الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية قديمة عن حدث جديد

يحيى السماوي

2008 / 10 / 6
كتابات ساخرة


حين رأى أعـداء العراق التفاف الجماهير الشعبية حول القائد الوطني الخالد الزعيم عبد الكريم قاسم ، حرّكوا طابورهم الخامس داخل العراق ، لإثارة الإضطرابات أملا ً في زعزعة الإستقرار وإيجاد حالة من القطيعة بين الشعب وقائده ...
وحدث أن قام النظام الوطني آنذاك بزيادة أسعار اللتر الواحد من البنزين مبلغ فلسين ، فإذا بمظاهرة صاخبة دعا إليها أصحاب شركات النقل والمعامل ، تجوب شوارع بغداد احتجاجا ضد تلك الزيادة في وقـت كان فـيـه سعـر عـلبة الكبريت " الشخاطة " لا يزيد على فلس واحد .
ألقي القبض على بعض المتظاهرين وخضعوا للإستجواب لمعرفة الخيوط غير المرئية التي حرّكت الدمى ... وكان من بين الذين ألقيَ القبض عليهم رجلٌ رثّ الثياب ، حافي القدمين ، حـسير الرأس ـ تشي هيئته بأنه لا يملك حتى عربة نفط ـ من تلك العربات التي يجرّها حمار ..
يُقال ـ والعهدة على الراوي ـ إنَّ حديثا دار بين مفوض شرطة التحقيق وهذا الرجل ، نصّـه كالتالي :
مفوض الشرطة : هل أنت صاحب شركة نقل ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة : هل أنت صاحب معمل ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة :هل تملك بنزيخانة ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة : هل تملك عربانة بيع نفط ؟
الرجل : لا والله سيدي ..
مفوض الشرطة : إحجي الحقيقة لو أضربك راشدي وأحبسك اسبوع كامل ..
الرجل : صدّكني سيدي .. أحلف بالعباس أبو فاضل آني ما كذبت عليك ... وإذا ما تصدّكني ، إسأل عليوي القهوجي .. آني أشتغل صانع عنده ..
مفوض الشرطة : إبن الزفرة ـ إذا إنت ما تملك شركة نقل ، ولا معامل ، ولا بنزينخانة ولا حتى عربانة بيع نفط .. إذن ليش تشارك بالمظاهرة ؟
الرجل : سيدي آني أدخـِّن جكاير .. وعندي زناد أبو الفتيلة ( قدّاحة ) تشتغل عالبنزين ... والمثقف " أبو فارس " سمعته يقول بالكهوة : هذي الزيادة بسعر البنزين راح تهجم بيوتنه ... أقنعني بالمظاهرة .. وطلعت وياه ... وإذا ما تصدّكني سيدي إسأل المثقف أبو فارس ؟
مفوض الشرطة ( وقد تأكد له أن الرجل ساذج وطمبورة ) : شلون عرفت أبو فارس مثقف ؟
الرجل : عرفته مثقف من تصرفاته سيدي ... يسمّي الكلب بوبي ، ومن يشرب بيبسي يترك ربعه .. ويبول وهوّ واكف ..
**
قد لا تكون هذه المحاورة بين مفوض الشرطة والرجل الساذج قد حدثت بهذه التفاصيل تماما ... لكنّ المؤكد أن التظاهرة قد حدثت فعلا في بغداد ، وحملت القيادة السياسية آنذاك على معالجة الموضوع ..

الان ، ثمة ما يُنبئ عـن أنَّ ضغوط الإدارة الأمريكية على الحكومة العراقية وتهديداتها الصريحة لحملها على توقيع المعاهدة الأمنية التي من شأنها شرعنة الإحتلال وتحويل العراق إلى قاعدة عسكرية على شكل وطن ، فإن الحكومة بحاجة إلى دعم جماهير الشعب وقواه الوطنية ، بعدما بات جليّـا ً مقاومتها المطمح الأمريكي وإصرارها على عـدم التخلي عن الثوابت الأسـاسـية للسيادة الوطنية .. لكن المثير للإنتباه ، هو أن هذه القوى والأحزاب الوطنية لم تعمل على حشد قواعدها الجماهيرية للإحتجاج ضد المعاهدة لتكون تظاهراتها بمثابة رسالة تحذير موجهة للإدارة الأمريكية وفي ذات الوقت رسالة دعم ٍ وتضامن مع الحكومة العراقية في موقفها الوطني العادل والمشروع في جدولة انسحاب قوات الإحتلال وعدم موافقتها على منح هذه القوات الحصانة من المساءلة القانونية حين ترتكب جرائمها بحق العراقيين ( وما أكثر الجرائم التي ارتكبتها حتى الان ) ..
فالمعاهدة ليست إضافة " فلسين " أو " تخفيض فلسين " في سعر الليتر الواحد من البنزين ـ كتلك الزيادة التي حملت أصحاب شركات النقل والمعامل على التظاهر قبل عقود من الزمن ... إنها تتعلق بمستقبل العراق وثروات أجياله مثلما تتعلق باستقلاله وأمنه وكرامة شعبه ..
عدم موافقة القيادة السياسية على توقيع المعاهدة حتى الان ، يعني رفضا لها ... والغضب الشعبي منها يعني هو الاخر رفضا لها .. وموقف المرجعية الدينية قد وصل حدّ تحريمها ... أما الأحزاب والقوى الوطنية ، فقد اكتفت بتصريحات خجولة تعبيرا عن رفض المعاهدة ـ والمحتل لا يولي التصريحات الخجولة اهتماما .. لكن المؤكد أنه سيعيد النظر في الكثير من خططه حين يرى القوى والأحزاب الوطنية تتقدم جماهيرها في تظاهرات ضد أية معاهدة بين طرفين غير متكافئين : محتل يريد شرعنة الإحتلال .. وحكومة شعب يريد الخلاص من الإحتلال .
تقولون إن المحتل لا يسمح بالتظاهرات السلمية ؟ إذن لنمتحن صدقه بما وعدنا به بالديمقراطية ..
تقولون إنه قد يوفـِّر للإرهابيين الثغرات التي يتسللون منها لنسف المتظاهرين ؟ هذا متوقـّعٌ والله ... وقد يتدبّر هو ذاته تفجيرا كي يبرر إصراره على البقاء بدعوى أن الأمن ما زال هـشـّا ً... وما الغرابة في ذلك ؟ ألـَمْ يقم المحتل ذاته بإطلاق سراح كثير من الإرهابيين الذين ألقت عليهم القبض قواتنا الوطنية الشجاعة ـ حسب ما صرّح به مسؤولو وزارة داخليتنا وقادة عسكريون عراقيون معنيون بمكافحة الإرهاب ؟
ما الحل إذن ؟ لا أدري ... فالعتمة شديدة ـ لكن الذي أدريه ، هو : إن الغد سيكون أكثر عتمة طالما بقي الإحتلال ... جيفة الإحتلال هي التي أتت بذباب الإرهاب والفتن الطائفية وسمحت بتسليط ساطور المحاصصة على جسد الوطن ... وقبل ذلك : حكومة القوات المحتلة هي التي صنعت ديكتاتور الأمس القريب ، وأطاحت به حين انتهت فترة صلاحيته للعمل كشرطيّ إقليمي أحمق ومتعسف .... وقد تصنع ديكتاتورا جديدا إن بقيت قواتها جاثمة على صدر العراق ... وتهديده مؤخرا بمعاقبة العراقفي حال رفض التوقيع على المعاهدة الأمنية بشروطه هو الدليل الحيّ على حقيقة أن ّ الذئب لا يمكن أن يغدو ظبيا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري


.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس




.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن


.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات




.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته