الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المواطن والسلطة و السياسة

رشيد طلحة

2008 / 10 / 4
حقوق الانسان


مرة أخرى يثبت الشعب المغربي انه غير معني بما يجري في ساحة الانتخابات التشريعية، هذا إن لم يكن قد طلق السياسة كلها إلى أجل غير مسمى. فنسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية التي عرفتها بعض الدوائر، المطعون في نتائجها، لم تتجاوز% 15 و قبلها سجلت استحقاقات 7 شتنبر2007 أصغر نسبة في تاريخ الانتخابات التشريعية في المغرب و التي لم تتعدى هي الأخرى% 25 ، حسب الأرقام الرسمية، ناهيك عن العدد الهائل من الأصوات الملغاة و الذي تجاوز المليون صوت، و العدد الكبير من المواطنين الذين لم يسحبوا بطائقهم أو لم يسجلوا أنفسهم أصلا في اللوائح الانتخابية .
و بالطبع، فالدولة التي تدعي الديمقراطية لا بد أن تفتخر بهذه النسب المنخفضة، لأنها لم تعد مثار جدل كما كان عليه الشأن في الانتخابات السابقة حيث كانت تتجاوز %95 مما يجعلها دائما مجال للشك و مطعون في صحتها خاصة من طرف أحزاب المعارضة.
غير أن السلطة باتت تتخوف، أكثر من أي وقت مضى، من أن تتدنى هذه النسب لتصل الحد الغير المقبول حيث ستفقد المؤسسات المنتخبة ما تبقى من مصداقيتهما و تفرغ الانتخابات من محتواها وبالتالي تسقط إحدى أقنعة ديمقراطيتها المزيفة، والأخطر من ذلك هو أنها قد تؤدي، هذه المرة، إلى سكتة قلبية فعلية.
فرغم ملايين الدراهم التي صرفتها جمعية "2007 دابا" من المال العام على السهرات الغنائية التي لم ينتفع منها سوى شرذمة قليلة من العناصر المسترزقة من الفن الرخيص، و ندوات الأحزاب الموسمية الغير معروفة أصلا عند الغالبية العظمى من المواطنين، و رغم الدعاية الكبيرة التي نظمتها الدولة و التي سخرت لها كل الأجهزة الإعلامية السمعية و البصرية و المقروءة، الرسمية منها و الخاصة، داعية المغاربة لممارسة حقهم الدستوري تارة، و مذكرة إياهم بواجبهم الوطني تارة أخرى ... و رغم إقحام الخطاب الديني في هذه الدعاية حيث لم يتوانى بعض فقهائنا الأجلاء عن إصدار ما يشبه فتوى بإلزامية كل مسلم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بصوته و إلا مات موتة الجاهلية... فان المغاربة كانوا مقتنعين من عدم جدوى هذه الانتخابات في إحداث التغيير المنشود، كما أنهم و لسبب بسيط استنفذوا، في هذه اللعبة السياسية، كل أوراقهم و لم يربحوا شيئا.
هذه الظاهرة "الخطيرة" روجت لها السلطة، في منابرها الإعلامية، على أنها عزوف سياسي عند المواطنين و خاصة الشباب منهم، و حملت المسؤولية للأحزاب السياسية التي أصبحت عاجزة عن التأطير السياسي للمواطنين و حقن دمائهم بالممارسة السياسية.
لكن المؤسف حقا هو أن تقدم هذه السلطة على إصدار حكم من جانب واحد و بدون أي سند علمي ، و كان عليها قبل ذلك أن تقوم بدراسة علمية دقيقة من خلال استطلاع الرأي و التقرب من المواطنين أكثر و إحاطة الظاهرة من كل جوانبها مستعينة في ذلك بعلماء الاجتماع و خبرات المؤسسات المختصة في مثل هذه الدراسات.
فالمواطن المغربي، حتى و لو كان أميا أو في منطقة نائية، هو بطبيعته إنسان شغوف بالسياسة و متتبع جيد للأخبار و الحوادث التي تقع في العالم، فهو من حرر بلده من براثن الاستعمار وهو من سار بقدميه أعزلا إلى الصحراء غير مبالي بالألغام، و هو من خرج عشرات المرات إلى الشارع للتعبير السلمي عن غضبه من سياسات الدولة التفقيرية أو للتضامن مع الشعوب المظلومة مثل فلسطين و العراق و كم قوبل بالبنادق و الدبابات و كل الوسائل الحديثة للقمع و حوكم ظلما و عدوانا... و رغم ذلك فهو عاشق للسياسة.
و حتى لو سلمنا أن هناك عزوفا سياسيا، فالسلطة تتحمل تاريخيا هذه المسؤولية، لأنها منعت الشباب من ممارسة أنشطتهم النقابية و الثقافية داخل المؤسسات التعليمية و دور الشباب و النوادي السينمائية... و جرمت انتماءهم للنقابة الوطنية للتلاميذ و الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و جمعيات المعطلين ... فلاحقتهم و اعتقلتهم في السجون، بملفات مطبوخة و بعد محاكمات صورية، حيث قضوا فيها أجمل سنوات عمرهم بل و قتلت منهم محمد كرينة و زبيدة خليفة وعادل أجراوي و مصطفى حمزاوي ... و القائمة طويلة.
كما أن سياسة التمييع التي نشرتها في المؤسسات التعليمية و نظام العسكرة الذي أقرته في بعض المعاهد المدنية و إقفال بعضها الآخر و إلغاء مواد الفلسفة و الاجتماع من البرامج التعليمية... كلها عوامل ساهمت في تعطيل الوعي السياسي عند الأجيال الجديدة التي أصبحت لا تهتم سوى بما تنتجه مصانع الموضة الأمريكية أو ما يفرخه الفكر الظلامي الانتحاري...
إن ما تريده السلطة، بدعايتها هذه، هو مواطن سلبي ، يقبل بما تعطيه و لا يحق له الاعتراض على سياساتها مهما كانت سيئة، أي مواطن لا يمارس مواطنته الحقيقية، بل مواطن يكتفي بالتوجه إلى صناديق الاقتراع عندما يطلب منه ذلك.
لهذا فالمواطن المغربي عندما يرفض الإدلاء بصوته فهو بذلك يبعث رسالة رمزية واضحة إلى من يهمهم الأمر، أعني السلطة و الأحزاب و المرشحين...رسالة مفادها "عندما تحققون لنا تغييرا جذريا في النسق السياسي من خلال دستور ديمقراطي حقيقي يضمن استقلالية السلطات و مصداقية المؤسسات التي ستمثلنا، وعندما تقدمون لنا برامج حقيقية واضحة تعبر عن مصالحنا و عندما تختارون لنا مرشحين نزيهين يبلغوكم مطالبنا وتطلعاتنا... آنذاك سنتوجه لصناديق الاقتراع بصدر رحب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار