الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توافق فحوار فاتفاق وطني

سعيد موسى

2008 / 10 / 3
القضية الفلسطينية



((مابين السطور))

بعد أن بلغ الانقسام الفلسطيني ذروته صوب المستنقع الوطني الشامل, وانشطار جناحي الوطن الواحد بأيدي فلسطينية ومباركة صهيونية, في صراع دموي على سلطة هي في البداية والنهاية سلطة أوسلو ومؤسسات ووزارات اسمية هي كذلك من إفرازات أوسلو, رغم أن تلك السلطة والمؤسسات محل الصراع, هي نتاج تضحيات فلسطينية جسام أدت ونتيجة اختلال الموازين الدولية العسكرية والسياسية, إلى المعترك السياسي بحاضنة أوسلو,فأفرزت موافقة دولية وصهيونية على انتخابات وعلى مؤسسات, أراد الجانب الفلسطيني من خلال ذلك المعترك السياسي تطويرها صوب انتزاع الاستقلال على أساس مرجعية القرارات الدولية, التي يتغنى بها الفرقاء دون استثناء, وقد توافقت جميع القوى الفلسطينية وبالأغلبية على تبني الشروع في ذلك المعترك السياسي, انسجاما وتأقلما مع التغير في موازين القوى الدولية وبروز الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي الجديد بعد سقوط القطبية الثنائية وانتهاء أجواء الحرب الباردة, والوصول بين القوى الدولية الجديدة إلى توازن وتوافق المصالح لا توازن القوى, والاهم من ذلك كله وحتى قبل الإعلان الرسمي هو توجه العرب فرادى ومجتمعين إلى اعتبار السلام ومسار التسويات إستراتيجية لعنوان الصراع العربي الإسرائيلي, بل وخيارا وحيدا لتحرير الأرض وإنهاء الاحتلال بأدوات السياسة والمفاوضات الجماعية والثنائية منذ 1997 في كامب ديفيد ومرورا بمدريد ووصولا إلى أوسلو بل بروز الانطلاقة السياسية الجديدة في انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب بوساطة تركية ومباركة عربية.


وبعد الارتضاء والتوافق الوطني الديمقراطي الفلسطيني, ووصول حركة حماس إلى سدة الحكم في انتخابات 2006 التشريعية وفق الدستور الوطني الفلسطيني والذي يتغنى به كذلك الفرقاء دون استثناء فمن غير المنطقي انتهاج الانتقائية المكشوفة, والذي لايتعارض أي بند فيه مع اتفاقية أوسلو, ومن ثم انغلاق الحكومة الفلسطينية الجديدة ذات اللون الحزبي الواحد على نفسها,أمام الاستحقاقات السياسية للاتفاقيات التي سمحت بحرية بصعودهم وفق تلك الانتخابات التشريعية إلى سدة الحكم, وبداية الأزمة الفلسطينية ومن ثم الحصار الصهيوني بمباركة الرباعية راعية الاتفاقيات السابقة واللاحقة, ومن ثم التداعيات الدموية الداخلية في جدلية السلطة الشرعية وادعاء محاولة انتزاعها بشكل غير دستوري, فبلغت الأزمة ذروتها وصلت في نهاية المطاف وخلال أكثر من عام مضى إلى حد الكارثة الحقيقية, والعالم يقف متفرجا, بل بعض القوى الدولية والإقليمية أخذت تستخدم تلك الكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني, كورقة مساومة وابتزاز في صراع بالوكالة لايمت للمصلحة الوطنية الفلسطينية إلا بتخليف مزيدا من المعاناة, المهم تحقيق مصالح تلك القوى الإقليمية والدولية بواسطة شلال الدم الفلسطيني النازف.


وبعد أن بات الوضع الفلسطيني ينبئ بمزيد من الاحتقان والكوارث الوطنية, وتجاوزت تداعياته حدود الوطن الفلسطيني وتحديدا الحدود الجنوبية لفلسطين تجاه جمهورية مصر العربية, وتعمد الكيان الإسرائيلي بتزوير الحقائق وتصوير مشهد الحصار الجائر على غزة انه فعل عربي مصري ولا علاقة للصهاينة به, إضافة إلى الاحتقان والضغط الذي جعل من البعض يهدد بتحطيم الحدود المصرية لفك الحصار بالقوة, وتجاوب بعض القوى المصرية خاصة مؤسسات حركة الإخوان المسلمين في مصر, بإحداث بعض الفعاليات الإعلامية والعملية, ودعوة القيادة المصرية المقيدة باتفاقيات كامب ديفيد من جهة, واتفاقية 2005 للمعابر من جهة أخرى, ومطالبتها بكسر الحصار عن غزة وضرب عرض الحائط بتلك الاتفاقيات, مما جعل من الموقف المصري الذي يدعي بان أمنه القومي بات مهددا نتيجة ذلك الحصار وتلك الفعاليات غاية في الحرج ومكانا للشبهات , فبات الصمت المصري مضاره أكثر من منافعه, وبات اعتبار مايحدث شئنا فلسطينيا غير ذي جدوى, خاصة وان مصر عليها التزامات وطنية وقومية وقد مارستها بشكل الدولة القائدة تاريخيا حيال القضية الفلسطينية خاصة, وبعد الطوفان الشعبي الفلسطيني لكسر واجتياح الحدود المصرية قبل عدة أشهر, واستيعاب مصر بحكمة منقطعة النظير لذلك السلوك الشعبي الذي كان لاحقا لتفجير الحدود المصرية, وما واكب ذلك الانفجار بعد التفجير من دخول أكثر من نصف مليون غزي فلسطيني من رفح إلى العريش دون إراقة قطرة دم واحدة للدفاع عن الحدود والسيادة,في رسالة سياسية واضحة لكيان الإسرائيلي الذي يقوم على سياسة الحصار, واستهداف حرف جبهة الصراع على الجبهة المصرية لتبرير مجازره وجرائمه, بان مصر العروبة تحافظ على قدسية وحرمة الدم الفلسطيني,وان الخيار المصري في تولي إدارة قطاع غزة لتصفية القضية الفلسطينية هو بعيد المنال, وقد امتصت القيادة المصرية الحكيمة تلك الهبة الفلسطينية, وشهدنا خطاب رأس الهرم السياسي الرئيس- محمد حسني مبارك,إلى كل المستويات القيادية المصرية بان رحبوا بالضيوف الفلسطينيين وأكرموهم واتركوهم كي يتزودوا بكل احتياجاتهم الأساسية وحتى الكمالية, ومرت الحادثة بفضل الخبرة والعبقرية المصرية لتفويت الفرصة على الصهاينة والقوى الإقليمية الأخرى كي لايتحقق هدفهم من حرف ذلك الصراع, ورد الكرة إلى ملعبها الرئيسي بالتناقض مع الاحتلال, والإعراب عن استعداد تلك القيادة المصرية إلى الوقوف بجانب شعبنا شرط أن يقف أولا مع نفسه وينهي حالة التصدع الوطني التي جعلت من القضية الفلسطينية, أرضية خصبة لمسرح صراعات ليست فلسطينية بأيادي فلسطينية.


كثفت جمهورية مصر العربية من جهودها من اجل وقف العدوان البربري الصهيوني على شعبنا الفلسطيني المحاصر برا وبحرا وجوا, ومن اجل فك هذا الحصار الهمجي, وذلك بتفعيل الجهود السياسية على مساري الوساطة المصرية, بين فصائل المقاومة الفلسطينية والاحتلال من جهة وإخراج عملية التهدئة من جهة, ومن جهة أخرى الاستماتة المصرية وفي ظروف غاية في التعقيد الوطني الفلسطيني جراء التقاطعات الدولية الإقليمية على ساحة غزة الصغيرة, وذلك من اجل إعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام, ووقف التدهور الحاصل جراء التحريض الإعلامي ومعترك الشرعيات واللاشرعيات, وجراء القمع والاعتقال السياسي, والذي وصل إلى حد ماوصف بالمجازر للإنسان والقانون الفلسطيني.


