الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القنص وسيادة الاستفهام

رحاب حسين الصائغ

2008 / 10 / 2
الادب والفن


القنص وسيادة الاستفهام
في
الشعر الكردي المعاصر
جغرافيا الصباحات في هذا العالم أسطورة حلزونية جُرَّتْ من عيون الماضي، لها منابر لا تعرف اليأس.
الشاعر فريد زامدار ومجموعته الشعرية ( فراغ في العقل الإملائي) تحمل لغة الشعرية مزدوجة موصوفة بالمتعة والابتكار، حاملة نوع من الاستفزاز الضروري، واجد بين طوفانه هذا ثمة قضية، فهو يشتغل على ثلاث خطوط( خط تنبيهي، خط ملغوم، خط جمالي) تدعو القارئ للبحث في ظاهر التطور والمدرج في تشكيلات هندسية أنيقة، الشاعر فريد يعرِّّي المأساة ويكشف القروح بذكاء وتجلي وصبر، كمن يقدم طفل غير معافى في أبها صورة كي لا يشوه جمال براءته النقية، ما ذنبه إذا اعتلى الجسد شيء من الصحة، ممكن أن يزول، لذا نجده يعمل بجدية وطرق جديدة في كتلة من الفوضى، يجاهد الزمن في لخلق قيمة معنوية ذاتية تشبه الحقيقة يصوغها بلغة شعرية معاصرة لواقع قادم من المستقبل، الشاعر فريد لا يحب المداهنة ولا الفوضى، ثمة مأساة يعيشها الفرد الكردي يعمل على تحويلها لقيمة وجودية يريد أن يكون تأثرها جليل، حيث يقول في قصيدته( أفكار كهرومائية):
عيون من الخشب
الحقيقة في كل شيء كاذب
سوف أصل إلى شيء ما
اتفق مع الموت
وأبيع الشيطان
هنا ابدأ
هنا انتهي
وسط عالم مليء
كأنه نصف الأشياء الموجودة في الوجود..!
أما في قصيدة( جنون الإبداع) يفكر أبجديا لمعرفة الفرق بين السقوط، وبين اللاعقلانية، يبني أضلع قواعده معتمدا حياة يريدها فوقية في تصاعد جدي، وإلاَّ ما معنى أن يدمج ( العالم والكون) ويجدوهما في مخيلته صغيران، كالفضيلة والشر، في الأمس تعلم الفضيلة واليوم يجد الشر له وقار متجانس، يحيره هذا التفاوت في لغة العصر، فما كان منه غير التوهج في الشعر فألبسه حلي التجدد وأخذ يطبق عدالة الشعر ويحاكم العشوائية، بقوله:
العالم والكون يصغران في مخيلته
يدخلان خياله اللا منتمي...
عوالمه أوسع بكثير...
من العالم الواقع والواقف والساكن والراكد
والراكض
وراء أفكار الرؤوس المرئية الصغيرة
الرؤيا
الشاعر فريد، يريد لقارئه أن لا يبتعد عن النص كونه يحمل التمحك، والتمحك هنا الذي يعنيه إعطاء مبررات في عدم فهم القصد من شعره، أو طريقة طرحه في الشعر، مثلا مفردة " التماسيح" التماسيح نوع من الحيوانات المفترسة معروفة في غدرها والتهام كل ما أمامها، من العنوان نفهم من أين جاء قنصه لهذه المفردة في اللغة ولماذا اختارها وقدمها في عنوان قصيدته ( تماسيح الحافات القانونية) حيث يقول:
في غابات العقول المكثفة بقراصنة الصرخات
صراع...
مع سفن الفوانيس الشطر نجية في ممالك الرياح
الجنود...
من الأقلام الحديدية يكتبون في صدور
الضمائر المسلحة...
بأصابع نارية مرتجفة...
قوانين سلطوية متروكة...
داخل الأسلاك الشائكة للزمن المتروك
في فمضاءات اللعنات المغلقة للأفواه المفتوحة..
في أعماق القلوب العقربية..!
الشاعر بطريقة وأخرى يبحث عن المتعة في تصوير لوحاته الشعرية كونه فنان تشكيلي ويفهم التذوق اللوني في خلق تجربة مخالفة للتفكير،في سمو يعالج المأساة مكوناُ نسق متفرد في الشكل والمضمون، سالكاً طرق وعرة في مسار تطور اللغة وذهنه محمل بمطر العصر ونظامه، نابض بلمسه للجمالية في الشعر وهويته التي من جذرها شرف وجوده، في قصيدة ( ألذات المعذبة) يقول:
أغرس لساني في سيقان الكلام...
أسافر إلى حيث يحتشد الأطفال المشاكسون
لحواراتي اللالغوية
أجلس مع أطفال أحلامي الحزانى في فساتين
الروائح المناوئة لمواسم الريح
متعب الوجه أتغلغل في الأنامل البريئة، داخل
بنادق بيضاء
معطفي الصيفي ينام وراء مناقشات الأغصان
الخريفية
كرهت مكابدة التفاصيل...
وجهي المتعب بهذا الاتساع
يتسكع أكثر فأكثر يحتضن أسواتا لا بشرية
وأصواتا أخرى لا تولدها الالسنة والآتية من
الأزمنة البعيدة
الشاعر فريد نزق الشعر عنده مختلفة فلسفته، قد تكون نافرة تحمل التفنيد وشعور مشترك مع أصحاب المأساة ليصلوا الأمل المطلوب الذي يتطلب شجاعة واهتمام، لو تمعنا في صوره الشعرية لتأكدنا انه يبحث عن حل جذري وجديد ومغاير لكل فصول العمر في قصيدته ( اللا كائن هو الكائن) حيث يقول:
صار النظر
تابوتا لك تتسكع به...
يا لك من جثة
تحملها عيون بذكريات منسية
تقاويم
مملوءة بصور الزجاج الفارغة...
داخل الصورة الصغيرة
تبحث عن الحزن
كما يبحث الجلاد عن خارطة الجروح الناطقة
ذات صباح ألغيت عقلك التقليدي
واحتميت في فضاءات
سماء أفكارك المتمردة
الشاعر فريد يؤكد تمسكه بفكرته الجريئة، يجدها كأغصان تتفرع مزهو بنموها ويعمل على ريها كي تكبر ويستظل بها جيل المستقبل لتهدر أفياؤها بقوة في أجسادهم وتحركهم نحو شواهد لا يمكن لها أن تموت أو تلغى نجد ذلك في قصيدته( قراءات مضادة للمعرفة) حيث يقول:
بالأمس...
فقدت شكلي البريء...
منهمكا بقراءة الريح بهمسات طائرة...
في فضاءات الفكر
أطوف الأعالي كالمخلوقات الجميلة التي...
لا تطير في الظلام أبدا...
ثم تغرق كصرخة في جنة الظلام
الشاعر فريد يحس بالتخلف في وحدة الصفوف المحيطة به بلا معقولية تنساب طاقاتها، وحزن يتسم بالعافية يسري نحوهم يؤلمه أن الهاوية مازالت موجودة، والقبر مفتوح للنفوس الكئيبة، بما يقدم من شعر يعمل على إطلاق سهام التفتح فيها واكتشاف مواقع الخراب وطمرها، لأنه لا يريد لمواكب الصمت أن تكبر، في قصيدته ( في ألاماكن الامتحانية) يقول:
أشباح زوبعية...
تنهار وتتطاير في ممالك الأصوات الهادئة...
خوفا من الصمت الروحي للإحساس في
المسافات اللامنتهية
والأماكن الممنوعة لسكن الأجنحة
مغامرات خلف كواليس الرموز الموسيقية...
صيحات تجريبية في الحناجر المتدهورة...
تكون أقداما لمجابهت الأغنيات الدافئة
على المشانق
الشاعر يعيش زمن مُرَوَضْ واستعداد للمواجهة واجب، لا البقاء تحت ظل قناعة قابعة لا تخدم زمن المستقبل، يحفز بقصائده المستفزة العقل لكشف مركبات النقص واقتناصها بذكاء لمواجهة القضية، في قصيدته (كتابات ضد الكتابة) يقول:
في بداية القصيدة يقول:
( الكتابة كالذئب الأعمى
عندما تنام تسكن الدنيا)
في هذا المقطع جسد مجمل أفكاره الإبداعية في بوح رزين يحمل قمة التفاعل الجمالي لما سبق، ويقصد بالكتابة كالذئب الأعمى، لأنها أن لم تكن حاملة لفكرة قانصة لحالة تموت، وإذا أهملت ينتهي كل شيء، أما المقطع الآخر من نفس القصيدة يكمن كل الاقتناص بقوله:
من النوع البركاني داخل المناجم الفكرية
إنهم
تعساء الجمال والقبح
كالغجرية الجميلة والأحدب
سلوك شيطاني
أما القصيدة الأخيرة في مجموعته كأنها تحمل فصل رواية تاريخية حافلة بالجروح المنكسرة على سطح القضية بمجملها، لذا نجده واضعا ألغام اللغة لتتفجر وتطهر قنوات الحياة بشكل ارقي للقادم من الأيام مسجلا تاريخ موثق نابع من شعوره الواعي الذي يملكه، في قصيدة ( ثقوب في أدمغة الجدران) يقول:
دموع الأتربة الليلة
عندما تتساقط على الوجوه الضوئية المظلمة
تستيقظ ألاغاني التترية القديمة فوق
القبور الدخانية
أبدية السقوط والصعود نحو الهاوية
حتمية الزمن الغائب

الشاعر فريد يعلم أن للشعر حوار روحي ليس له حدود لذا يريد أن يكون صوته هادرا من الأعماق كلغز يحث القارئ على أن يكون أول من يعلم الحقيقة ويفكر بالحل، فريد مدرك بعقل واسع ما يفرض وما تؤول إليه الأمور في كثير من الأوضاع، لذا نجده من العناوين يقود القارئ للاستشراق في نوعية كتاباته كأنه بحار يجر سفينته لشاطئ الأمان ساخرا من الموج والعواصف العاتية، مقتنع إن ألاماني الدافئة لا تأتي يدون غرس وانتظار ورعاية كي تكون الثمار طرية وذا فائدة، ربما لذة الغرس توازي لذة الجني فالشاعر فريد زامدار شاعر القنص وعلامات الاستفهام وملك المفردة الحديثة في زمن سائر بتحولات تحتاج جهد كبير وتحفز، قصائد فريد كقصائد ألبياتي برمزيتها الخاصة مشبعة بصفاء ذهني متمكن.
الكاتبة/ ناقدة من العراق

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا