الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إرهاب جيفارا ألزرقاوي

خالد صبيح

2004 / 2 / 18
الارهاب, الحرب والسلام


يبدو ان الأحداث المتسارعة والوقائع المتناقضة التي نمر بها قد عصفت برؤوس البعض منا فشوشت رؤيتهم ورمتهم في تيه افقدهم توازنهم وأضاعوا الاتجاهات بعد فقدانهم لبوصلة اتساقهم الذاتي الذي يهديهم إلى وجهة صحيحة أو مقبولة في قول ما يجب قوله، ومن ثم التفكير أولا وأخيرا، بالإنسان وبهمومه وبسعادته وبحقه في الحياة كمرجع نهائي لما يجب التفكير به وليس بتقديم الشعار والمبدأ أو العقيدة عليه ليتحول عبدا وتابعا لهم.
 قد يغيب هذا الامر عن ذهن الأيدلوجي والدجال والعقائدي والسياسي حاوي الأفاعي والطبال في جوقة تهريج لكنه لن يغيب عن بصيرة أديب يهجس في كل ما ينادي به بصنع حلم الإنسان. ولأن من يتعاطى الأدب يحكم على نفسه بجريرة الصدق. والأدب وشرطه الوجودي، الصدق، مدخلان إلى مجرة أسئلة الحياة والإنسان وما يشتق منهما من سياسة وفكر وصرعات كلام. فقد يبيح لنا هذا المدخل وتوابعه التو صيفية بفتح سجل البراءة بتساؤل عن كيفية امكاننا ان نحتفل بحياة الإنسان إذا ساوينا بين مهرجانات قتله وتحطيم أمله وذبح بهجته وفرحته البسيطة في الوجود وبين بساتين أوراد محبته وخلق بؤر الجمال في حياته.  كيف يتلاقى مشروع صنع الحلم في مدينة فاضلة تعرش فيها الأزهار وكركرات الأطفال مع مشروع موت وخراب شاملين؟
لسنا غافلين لنتوهم الاختلاط هذا لأننا حينما قرانا التاريخ لم نعثر في ثنياته على احد الشعراء أو الفوضويين من الذين ذهبوا لصنع جمهورية الفقراء والشعراء في أسبانيا الحرب الأهلية انه قد دس قنبلة في برميل قمامة ليقتل طفلين يلهوان قربه. ولم نسمع أن شاعرا متمردا أو فنانا عبثيا من عابري المسافة بين الحلم والواقع لقطع الطريق على قاطرة الدم وسحق الإنسان الزاحفة مع جمهورية الخوف والموت الفرانكوية، انه تزنر، بدلا من فرشاته، بأحزمة الموت لينسف نفسه
( لم يفعلها لأنه يجل الحياة البشرية) ويسرق بحقد أهوج فرحة أناس عزل أرادوا ان يبتهجوا بالعيد ـ والعيد اللعين هذا، أيها المحتفون بالإنسان، هو يوم للمحبة والتسامح ـ   فيحيل يوم فرحتهم إلى مهرجان دم ومآتم. ولم يذكر لنا التاريخ، المجني عليه في بعض اللغو، ان احد الاشتراكيين الحالمين بطوبى المساواة للبشرية، قد فجر نفسه في مجموعة من الفقراء( العزل مرة أخرى) الباحثين عن فرص عمل في أيام الخراب ليرميهم اشلاءا محترقة على قارعة الطريق لينسل هو منتشيا بمفرده إلى الجنة. ولم نعرف في سيرة جيفارا، الزاهد في وجاهة السلطة ومغانمها، انه قتل مدنيا واحدا بدافع تحرير بلده من اليانكي، بل كنا نعرف، في الأفلام على الأقل، انه كان يعالج الجرحى من جنود أعدائه ويخلي سبيلهم في تجسيد مذهل للشهامة. فهل اصطف اسمه سهوا إذن مع أبي مصعب ألزرقاوي حامل راية الموت والأحقاد العنصرية في خطاب بعض مثقفينا؟
انه زمن اختلاطات وهذيان بحق.   
قد نستوعب ونجد سياقا لما يهذي به احد الإسلاميين المتنعمين بمغانم الحضارة العلمانية ويهاجمها بصلف ليل نهار ناعتا إياها بفقدان الأخلاق والروح والقيم بينما حياته وكيانه يدينان لقيمها وأخلاقها الإنسانية، حين يتذاكى، ليوهم السذج من أمثاله، ان مفكرا ومثقفا كبيرا بحجم سارتر اكتسب أهميته وشهرته بسبب رواياته الجنسية، وكأن هذا المفكر الملتزم الذي ترك أثرا بينا في الثقافة الإنسانية كاتب لروايات بورنو لااكثر. ويضيع بإيحاءات الصبياني هذا كل جهد سارتر النظري في مناقشة مكانة الإنسان في الوجود ومعنى الحرية وكل تأملاته الأدبية والجمالية في مصير الإنسانية وقيمتها.
قد لا ترتبك الصورة أمامنا كثيرا حين نطل على مشهد الصراع ذي العنوان العريض- العراق- ونصغي إلى اللهفة، المصنوعة بكل وقار الشعار الأنيق،  لتحريره وخوض الصراع بكل ممكناته من اجل هذا الهدف، حين تتناقض لحدود الإدهاش والسخرية تلك الصورة بين وجه الوطن في النصوص والكلام السياسي ألشعاراتي وبين وجهه في الواقع حيث مدن الجنوب الحزينة المحطمة، بدون كهرباء ولا ماء نقي، وإنسانها المسكين والمقهور الذي يعوم بفقره المدقع على بحيرة الثراء التي لا يعرف لمن ستؤول، ويحلم حلمه البريء بيوم أزلي ينعم فيه
( بمكان نظيف وحسن الإضاءة) تشبه أيام منافي دعاة حريته المترفة حيث الدفء والهدوء وأصوات العصافير تزقزق قرب مكاتبهم التي يرسمون له منها برامج مقاومته وطرده للغزاة ليضحي هو بكل ما تبقى لديه وبأمله وحلمه في الخلاص من اجل إن تنتصر المبادئ الورقية وشعارات مدن الثلوج. ولا ندري إن كنا سنفرح أم نحزن حين نعرف أن من يخوضون الصراعات بالوثائق وبغيرها يصممون ملف لكل دابة تدب على الأرض سيقدمونها للرأي العام كأدلة على كل شيء رديء حينما تقتضي الحاجة، اي فقط حينما يختلفون مع هذا الشخص أو ذاك وليس من اجل الوطن المسكين كما يلوحون بغضب أبدا.
لكن الصورة تلك سترتبك عندما يقوم أديب يمجد الأعزل بخلط الأوراق وارباك المشهد كله بلعبة كولاج تاريخي للأسماء والوقائع فتغدو كما متداخلا ببعضه ورموزا متشابكة فيدغم اسم جيفارا باسم ألزرقاوي ليصيرا اسما واحدا يحيل لمعنى وُحد بقوة التمويه هو الإرهاب، ولتتساوى الاطلاقة التي تريد إنقاذ الحلم بتلك التي تريد واده فيصير الإرهاب حينها بطولة وتتساوى الألقاب والمعاني، إذ لا سياق يحدد قيمتها ويميزها، وتتماثل الوجوه في بورتريه كبير مشوه فنسقط في محبة ألزرقاوي بعدما قلبنا الصورة وأدخلنا معانيها في متاهة تأويل مفتوح ومنفلت وضبابي للتاريخ.
فهل هو إذن زمن اختلاطات وذهان؟
 إني أتسائل فقط!


السويد
17-02-2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يخيب آمال الديمقراطيين خلال المناظرة الأولى أمام ترامب


.. تهديدات إسرائيل للبنان: حرب نفسية أو مغامرة غير محسوبة العوا




.. إيران: أكثر من 60 مليون ناخب يتوجهون لصناديق الاقتراع لاختيا


.. السعودية.. طبيب بيطري يُصدم بما وجده في بطن ناقة!




.. ميلوني -غاضبة- من توزيع المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي