الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حقوق الملك وواجباته

محمد مقصيدي

2008 / 10 / 3
دراسات وابحاث قانونية


إذا كانت المحاكم المغربية تشهر أحكامها القاسية في وجه المعارضة السياسية بعلة الإخلال بالإحترام الواجب للملك , سواء تعلق الأمر بمستويات لغة الشعارات المرفوعة في المظاهرات والوقفات الإحتجاجية ضد اللامبالاة التي تواجه بها المطالب الأساسية للفئات الشعبية المسحوقة , أو من خلال الكتابات التي تختار المواجهة المباشرة بدل الماكياج والمراهنة على التوازنات السياسية القائمة , وتختلف هذه الإذانات باختلاف السياق السياسي الزمني والشروط التي تحكم المشهد العام للدولة أثناء إصدار هدا الحكم الذي بالإمكان اعتباره سياسيا أكثر منه قضائيا . وإذا كان القانون الجنائي يمنح شرعية صورية بتكييف أي فعل سياسي كجريمة وبشكل فضفاض , فإن الموضوع يتشعب ونكون أمام أسئلة لانهائية تطرق كل أطراف البنية السياسية وتضعها بين قوسين , وتكسر كل الأوهام التي تعتقد في الخطاب الرسمي للنظام المخزني المغربي , من دولة الحق والقانون , والإنتقال الديموقراطي , والرغبة في الإصلاح , والمواطنة ...

ماذا يعني الإخلال بالإحترام الواجب للملك ؟

إنه في قاموس المخزن وحاشيته تعني أي شيء يفيد أو يمكن تأويله كتعبير معارض لأفكار الملك , وبالتالي إعدام المعارضة نهائيا , وتبقى كل أشكال المعارضة الأخرى القائمة هي صورية وهزلية , إذ لا تقوم إلا بمسرحية أمام الشعب والمؤسسات الحقوقية الدولية . إن كل أفعال وأفكار الملك من هذا المنظور هي ليست صائبة وحسب , إنما مذهلة ومقدسة أيضا . وهذا ما أكدته اجتهادات المحاكم الإدارية والمجلس الأعلى للقضاء ,وإن حاولت إخراجها في قالب قانوني عندما اعتبرت أنها غير مختصة في الدعاوى المرفوعة ضد الملك بسبب الشطط في استعمال السلطة بعلة أن الملك ليس سلطة إدارية ..إنها أكدت فقط بنية سياسية في حقيقة الأمر ليس إلا . إذن , لماذا الإنتخابات في المغرب وتشكيل الحكومات ووجود الأحزاب السياسية أصلا إذا كانت كلها مجتمعة موافقة على كل قرارات الملك وأفكاره ؟ فليس من المعقول أن دور الأحزاب مقتصر فقط على التصويت بالإجماع على مقررات الملك . أول أبجديات الديموقراطية هي اختلاف الآراء , إن سوريالية البنية السياسية المغربية وتناقضاتها و إعاقات المؤسسات الدستورية المزمنة وٌإزدواجية الخطاب السياسي هي ما يغذي التخلف في المغرب ويساهم في تأزيم أوضاعه الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية ...
إن أحكام القضاء المغربي التي تستمد شرعيتها من الفصل 23 من الدستور الذي ينص على أن شخص الملك مقدس ولا تنتهك حرمته تتوسع في تأويل هدا الفصل ليطال الأفكار والممارسات الملكية وهو ما يناقض الفصل 28 من الدستور الذي ينص على أن الملك يخاطب الحكومة والبرلمان ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش , فنهاية الفصل عندما تمنع أي نقاش لمضمون الخطاب الملكي تفيد أنه كانت هنالك إمكانية لمناقشة مضمون الخطاب الملكي , فلو كان الفصل 23 يمنع مناقشة الأفكار الملكية وممارساته لما كان هنالك حاجة لحشو الفصل 28 بالجملة إياها , ثم إن هذا الغموض يمتد إلى مشروعية إمكانية مناقشة مضامين الخطابات الملكية خارج الحكومة والبرلمان من طرف المواطن وهيئات المجتمع المدني والصحافة...

إنه من البديهي بطبيعة النظام الملكي المغربي أن يكون في موقع للمساءلة وفي مكان تتضارب فيه الأفكار وتختلف حد التناقض , وذلك لدوره الفاعل بل المتحكم في كل مجالات المغرب , فالملكية المغربية تتجاوز الطبيعة التحكيمية بين مختلف الفاعلين في الحقل السياسي إلى الفاعل الرئيسي والمسؤول المباشر عن كل مناحي الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية ... وهو ما يفسر الكتابات المتلاحقة التي تتناول المسؤولية الملكية في فشل السياسات المغربية والخطابات الموجهة إلى القصر مباشرة . إن اعتبار مناقشة أفكار الملك ومقرراته كجريمة ليست بمتابة إشكال قانوني أو ديموقراطية مشروطة بل هي ديكتاتورية مطلقة وفاشية , وهو ما يفسر تدخل الملك في بعض الأحيان للعفو المباشر على بعض من طالتهم الأحكام القاسية تحت طائلة تهمة الإخلال بالإحترام الواجب للملك أو بإصدار بعض التوجيهات لإعادة النظر في الأحكام .. إن تأويل الإحترام الواجب للملك على هذا المنوال لن يساعد على تطوير الدولة بقدر ما سيجهز على ما تبقى منها .

إن من حق الملك على الشعب المغربي بصفته ملكا عدم المساس بشخصه والتعرض للتجريح أو الشتم أو كل أنواع الإهانات والتحقير , لكن بالمقابل من حق الشعب ان يسائل الملك عن أسباب فشل السياسات المغربية وعن تفقير الشعب وانعدام الحد الأدنى للعيش وانعدام التطبيب والشغل والتعليم والقضاء ..
إن صلاحيات الملك الدستورية وما وصل إليه المغرب من فشل سياسي واقتصادي وتردي للأوضاع الإجتماعية تقضي بوجوب مناقشة توجهات الملك بل ومعارضتها جملة وتفصيلا . فالمواطنة الحقة تقضي بأن يشارك كل المواطنين في صياغة مشروع الدولة بالقوة الإقتراحية للبدائل أولا وليس بالتصفيق فقط على تصورات ذات بعد أحادي .

إن الفصل 19 الدي يضع كل الصلاحيات في يد الملك يدعو إلى أن الملك له صيانة حقوق وحريات المواطنين , فمن يتحمل مسؤولية القمع اليومي وانتهاكات حقوق الإنسان وحرياته أكثر من الملك ؟ من ناحية , فالملك أعلى سلطة في البلاد وعليه إيقافها . ومن ناحية أخرى بمنطوق الفصل 24 و 25 من الدستور فهو المسؤول عن أفعال الحكومة وتصرفاتها , لأن الوزير الأول وباقي الوزراء هم فقط بمثابة موظفين إداريين عند الملك وكل شخص مسؤول عن فشل أو أخطاء موظفيه . وهو أيضا حسب الفصل 32 رئيس المجلس الأعلى للقضاء والمجلس الأعلى للتعليم والمجلس الأعلى للإنعاش الوطني والتخطيط و بالتالي من سيتحمل مآسي التعليم وانعدام العدل وتفشي البطالة والرشوة وسوء التخطيط وكل الكوارث التي يعيشها المغرب ؟؟
ما وصل إليه المغرب اليوم هو نتيجة عقود من سياسات وتوجهات الملك , والأشخاص الذين يظهرون في التلفيزيونات هم أولا رجالات القصر اختارهم بكامل الحرية , ومن تم ففشل الحكومات والأشخاص هو منطقيا فشل من اختارهم لهذه المناصب , وإن كانوا عمليا ليسوا إلا ترجمة لسياسات وتوجهات الملك ومنفذين لها .

ماذا يعني الإخلال بالإحترام الواجب للملك ؟

إن أفكار ومبادرات وتوجهات الملك ليست مقدسة أو نابعة من مصدر إلاهي , وإنما هي نسبية تحتمل الصواب كما تحتمل الخطأ , خاضعة لمنطق الفكر السياسي وللجدل , إن من حق الشعب أن يعارض السياسات التي تؤدي إلى تفقيره وتجريده من مواطنته وحقوقه الأساسية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية ... والمسؤول عن هدذه السياسات ليست الأحزاب السياسية أو التيقنوقراطيون المتعاقبون على الحكومات أو العائلات الإقطاعية في المغرب , وإنما القصر بصفة مباشرة . إن مفهوم الحكامة الرشيدة يقتضي أن ينصت الملك للشعب أكثر من اعتماده على مستشاريه الذين يقودون المغرب من هاوية إلى أخرى .

إن من يخلون بالإحترام الواجب للملك ليس هم من يقدمون اقترحات مغايرة للمرجعيات السياسية للنظام بل هم أعداء حرية التعبير وحقوق الإنسان , هم الذين ينتهكون الدستور يوميا , الدستور الذي ينص على أن جميع المغاربة سواء أمام القانون , الذين لا يحترمون الملك هم الذين يقبلون يد الملك في الصباح ويسرقون أموال الشعب في المساء , هم الذين ينطقون الأحكام القضائية باسم الملك ويتلقون الرشاوى مقابلها , الذين يضعون صورته مكبرة خلف مكاتبهم ولا يتعاملون إلا بالتيليفونات والمحسوبية والزبونية ويقسمون المغاربة إلى أصناف . الذين لا يحترمون الملك هم أولئك الذين يكذبون على الملك بالتقارير المزورة والإحصائيات الفارغة و المشاريع الوهمية ويصبغون الحيطان قبل الزيارات الملكية ولأنهم أغبياء يعتقدون أنهم يخدعون الملك بتلك الحيل الساذجة ...


ولأننا نحترم الملك أكثر منهم , سوف نقول ما نفكر فيه بجرأة وشفافية ونناقش أفكاره بحرية ومسؤولية , وسنظل نعارضه في السياسات التي أوصلت المغرب إلى هذه الدرجة من التخلف وأوصلت المغاربة إلى هذه الدرجة من اليأس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ميقاتي ينفي مزاعم تقديم أوروبا رشوة إلى لبنان لإبقاء اللاجئي


.. طلاب يتظاهرون أمام منزل نعمت شفيق




.. عرس جماعي بين خيام النازحين في خان يونس


.. العربية ويكند | الشباب وتحدي -وظيفة مابعد التخرج-.. وسبل حما




.. الإعلام العبري يتناول مفاوضات تبادل الأسرى وقرار تركيا بقطع