الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ستي أم خميس وعالم السياسة

ناصر اسماعيل جربوع

2008 / 10 / 5
القضية الفلسطينية


في أيام خلت ،يوم كانت أيامنا جميلة، لا نعرف فيها الحقد والكراهية ،لأننا لم نتربى ولم نربي أولادنا عليها ، تلك الأيام التي تعلمنا فيها فلسفة الحب والجمال ببساطتها الأولى، دون الحاجة إلى رجوع لمراجع وأمهات كتب الفلسفة ،لان حياة المخيم البسيطة كانت أرقى من كتاب الفلسفة المثالية الأفلاطونية، ولست أبالغ حين القول أن جمهورية أفلاطون، ومدينة ابن رشد الفاضلة ،كنا نعيشها في مخيمات اللاجئين لاننا ذقنا معنا الولاء والوفاء والتضحية والتعاون ،وعرفنا قيمة المشاركة الوجدانية بمعناها الأصيل، في أتراحنا وأفراحنا معا ً، استذكرت في هذه الأيام رغم الفقر المدقع الذي عايشناه في أوائل نشوء المخيم ،أيام رمضان الخالية كيف كان رجال الحارات في المخيمات يجتمعون ،في ساحات الحارات غير المرصوفة! ويحضر كل رجل ما تيسر من طعام ،وتفرش الحصيرة المرقعة على الأرض الطينية ، وينتظر الأطفال المؤذن علي أحر من الجمر، حيث كان المؤذن يصعد إلى اعلي المسجد البسيط غير المزخرف !وينادى بصوته العذب النقي الخالي من الشوائب( الله اكبر--- الله اكبر ) بعده ينطلق الأطفال مهللين فرحين بعيدهم اليومي ،كنا أحياناً ننال شرف الجلوس مع آبائنا علي موائد الحارات العتيقة، الله ما أجمل هذا الطعام الذي كنا نتناوله رغم شدة فقرنا، ورغم انه يخلو من المقبلات ومنزوع السلاح في كثير من الأحيان- أي خالي من أي نوع من اللحمة الطازجة والمجمدة - لانعدامها آنذاك! 00 في تلك الأيام كان للمقاومة الفلسطينية طعماً مختلفا ،كانت وحدة الدم الفلسطيني هي السائدة ، كان الفدائي لا يبحث عن منصب تائه هنا وهناك، ولا سيارة (ماجنيوم أو هونداي أو جولف) حديثة يتبختر بها في شوارع المخيم المرصوفة ! أو باب عمارته الفاخرة ،ولا الفشخرة بمجموعة من المرافقين الباحثين عن لقمة عيش مغموسة بالذل والهوان دون أن يدري!؟
تذكرت أيام خلت من رمضان المخيم الجميل، يوم أن كنا نجتمع حول ستي في بيتها العتيق، المكون من غرفتين تم استصلاحهما من بقايا مخلفات الجيش البريطاني ، تتعلق أعيننا إليها بكل إعجاب، وهى تحضر القطا يف اليافاوى بطريقتها الرائعة، التي نقلتها معها أثناء هجرتها من مدينة يافا، وعند الانتهاء من القطا يف، كانت ستى تسرد علينا أيام رمضان التي عاشوها في يافا قبل نكبة 48، فى نهاية حديثها الشيق ورغم انه كان طويلا، إلا أننا كنا لا نشعر به ! أولاً لحبنا وارتباطنا السرمدي بماضينا الفلسطيني العريق ، وانتظارا لآذان المغرب وتلهفنا للإفطار مع ستى ثانياً ،واعتادت ستى أن تنهى حديثا يومياً بحكمة أدركتها حين أصبحت كبيراً ، كانت أجمل حكمة سمعتها منها هي ( احكم بطبعك وطبع غيرك لا--- ربي إبن ابنك وإبن بنتك لا----- عمر في وطنك ووطن غيرك لا) 00عاشت معي تلك الحكمة طوال حياتي ارددها لأولادي ، نقلاً عن ستى ، ولكنى لم افهم أبعادها السياسية إلا الآن!؟ أدركت مجدداً أن ستى كانت خبيرة بالسياسة الدولية والإقليمية ، وتيقنت أن كلماتها الخالدة تحتاج إلي مجلدات من الشرح والتحليل ،وتناولت في ضوء المعطيات الدولية والمحلية والإقليمية المعاصرة كل سطر علي حدا، وتوقفت عند كلماتها بنوع من المرارة، والأسي، وتوصلت إلى المقاصد التالية حين استعرضت كلمات، احكم بطبعك وطبع غيرك لا--- وسألت نفسي ومن حولي هل نحن في بلادنا الجميلة عدنا نحكم بطبعنا الفلسطيني العربي الأصيل؟ هل احتكمنا لشرع الله في قضايانا ؟ هل تشدنا عاداتنا وجذورنا العربية الإسلامية المتأثلة في أعماقنا، الممتدة في جذورنا آلاف السنين ؟ أم بتنا نحتكم لأطباع غيرنا من الوحوش البشرية الذين لا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة؟ أترككم بكل شفافية وصدق وموضوعية أن، تردوا علي أسألتى الواردة حول الحكمة الأولي 00
ونأتي إلى السطر الثاني من حكمة ستى ( عمر بوطنك وبوطن غيرك لا -- وهنا اسأل سؤالي البريء الثاني، هل أصبحنا بالفعل نعمر في وطننا يا سادة؟ وأين هذا العمار ؟ ، وشعبنا المغلوب علي أمره محروم أدنى حد من المعيشة اللائق ! كيف يعمر وهو سجين بين أربع جدران ؟ كيف يعمر وهناك خلاف بين الأخوة بين شطري الوطن ؟ وانفرطت حزمة الحطب ! وسهل تكسرها ! كيف نعمر وغزة معدومة من بنيتها التشغيلية فلا أسمنت ولا أي نوع من أدوات البناء ، وكل شيء إن توفر بكابونة ؟!
وحتى لا نطيل عليكم ونثقل عليكم همومنا، التي تفوق حجمها جبل الجرمق الفلسطيني الخالد ننتقل إلى السطر الثالث من الحكمة (ربي ابن ابنك وابن بنتك لا ) ومع احترامي لكل أبناء بناتنا ، ولكن هذا المثل لابد ألا يؤخذ بمعناه السطحي، فإبن الابن هنا هو ابن الشعب المتجذر بعاداتنا ،الحامل نسقنا القيمى الاسلامى العربي الأصيل، الحامل لأفكار غير مستوردة ، المتربي ببيت أبيه وجده الحامل المخلد لاسم عائلته ، المحافظ علي استمرارها وبقائها، العارف لمعنى حقوق الجار، المتمسك بمفاهيم الإخوة، المتشبث بمعنى الصداقة، الحافظ للجميل غير ناكث العهد ، كل هذا لأن له جذور متينة تربى عليها ابن الابن العربي المسلم الأصيل 00
وأخيراً ماتت ستى، وتذكرتها الآن بالتحديد ،ونحن علي بوابة حوار القاهرة، ونسمح تصريحات من هنا وهناك ،احياناً لا تروق لنا كفلسطينيين نعيش علي بريق أمل، عودة اللحمة والوحدة بين أبناء الإبن الواحد ،ونحلم أن نحكم بيننا طبعنا الفلسطيني الأصيل، الخالي من مؤثرات خارجية ،وندرك من جديد أن مصالحنا واحدة ، وعدونا المتسرطن علي حدودنا واحد، ويسعى جاهداً لخلخلة صفوفنا لإطالة أمد عمره ،فهل نسمح له بذلك أم نعمل بنصيحة ستى وستك صاحبات السياسة العفوية البريئة، دعونا نفكر بضميرنا الحي ،قبل الإجابة المتسرعة التي تقودنا للخطأ0000










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل