخلص لا يتجرأ على إقلاق هدوء ( الكبار ) ، ولا يرى في الوطن سوى الجانب المشرق والجميل ، ولا يعترض كثيرا ، أما أولئك الذين يبنون أحلامهم بوطن خالي من الفساد ومتحرر من الإستبداد ويضطرون لممارسة النقد والتقييم فإنهم سيفاجئون بالتشكيك بهم وبوطنيتهم ، وعليهم أن يؤكدوا أنهم ليسوا كذلك .

    ثمة خوف عام من تهمة الإصلاح خشية أن يتم اللبس عند السلطة أو بعض أعضائها بين رغبة المثقف في الإصلاح مع القبول بالسلطة ، وبين السعي للتصادم معها وتقويضها ، وهو ما يدفع ( دعاة الإصلاح ) للتراجع خطوة إلى الخلف عند ممارسة النقد والتقييم عبر التأكيد على إخلاصهم ووطنيتهم وقبولهم باللعبة السياسية دون تغيير ، وأن الخلل ليس هنا فقط بل في كل مكان ، فلا تقلقوا .

    وأخشى أن يكون لهذا السلوك المتخوف عند ملامسة ( الوجع الوطني ) وطرح إعتذارات غير مباشرة على الجرأة في الكلام الصريح آثاره السلبية على مسار الإصلاح  ،  فالتطمينات التي يرسلها " أهل الرأي " للسلطة ، تؤكد الإنطباع السائد من أن الناقد خائن إلى حين تثبت برائته ، الأمر الذي يجعل حركة الإصلاح تدور في حلقة مفرغة ، كما أنها تبعث برسائل سلبية إلى الجمهور أن لا يتجاوز الحد في مطالبه لأن كل شيء على ما يرام لولا بعض اللَّمم .

    والأمر ليس كذلك بالطبع ، والإصلاح لا يتحقق بالتردد والخشية من ردود الأفعال ، فالأصل أن المثقف وصاحب الرأي هو أحرص على وطنه من غيره ، وهذا ما يدعوه لتشخيص المواجع الكثيرة في الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي ، ويحاول مع نظرائه وضع تصورات ورؤى لصناعة واقع أكثر ملائمة للعيش بكرامة وإنسانية ، فإذا إنهزم المثقف إهتزت الأمة لكونه يمثل ضميرها ويقود وعيها .

    و لا زلت أتذكر شخصيات الروائي عبدالرحمن منيف الثقافية كطالع العريفي وعادل الخالدي ، تبدأ الشخصيتان في ( الآن هنا  أو الشرق المتوسط مرة أخرى ) بمناقشة إشكالية السجن ونفسية المثقف في العالم العربي ، فيخاطب طالع العريفي صديقه عادل الخالدي بقوله: ( يبدو أنني لن أشفى.. ولا أشعر إطلاقا أنني أصبحت حرا.. أحمل السجن معي أينما ذهبت ، لقد أصبح السجن بالنسبة لي حالة لا تفارقني كالعلامة الفارقة .. إن ما أفكر فيه السجن الداخلي ، وهو أن يرضى جميع الناس بالبقاء في هذا السجن ، عدا مجموعة صغيرة للحراسة ، وهذه المجموعة ذاتها دائمة الخوف لأنها لا تعرف متى ستلتحق بالآخرين وتدخل السجن أيضا، لو كان شعور الناس بالحرية حقيقيا لتقلص السجن إلى حدوده الجغرافية، وربما انتهى ، لكن ما دام الناس هكذا فإن السجن لن يبقى أحد خارجه) . 

    ثمة خوف من تهمة الإصلاح ، وثمة قلق ينتاب من يتصدى لهذا الأمر كون الإستبداد غلف حياتنا جميعا في هذا الجزء من العالم ، وما يدعوا كُتاب كبار على الإعتذار غير المباشر هو ذاته الذي دعى نخبة من ( الإصلاحيين ) إلى سحب توقيعاتهم على عريضة تطالب بإجراء إصلاحات دستورية في بلد خليجي بعد أن تسرب خبر العريضة عبر وسائل الإعلام ، وحاول أكثر من ( إصلاحي ) التبرؤ من تهمة المشاركة في صياغة العريضة ، أو الموافقة على مضمونها ، بل ووصل الحال ببعضهم إلى رفض هذا الحجم من المطالب ، فالوطن بخير والقيادة حكيمة وكل شيء على ما يرام . آه .. كم نحن المثقفين جبناء  .

 * كاتب كويتي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا اعترف عمار لريم بحبه لها ????


.. مصر: طبيبات يكسرن تابو العلاج الجنسي! • فرانس 24 / FRANCE 24




.. كندا: حرائق تحت الثلج! • فرانس 24 / FRANCE 24


.. مارين لوبان: بإمكاننا الفوز بهذه الانتخابات وإخراج فرنسا من




.. أكثر من 3 تريليونات دولار.. لماذا هذه الاستثمارات الضخمة في