الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة موضوعية في عواطف المعارضة السورية

بشار السبيعي

2008 / 10 / 3
حقوق الانسان


تسارعت المعارضة السورية في الخارج بإتهام النظام السوري في دمشق وأجهزة أمنه الإستخباراتية في التخطيط للإنفجار الإرهابي الذي حصل الأسبوع الماضي بالقرب من مقام السيدة زينب وراح ضحيته 17 قتيلاً و14 جريحاً. وقد أعتمدت بعض الأحزاب المعارضة في تحليلها للحدث على تاريخ النظام الحافل في دعم قوى التطرف والإرهاب في المنطقة، وإستعطاف سوريا للرأي العالمي للظهور أمامه بموقع الضحية للأعمال الإرهابية في العالم. ومع توفرالأدلة الثابتة والغير مشكوك فيها خلال السنوات الماضية في الجزء الأول لهذا التحليل المنطقي وذلك في دعم سوريا لحركات التطرف التي أسمتها وبررتها القيادة السورية بأنها "المقاومة الوطنية" في لبنان والعراق وفلسطين، ولكنه من الصعب على إنسان عاقل أن يصدق الجزء الثاني منه بأن يذهب النظام اليوم إلى هذا البعد الإجرامي في قتل المواطنين السوريين فقط لحض المجتمع الدولي على الإنفتاح عليه سياسياً وتحطيم أخر جدران العزلة الدولية والإقليمية الباقية على نظامه.

تعودنا في الشرق الأوسط وفي العالم العربي على تحليل الأحداث السياسية في المنطقة والعالم منذ زمن على الرؤية المؤامراتية لكل حدث يلتبسه الغموض والضبابية، وأذكر في ذلك إتهام إستخبارات الولايات المتحدة بتدبير حوادث الحادي عشر من إيلول عام 2001 من قبل الجماعات الإسلامية وتبريرها أنذاك بحجة الحرب على الإسلام و من ثم التسلط مباشرة على خيرات العالم في شن الحرب على العراق وأفغانستان.

البعض في المعارضة السورية عنده القناعة التامة في أن هذا النظام لن يتوارى اليوم عن قتل المواطن السوري للوصول إلى غايته في تشريع حكمه دولياً وفك عزلته، مستنداً إلى تاريخ الصراع الدموي بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين في الثمانينات من القرن المنصرم وإلى سلسلة الإغتيالات السياسية في لبنان وسوريا منذ تسلمه السلطة إلى اليوم والتي تدل في مؤشراتها على أنها من أعمال مخابرات النظام السوري. لاشك في منطق هذا التحليل، ولكننا إذا أضفنا اليوم عامل التطرف الديني والجماعات السلفية الإرهابية في العراق ولبنان والمنطقة بأكملها نصل إلى إحتمال كبير في أن يكون ذلك أحد الأطراف المستفيدين في تلك الحادثة. فبعد أن لعب النظام السوري لعبة الإرهاب لفترة طويلة في السنوات الماضية في إستعمال تلك الجماعات الإرهابية لخدمة مصالحه، لابد لنا أن نقر هنا أنه من المحتمل الأكبر كما يقولون أن ينقلب السحر على الساحر، وأن يكون هذا العمل اليوم نتيجة أوضاع التهدئة والمساواة على جميع أصعدة الصراع في المنطقة والتي لاتصب في مصلحة تلك الجماعات الإرهابية إذ أنهم يروا فيها نهايتهم وسقوط أخر قلاع مساكنهم في سوريا الدولة الحاضنة لهم منذ سنوات. وإذا أضفنا إحتقان الشارع العربي في التطرف الديني الذي شجعه النظام السوري في سياسته "القومجية-الإسلامية" الجديدة المبنية على شعارات الممانعة والمقاومة وهتافات العروبة والصمود والتصدي التي أصبحت سلاحه المفضل لكسب الدعم الشعبي في الشارع السوري تكبرالإحتمالات في هذا السياق لمن قد يكون وراء هذا العمل الإجرامي.

في سياق العمل المعارض لسياسة الدولة في سوريا تتنافس الأحزاب والتيارات والحركات المعارضة في الظهور على الساحة الإعلامية لكسب الأضواء المسلطة عليها، وإثارة غيظ النظام وإستفزازه ضدها ظناً منها أن ذلك سيؤدي إلى دفع سرعة مركبها إلى شواطئ الحرية والتحرر من نظام الإستبداد والقمع في سوريا، ولكن ذلك ينعكس سلباً عليها ويؤدي في النهاية إلى خسارة المصداقية عندها وجعلها موضع السخرية من الأقلام المأجورة من قبل النظام السوري.

المعارضة السورية اليوم في أمس الحاجة إلى كسب الدعم الحقيقي من الشارع السوري، الذي وإن كان يبدو اليوم للمشاهد ظاهراً بلا مبالاة في إسترداد حقوقه المدنية والشرعية المغتصبة منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، ولكن هذا الشارع نفسه يسمع ويقرأ ويعرف تماماً ماألت إليه سوريا اليوم بسبب السلطوية العائلية التي جعلت دولة بأكملها ترضخ لمزاج وريث للحكم يعبث بمؤسساتها وشعبها بصبيانية سياسية تفوق في فسادها وخداعها ومكرها شخصية "الأمير" المشهورة في كتاب الكاتب الإيطالي الشهير نيكولا ماكيفالي.

لايوجد مكان للغوغائية والعواطف الهائجة والمعروف عنها بأنها تحتل المركز الأول من صفات العالم العربي، في السياسة. مشروع الديمقراطية والحريات المدنية وحقوق الإنسان في سوريا يتطلب منا العقل والحكمة في إدارة أمور المعارضة السورية التى تعصف بها اليوم رياح الأنانية والشخصنة. نحن اليوم في مواجهة حملة شرسة من قبل النظام السوري ضد مشروعنا الوطني الديمقراطي. إخواننا الأبطال في الداخل يتعرضون اليوم للقمع والضرب والإعتقالات والمحاكمات والسجن بينما نعيش نحن في سلام وأمان وننعم في الحرية والرخاء.

إستطاع النظام السوري اليوم بعد أربع سنوات من التخطيط الممنهج والمدروس في إطاحة المشروع الديمقراطي للشرق الأوسط. المتغيرات السياسية والدولية الواقعية في المنطقة تدل على ذلك. فاليوم النظام السوري أقوى مما كان عليه منذ أربع سنوات وماتروجه المعارضة السورية من ضعف النظام وعزلته الدولية وتفككه الداخلي ماهو إلا هراء يدور في مخيلات أحزاب وتيارات وحركات المعارضة السورية. هذا الواقع اليوم يجب علينا أن نعرفه تماماً ليشكل لنا الأرضية الحقيقة لبناء الطرق الصحيحة والمجدية لتخصيب الوعي السياسي عند المواطن السوري. إستطاع النظام السوري اليوم أن يدفع عنه الضغوط الدولية بذكاء وحشي وإرهابي فائق إستعمل فيه حلفائه في حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والجماعات السلفية والأصولية في العراق ولبنان وفلسطين بدون أن يحرك جندياً واحداً من صفوف قواته المسلحة. الحليف الإيراني أعطى له غطاء الردع والحجة في نفس الوقت لفك عزلته الدولية. فبعد أن كان تلك التحالف عالة عليه أصبح ورقة من الأوراق الرابحة في يده لإستعمالها في الظهور على الساحة الدولية بدور الوسيط ما بين إيران و العالم الغربي، وإنتقل النظام السوري بسببها من موقع الداعم للإرهاب والمخرب للمشروع الديمقراطي، إلى مفتاح الحلول في الشرق الأوسط.

الرؤية الواقعية والموضوعية تشكل القاعدة الأولى في العمل السياسي، فاليوم يتمتع النظام السوري على الأرض بشعبية مزيفة، نصفها يمكن وصفه بفنانين التملق والمزاودة والنصف الأخر بالأكثرية الصامته التي ترى في هذا النظام مايؤمن لها الأمان والإستقرار لما يدور حولها من حروب وصراعات دموية أو بمعنى أخر "مغرم أخاك لابطل"، وإن كانت هذه الشعبية وهمية ولكنها تحمل في وهمها شيئاً من الواقع. في حديث مع أحد الأصدقاء الذين يعيشون في الداخل قال لي صديق مقرب أن بشار الأسد "أحسن من غيره، فنحن لانريد عراقاً أخراً في سوريا"!! مع أن هذا الصديق يعرف حق المعرفة طبيعة النظام السوري الإجرامي وفساد كل مايدور في فلكه. عندما سألت صديقي عن سبب قناعته في هذا الموقف المتضارب، فأجابني بسؤال أخر و بسرعة فائقة "من البديل؟" تذكرت حينها قول الفيلسوف الأغريقي أفلاطون "القرار الجيد يُبنى على المعرفة ولا يعتمد على الأرقام" .

تدور المعارضة السورية اليوم في فلك الوهم الخيالي في تكهناتها وتحليلاتها عن النظام السوري ويبقى هو بقيادة الوريث اللاشرعي وحاشيته متربعاً على عرشه في قصر المهاجرين يطل علينا في خطاب ديماغوجي بين الحين والأخر يندد فيه بالإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية المسببة لكوارث وطننا، وتنسى المعارضة السورية سجنائها الأبطال أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق وأصحاب الرأي والضمير في سجون القمع والإرهاب الذين ينتظرون منا في الخارج أن نكون أفواههم وقلوبهم النابضة في الحرية والديمقراطية لِنُعلِمَ العالم الدولي بأجمعه عن قصص معاناتهم ونضالهم المشرف ضد النظام السوري المستبد للتحرر من الإستبداد والقمع، ولنفتح لهم ولشعبنا الأبواب نحو الحرية والكرامة الإنسانية للمواطن السوري، فهل يوجد اليوم من سامع عاقل وقارئ حكيم في المعارضة السورية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة النازحين في رفح تستمر وسط استمرار القصف على المنطقة


.. الصحفيون الفلسطينيون في غزة يحصلون على جائزة اليونسكو العالم




.. أوروبا : ما الخط الفاصل بين تمجيد الإرهاب و حرية التعبير و ا


.. الأمم المتحدة: دمار غزة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية ا




.. طلاب جامعة ييل الأمريكية يتظاهرون أمام منزل رئيس الجامعة