أن الحراك المصري الجاري والذي يحظى بشبه تفويض ومباركة عربية, انطلق من قمقم الدعوات السياسية, إلى فضاء التحرك العملي وبقوة, حتى باتت القاهرة عبارة عن غرفة عمليات طوارئ لاستضافة كل ماهو قيادة وقوى فلسطينية داخلية وخارجية, فمثلما جمعت فصائل المقاومة الفلسطينية جميعها باستثناء فتح لإخراج عملية التهدئة مع الاحتلال وجرى توافق واتفاق وطني على تلك التهدئة التي باركتها السلطة الفلسطينية على لسان الرئيس الفلسطيني- محمود عباس وبالتالي فهي مباركة فتحاوية ضمنية, فان مصر تسعى بجهود مكثفة للغاية لإحداث اختراق في عملية الانقسام الفلسطيني الفلسطيني, من اجل إيجاد منطلقات توافقية على الخطوط الإستراتيجية العريضة قبل البدء بالحوار, وذلك باللقاءات الثنائية المصرية مع كل فصيل فلسطيني على حدة, من اجل طرح بنود ومقترحات رئيسية مصرية أصبحت مقترحات عربية بعد التفويض العربي لمصر بالإعداد والشروع في انطلاق عملية رأب الصدع الذي من شانه أن يطوي صفحة هي الأكثر سوداوية في تاريخ الشعب الفلسطيني, وما لحالة الانقسام من تداعيات كارثية على حاضر ومستقبل القضية الفلسطينية.


وانطلاقا من مصلحة فلسطينية مصرية في تداعيات الحالة الفلسطينية الخطيرة , على الأمن القومي المصري وعلى المشروع الوطني الفلسطيني, تطورت الانطلاقة المصرية صوب إنهاء ذلك الانقسام الفلسطيني الذي حصد مئات الأرواح وقدم هدية مجانية للصهاينة لم يحلموا بها منذ ستون عاما, واعتبرت الجهود المصرية الثنائية والتي وصلت إلى تاريخنا هذا إلى الالتقاء بحوالي ثلاث عشر فصيلا فلسطينيا وآخرها وفد حركة فتح برئاسة السيد- نبيل شعت , والإعلان عن موعد الثامن من الشهر الجاري للالتقاء بوفد حركة حماس, حيث اعتبرت تلك الجهود واللقاءات عبارة عن طرح الرؤيا المصرية في نقاط كأرضية للالتقاء الوطني الفلسطيني ومن ثم الانطلاق إلى الحوار.


وبدا لجميع أن العملية الدائرة في مصر العربية من اجل حوار فلسطيني شامل ووفاق فلسطيني شامل واتفاق فلسطيني شامل, أصلها بالحوار الثنائي المصري مع كل قيادة فصيل فلسطيني مهما صغر أو كبر أولا, يتخلله طرح المبادرة المصرية في شكل نقاط سميت مؤخرا وفي تسريبات إعلامية بالنقاط الخمسة, ولكن الأهم هو الاتفاق مع كل فصيل على حدة في الحوارات الثنائية المصرية الفلسطينية, على قبولها كشرط أساسي لفحص النوايا الفلسطينية, وفي حال الموافقة الشاملة عليها يتم الانتقال إلى خطوة متطورة أخرى للحوار الشامل والمباشر بين الفصائل عامة وبين فصيلي فتح وحماس خاصة, للتوافق وإنهاء الخلاف على المفاصل الخلافية ورسم خارطة وطنية جديدة للتغلب على تداعيات الانقسام المريرة, ومن ثم إعلان اتفاق فلسطيني شامل ينهي حقبة دموية قهرية كارثية سوداء من حاضر الشعب الفلسطيني.


لذا ربما الآلية على غير ما يفهمه البعض من خطة مصر والتي تحظى بمباركة شبه إجماع عربي على إنهاء الانقسام الفلسطيني, بان الحوار لن يكون هو منطلق البداية وإلا يعني ذلك عودة الأوضاع إلى ماكانت عليه فور تعثر الحوار وربما يحدث الأخطر جراء ذلك التعثر بمزيد من الصدام والدموية ومزيدا من المعاناة للشعب الفلسطيني الذي يتمنى رؤية نهاية سريعة للمأزق والكارثة الفلسطينية, فعلى سبيل المثال نرى أن حركة حماس تطالب بحكومة وحدة وطنية وحل يحترم الشرعيات القائمة, والسلطة الفلسطينية تريد حكومة "تكنوقراط", وتمسك مصر بالعصا من المنتصف وتطرح في نقاطها الخمسة موقفا توافقيا وسطا بين هذا وذاك, لتطرح حكومة توافق وطني ليست فتحاوية ولاحمساوية ولا يسارية, إنما مزيجا من هذه التوليفة الفلسطينية بواسطة تسمية بعض الشخصيات الغير قيادية في تلك الفصائل, حكومة وفاق وطني أولا وقبل البدء بالحوار المرتقب في نوفمبر القادم, تكون مهمة هذه الحكومة التوافقية توحيد شطري الوطن ورفع الحصار وإعادة هيكلة وبناء الأجهزة الأمنية على أسس مهنية وطنية لافصائلية حزبية, والإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية قادمة, وطالما تم التوافق عليها مسبقا, فمن المؤكد أنها ستحظى بثقة رئاسية وتشريعية, وهنا تطرقت إلى احد واهم النقاط لتوضيح آلية الرؤيا المصرية لضمان نجاح الحوار حال التوافق على حكومة الوفاق الوطني, وباقي النقاط الأساسية التي تسبق الحوار تأتي في هذا السياق,وربما يتم تضمين تلك النقاط التوافقية اتخاذ موقف توافقي وسط من مسالة الانتخابات المبكرة والمتزامنة لتفادي الرفض والقبول من الفرقاء, وذلك بعدم إجراء انتخابات مبكرة فور شروع حكومة التوافق الوطني في مهامها كما تطالب الرئاسة والسلطة الفلسطينية, وليست كذلك في موعدها النهائي في العام 2010 بل ونتيجة المأزق الفلسطيني تكون قبل ستة أشهر من موعدها.


ومن ثم التوافق على إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني من ضمن تلك النقاط السابقة لحوار بضمانة عربية شاملة, تلك الضمانة التي ستتولى مصر الحصول عليها من خلال عرض وثيقة الوفاق الجديدة بالياتها المسبقة قبل بدء الحوار, وذلك فور الالتقاء بوفد حركة حماس, والدعوة لاجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب وإقرار تلك الآلية التي ستوصل إلى حوار ذي جدوى تكون نتيجته شبه مضمونة بإنهاء حالة الانقسام الفلسطينية على قاعدة وفاق لاغالب ولا مغلوب, وعليه فان الآلية تكون وفاق فحوار فاتفاق, لان الشروع بحوار فخلاف سيكون له تداعيات خطيرة جدا تزيد من هوة الانقسام, وربما تتطور المناكفات إلى مزيدا من العدوانية والدموية, يكون بعدها من الصعب أن لم يكن من المحال إعادة الفرقاء إلى حوار جديد بعد أن تكون المعطيات أخذت منحى ومنحنيات تصعيديه تصاعدية خطيرة, تجعل من لغة الحسم العسكري هي العنوان الشامل لذلك الانقسام, ويتطور الأمر إلى تهديد وتهديد مضاد, وهذا يعني أن فشل حوار القاهرة سيكون بمثابة كارثة مضاعفة حلت على الشعب الفلسطيني, وجعلت الأزمة مصيبة تعصف بما تبقى من آمال وطنية لرؤية غد يتم رص الصفوف فيه في مواجهة الاحتلال, بل سيتم رص الصفوف فيه إعلاميا وعمليا في مواجهة فلسطينية فلسطينية سيتبرأ منها العربي والمسلم, ولن تثلج إلا صدر الأعداء.


وفي المحصلة ندعو الله أن يلهم الجميع صوت الحكمة, وتقديم المصلحة الوطنية العليا على المصالح الفئوية والحزبية الدنيا, وإلا فليتحمل من يعطل الوفاق والحوار والاتفاق, المسئولية عن الكوارث اللاحقة ,أمام الله والشعب الذي يدفع يوميا ضريبة دامية لذلك الانقسام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك