الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقاعة عيد

سهيلة بورزق

2008 / 10 / 2
كتابات ساخرة


نحتفل بالعيد وعلى كاهلنا جبل من الحزن، فلم تعد الفرحة تغمرنا بدفئها، ولم يعد في القلب مكاناً لغير السؤال، العالم كله غدا موتاً حقيقياً يتربص بنا على اختلاف تخصصاته الملتهبة بالألم، نحتفل بالعيد وفي داخل كل واحد منا رعشة برد قارص يرغمنا على العيش بمهانة وفي فقر مدقع.
ما زلت أذكر تلك الصورة الرهيبة التي طعنتني في إنسانيتي حين زيارتي الأخيرة للجزائر، صورة الأطفال الملائكة وهم يجمعون بقايا الأكل من زبالة الحي، كنت جالسة في شرفة منزلي أتجسس على طفولتهم البائسة وقلبي يدمع، رأيت الكثير من المشاهد البائسة التي أكدت لي أنه لا أطفال في الجزائر، بل هم مجرد أجساد صغيرة تتحرك في جميع الاتجاهات وتمتهن العنف، لقد أرعبني (ميزو) الطفل الرعب وهو في العاشرة من عمره عندما سألته عن مستوى دراسته بحكم جيرة والدته لي قال لي :
(اذهبي واهتمي بجمالك يا حلوة، الدراسة موضة قديمة تركتُها لأولادك الأمريكيين الذين لا يجيدون سرقة جيب، ولا حتى الردّ على شتائمي...). فكرتُ بعدها بزيارة والدته، ورغم أن والدتي حذّرتني من ذلك إلا أنني ركبتُ رأسي كالعادة وذهبت، اشتريتُ باقة ورد، وكنت مستعدة أن أساعد هذه الأم لاسترجاع ابنها من بطش الشارع، رحّبت بي على طريقتها، وعندما دخلت في الموضوع (شرشحتني)، وصرخت في وجهي: (كنتُ أظنُّكِ تريدين خطبتي) - على أساس أن الورد في بلدي يشترى في مناسبة الخطبة والزواج فقط- قالت: (ما دخلي أنا في تربية ابن الكلب)، -علمت من خلال كلامها أنها مطلقة مجروحة في كرامتها، وتريد أن تنتقم من زوجها من خلال ابنهما، كانت تصرخ بصوت جد مرتفع: (لا أريده أن يتعلم، أريده أن يطعن والده الكلب في اسمه كما طعنني...)، انتهى المشهد وانتهيت معه.
أعترف بأنني مهووسة بالنظام حدّ الوسوسة، لكن النظام في بلدي يسير في الاتجاه المعاكس تماماً كابن الكلب، ويبدو لي وفي غمرة دهشتي أن سلالة الكلاب والتكالب والـ(هاو هاو) منتشرة في جميع دولنا العربية من دون استثناء.
إذن عن أي عيد سأتحدث وقلبي مرفوع في غصته الأبدية، أشعر على الدوام بأنه من حقي الصراخ في وجه الفقر المدقع الذي يعيشه الملايين، فقر على جميع المستويات، كيف لا وهو الحلقة المستديرة والمستمرة التي تهدف إليها الأنظمة العربية للتحكم في العقول حتى لا تفكر الشعوب في غير البطن والبدن. هل أقول عيدكم فرحة رغم الأفواه المفتوحة جوعاً؟ هل أقول عيدكم خير والشر يتطاير من أعين أطفال لم يفقهوا في الحياة سوى الغضب، الغضب من الأهل والمدرسة والحكومة والشارع، وحتى من الذات؟ أوليس هؤلاء الأطفال جيل الغد؟ أنريد أن نملأ العالم بجنس بشري غير قادر على احترام نفسه؟ أيتها الأنظمة العربية الفاسدة فكّي عنّا قيدك، امنحينا أو أعيرينا حتى شرف البقاء بشرف.
عند عودتي إلى واشنطن، وتحديداً في مطار (هواري بومدين الدولي) شاهدت الجزائر كلها تغادر إلى الأفق الآخر المتحضر حسب إيمانها به، تساءلت مع نفسي: هل شاخَ البلد إلى هذا الحد؟ هل انتهت أوراق صلاحيته حقاً؟ كانت أفواج المغتربين تتقدم زرافات زرافات نحو أبواب المطار المرقمة حسب كل رحلة، وكنت أسمع البعض منهم يستنكر الظروف القاسية التي وصلت إليها الجزائر، حينها حاولت أن أسترق النظر إلى أكبر أبنائي، ربما أردت معرفة ردّ فعله شكلاً لكنني تشجعت وسألته: ما رأيك في الجزائر اليوم؟
ردَّ سريعاً وكأنه كان ينتظر سؤالي له: (الجزائر جميلة رغم أولاد الكلب). قالها بحرقة ومن دون أخطاء لفظية، هل يمكن أن يرفض ابني العيد على الطريقة الجزائرية؟ كنت مملوءةً أسئلةً في حين راح ابني الآخر يسألني: (متى نصل إلى وطننا يا ماما؟). انكمشتُ... وصمتُّ... لا عيد لي هنا والآلاف من الأطفال يموتون جوعاً وقهراً ومذلّة، عيدكم احتجاج إذن... وكل عيد وبارونات المال والسياسة أولاد كلب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس