الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الندّاف
محمود يعقوب
2008 / 10 / 4الادب والفن
![](https://www.ahewar.org//debat/images/fpage/art/7.jpg)
سيدتي، إنها كلمة قديمة وكل واحد يأخذها جديدة ليبليها بنفسه. كلمة تمتلئ بالمعنى امتلاء المثانة بالهواء، والمعنى يتلاشى منها بنفس السرعة. قد تنثقب مثلما تنثقب المثانة ثم تترقع لتنتفخ من جديد .
( ارنيست همنغواي )
أسرت لبه القصص والحكايات الجميلة الحالمة التي كان يقرؤها من آن لآخر . كل واحدةٍ منها اكتشاف مذهل ، وعالم فتان بسحر خيالاته ، شغل جمّ تفكيره ، وراح يقتطع المزيد من أوقات عمله ليقرأ بعضها ويتصفح البعض الآخر .
وبعد أن تملكه هذا العشق ومضة من الزمن ، ترسبت في أعماقه رغبة جامحة في كتابتها !..نعم ألحّ كثيراً على نفسه ليسلك هذا الدرب ، وبدا مصمماً على نقش اسمه ضمن لائحة الأسماء اللامعة واللافتة لكتاب القصة . وسيطر هذا الطموح على تفكيره بشكل متزايد . و حرص على توفير الوقت اللازم لذلك ، وكان موقناً بأن الحظ ينتظره على ناصية الطريق .
بدأ يشعر بلذةٍ عميقةٍ وهو يعتكف لوحده ، مقلباً في ذهنه الحكايات التي يروم كتابتها ، لذة تجعل جسده يقشعر من الداخل ويهب من مطرحه عدة مرات ٍ ليذهب الى التبوّل ، أو يكتّف صدره بيديه كمن يحسّ بنفحة بردٍ ! ..
لم يدع زيراً الاّ وأطلق منه كنز الكلمات الساحرة ، ولم يترك قبواً الاّ ولجه ملتمساً أجمل الأدب ، وهام على وجهه في متاحف الفصاحة والبلاغة ساعياً يلتقط منها أفخر الكلم الطيب وأشهاه . وصارت الكلمات أكداساً في دكانه . كلمات برّاقة.. بهية ومشتهاة . شرع يتمايزها ، يسحب تلك ويبعد هذه ، ولا يقرّب منها الاّ الحور والطاووس ، واستغرقته هذه الحمى وقتاً طويلاً . ثم طفق يتأمل الكلمات على عادة الكتّاب أيضاً . وكان يندهش حين يستنتج ان الكثير من هذه الكلمات عتيقة بالية ، منهكة أشدّ الانهاك . أتعبتها كثرة الاستعمال ، وأرهقها الشعراء والخطباء ، وتعفن البعض الآخر منها تحت سقوف المطابع وخلف الكواليس ، حتى لم يعد أحد يطيق رائحتها ..
جعل يغترف منها ويعزله جانباً . ثمّ أخرج قوسه وعصاه الخيزران وأخذ يندفها بمهارة الندّاف المتمرس ! .. اضطربت الكلمات وتبعثرت الحروف وتفرقت النقاط والحركات ، واحتدم الغبار في الدكان ، الأمر الذي حدا به أن يكمم أنفه بطرف كوفيته الكحلاء . وما ان انجلت الغبرة حتى صار يلملم نثار الكلمات بترفقٍ ويحشو بها كيس القصة الّذي كان قد هيأه مسبقاً . كنت اراقبه بصمت وذهول . ولاحت لي لقطة أوقعتني جانباً من الضحك ، فقد كانت الشدّات مقلوبة فوق بعض الحروف بشكلٍ ظهرت فيه مثل مخالب سرطانات البحر !.. وقبل أن ينتهي من ذلك جمع بأطراف أصابعه قبضةً من النقاط والحركات ورماها داخل الكيس .
فور حشو الكيس ، مدّ الندّاف يده ٳلى ياقة ثوبه ساحباً منها ٳبرة خياطة يتدلّى من سمّها خيط قطنيً ، وشرع يخيط فتحة الكيس ، ثم قلبه بين يديه وراح ينهال عليه ضرباً بعصا الخيزران ، حتى استوى بغاية الاتقان . وحين انتهى منه ، أخرج ثوباً من المخمل الأزرق وألبسه للكيس ، عليه طُرُزجميلة باللون الوردي الفاتح ، تمثل قلباً يحرسه عصفوران زاهيان عن يمينه وعن شماله . وأسفله طرّزت بحروفٍ بارزةٍ وبلونٍ أصفرٍ عبارة : تصبح على خير !..
بعد أيامٍ قليلةٍ مررت بدكانه ، وهالني كثرة الوسائد القصصية التي أنجزها في زمنٍ قصيرٍ . كانت جميلة تبهر الأنظار ، وغاية في الروعة ، عرضت بشيءٍ من الأبهة، مثيرةً دهشة الزبائن ، وموحية بأنها متقنة الصنع ، وجراء ذلك تلقى الندّاف الثناء العطر . وقلت في نفسي لأجربنّ وأشتري واحدةً منها .
حين أزف موعد نومي ، طرحت رأسي على هذه الوسادة الوثيرة ، ليأخذني نوم عميق . وبعد مضي وقت فصير تهاوت الأحلام الى رأسي ، وكانت أحلاماً دافئةً وبرّاقةً كما الورد والفراش ، وكانت مثيرة وصارخة أيضاً كما في قصص الرومانس .
كنت غافياً تهدهدني نعومة الأحلام ، لكن ذلك لم يدم طويلاً ، ٳذ سرعان ما اضطربت غفوتي وانقلبت أحلامي حين داهمني طيف الندّاف وهو يهزّ عصاه الخيزران بوجهي غاضباً ، ثم ينهال عليّ بالضرب المبرح مثلما يفعل ذلك مع أكياس قصصه .. ضرباً طال كل مكان ٍ في جسدي ،
وكان يصرخ بي وكأنه يخيّرني :
- أجبني ..أين تريد أن أوجعك ؟..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب
![](https://i4.ytimg.com/vi/BOEahTfCdvs/default.jpg)
.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح
![](https://i4.ytimg.com/vi/tnv_JwUbaIg/default.jpg)
.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال
![](https://i4.ytimg.com/vi/fnZxGFKNNas/default.jpg)
.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان
![](https://i4.ytimg.com/vi/wSB1vOFrUvo/default.jpg)
.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ
![](https://i4.ytimg.com/vi/YxlyvB2CCqI/default.jpg)