الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تتركوا المالكي وحده!

جاسم الحلوائي

2008 / 10 / 7
السياسة والعلاقات الدولية


في نهاية شهر آب الماضي رفع السيد محمد الحاج حمود رئيس الوفد المفاوض ووكيل وزارة الخارجية مسودة الاتفاقية الأمريكية ـ العراقية إلى رئيس الوزراء السيد نوري المالكي، وبادر الحمود عندها إلى تصريح غريب وهو أن الاتفاقية رفعت إلى رئيس الوزراء لرفضها أو قبولها. واقترن ذلك بتصريحات لوزير الخارجية هوشيار زيباري ولمسؤولين في إقليم كردستان تعّبر عن القبول بالاتفاقية. وفي إثر ذلك، وبعد زيارة من السيد نوري المالكي للمرجع الديني السيد السيستاني، سحب المالكي ملف المفاوضات من وزارة الخارجية. وصدرت تصريحات حكومية ومن رئيس الوزراء تؤكد على أهمية وضرورة الاتفاقية للعراق، مؤكداً في نفس الوقت على وجود تحفظات جدية على الاتفاقية تتعلق بالسيادة الوطنية. وكانت أبرز تلك التحفظات تتعلق بحصانة الجنود الأمريكان خارج الواجب، وتحديد سقف زمني لسحب آخر جندي من العراق. وجاءت هذه التحفظات متجاوبة مع أهداف القوى الوطنية الحريصة على تحقيق السيادة الوطنية الكاملة للعراق، ومع طموحها إلى اتفاقية تراعي مصلحة البلدين. كما لقي موقف الحكومة تجاوباً مع تطلعات المواطنين العراقيين.

ويبدو أن إدارة بوش حريصة على إنجاز مهمة التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية قبل انتهاء ولاية جورج دبليو بوش، كي تجد الإدارة الجديدة نفسها، أي كانت جمهورية أم ديمقراطية، أمام حل وخطة متفق عليها سلفاً في العراق. كما أن هذه الإدارة حريصة على تحقيق إنجاز واضح في العراق لتوظيفه في الحملة الدعائية لانتخابات الرئاسة. وهذا هو سر الضغوط التي تمارس على المالكي لتليين موقفه، الذي ازداد صلابة بعد نصائح السيد السيستاني، التي جاءت متجاوبة مع موقف المالكي من طبيعة الاتفاقية المطلوبة.
لقد شكا المالكي من الضغوط الأمريكية، وأشار إلى أن استمرارها سيؤدي إلى فوضى في العراق. وبدلاً من أن توحد القوى الوطنية صفوفها وتلتف حول المالكي، وخاصة تلك التي تسهم في العملية السياسية والسلطة للخروج من معركة الاتفاقية العسيرة بما يضمن مصالح العراق وتحقيق سيادته الوطنية، فإن بعض أطرافها اصطف في الجهة المقابلة للمالكي، بدافع المنافسة أو لتحقيق أهداف قومية خاصة لم تنضج ظروفها. وهذا ما شجع الجانب الأمريكي على مواصلة ضغوطه.
وفي هذا السياق جاءت بعض التصريحات التي تحذر من توجه نظام الحكم في العراق نحو الفردية والدكتاتورية أو الشمولية. والمقصود هنا هو إمكانية تحوّل رئيس الوزراء ، نوري المالكي، إلى الفردية أو الدكتاتورية. وينبغي التوقف عند مثل هذه التصريحات لأنها صادرة عن وجوه بارزة في العملية السياسة. فهل هناك أساس واقعي لمثل هذا الاحتمال في ظل الظروف القائمة الآن في العراق؟
تشير المعطيات على الأرض إلى أن مثل هذه الإمكانية غير محتملة في ظل وجود الدستور الدائم (رغم ثغراته الجدية) ومجلس النواب وهيئة الرئاسة والقضاء المستقل ونظام اللامركزية الإدارية وحرية النقد والمعارضة. قد تحصل هنا وهناك بعض المواقف الارتجالية أو الفردية الخاطئة الطارئة، إلا أن تلك المواقف لا يمكن أن تتحول إلى نهج سياسي ثابت وتغيّر النظام السياسي، بفضل وجود المؤسسات الديمقراطية والفصل القائم بين السلطات.
إن الطريق إلى نظام دكتاتوري أو شمولي لا يمكن تصوره في العراق اليوم، إلا بإلغاء المؤسسات الديمقراطية والدستور الدائم. ولا يمكن القيام بذلك إلا عن طريق انقلاب عسكري لم تعد إمكانياته متوفرة. فقد ولى ذلك الزمان الذي كان يمكن فيه لبعض الوحدات العسكرية أن تسيطر على الإذاعة وتذيع البيان الأول وتستحوذ على وزارة الدفاع ومن ثم السيطرة على البلد وكل قواته المسلحة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. فإذا صرفنا النظر عن القوات المسلحة لإقليم كردستان التي تتمتع عمليا بالاستقلالية، فإن قوات الأمن المحلية تخضع لمجالس المحافظات وفق قانون اللامركزية الإدارية وتقاسم السلطات بين المركز والمحافظات. وليس هناك منبر إعلامي واحد في الدولة العراقية الجديدة، بل هناك عدد كثير من الإذاعات والقنوات الفضائية والعديد منها خارج العراق.
ولم يعد الجيش بلون سياسي واحد. ومهما يقال عن ارتفاع مستوى مهنية الجيش، وهذا ملحوظ، ولكن هذا المستوى سيبقى نسبياً. ومهما يقال عن ابتعاد الجيش عن المحاصصة فان ذلك مجرد كلام. وأحد الأدلة على ذلك هو تصريح السيد سليم الجبوري الناطق باسم كتلة «التوافق» لجريدة "الحياة" في 30 أيلول والذي جاء فيه ما يلي: " إن السنة لا يملكون القدرة على طرد احد من وزارة الدفاع، لان القرار ليس بأيديهم، بل هم يشعرون بالغبن لان تمثيل السنة في المؤسسة العسكرية لا ينسجم وحجمهم على الأرض. وإن السنة لا يستطيعون طرد الأكراد من وزارة الدفاع لأنهم لا يشغلون سوى مديريتين في الوزارة وثلاث فرق عسكرية من 11 فرقة يتكون منها الجيش العراقي".
لقد حذر نائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي وكذلك السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان من استخدام الجيش لحل الخلافات السياسية، وهو تحذير صحيح، شرط أن يكون الخلاف سياسياً حقاً وليس تجاوزاً أو تمرداً على القوانين تعجز الأجهزة الأمنية المحلية من معالجتهما. إن الدعوة إلى عدم استخدام الجيش في هذا المجال لا تنطوي على الخوف من قيام الجيش بانقلاب عسكري، كما صرح بذلك عبد المهدي، بل كمبدأ لا يجوز الانحراف عنه، لأن الانحراف عنه ينسف النظام الديمقراطي الذي يوفر أسس وآليات كفيلة في حل مختلف الخلافات السياسية بعيداً عن الأساليب العنفية.
مع ذلك ، إذا افترضنا أن أحد المغامرين يعاني من الغرور والجهل السياسي مقداراً يكفي للقيام بمحاولة انقلاب عسكري في عراق اليوم، فإنه سوف لن يتمكن بمغامرته من السيطرة إلا على موقعه أو على جزء يسير من جهاز الدولة. وستسحق محاولته إن لم يكن بالقوات العراقية فبالقوات متعددة الجنسية ويكفي لذلك طائرتين!
فإذا كانت كل مقومات الانقلاب العسكري غير متوفرة في عراق اليوم، فما الداعي لإثارة المخاوف من فزاعة الدكتاتورية والفردية؟ لا يمكن أن نفهم من إثارة مثل هذه المخاوف إلا كوسيلة للضغط على المالكي ليس إلا.
وفي سياق هذه الضغوطات على المالكي، يأتي اجتماع دوكان بين الرئيس جلال الطالباني مع الوفد الأمريكي برئاسة جون نيغروبونتي نائب وزيرة الخارجية الأمريكية يوم 4 تشرين الأول 2008. وتلاه اجتماع المبعوث الأمريكي بالسيد مسعود البارزاني في أربيل مساء نفس اليوم. لقد دعا رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني في المؤتمر الصحفي (حسب "أصوات العراق" والمنشور في موقع "صوت العراق" في 5 من الشهر الجاري) إلى الإسراع بإبرام الاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة، واصفا إياها بأنها "تخدم مصلحة البلدين". فيما اعتبر نائب وزيرة الخارجية الأمريكية نيغروبونتي، إن تطبيق بنود الدستور العراقي بما فيها المادة 140، يشكل ضمانة لحل المشاكل التي يعاني منها العراق.
وقد صرّح الدكتور محمود عثمان عضو مجلس النواب العراقي في أعقاب اجتماع دوكان، إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "خلق مشاكل كثيرة مع أميركا والأطراف السياسية العراقية، وإن اجتماعات دوكان جاءت لحل تلك المشاكل".
وأضاف عثمان في تصريحات خصّ بها وكالة إنباء "بيامنير" قائلاً أن المالكي:" أصيب بالغرور ويرتكب الأخطاء بشكل خلق الكثير من الأزمات من بينها الاتفاقية الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، والمشكلة التي خلقها في جنوب العراق مع المجلس الأعلى الإسلامي الذي يشاركه السلطة بخصوص مجالس العشائر والإسناد. وخلق المشاكل أيضاً مع إقليم كردستان في ما يخص المادة 140 من دستور العراق ومسألة البيشمركة".
وفي ما يتعلق باجتماعات الإطراف الرباعية، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني والمجلس الأعلى والحزب الإسلامي في منتجع دوكان، فقد أشار الدكتور محمود عثمان إلى "أن المجتمعين جميعهم لديهم مشاكل مع المالكي، ويريدون التوصل إلى اتفاق من أجل الجلوس مع المالكي وحل المشاكل، ولكن المالكي خلق حساسية كبيرة وأعلن من جانبه إن اجتماعات دوكان غير رسمية.
إن القضايا الداخلية التي يطرحها الدكتور محمود عثمان هي مشاكل حقيقية وقنوات حلها معروفة وهي الدستور ومجلس النواب، ولا يجوز وضعها في سلة واحدة مع الاتفاقية الأمريكية - العراقية التي تختلف من حيث خطورتها وأهميتها وعواقبها وطريق حلها عن تلك المشاكل. إنها تتطلب، أولا وقبل كل شيء وحدة الصف الوطني الذي يضع مصلحة العراق العليا فوق المصالح الفئوية والحزبية الضيقة. كما ينبغي تجاهل دغدغة الأمريكان لهذه المصالح من أجل تمرير مصالحهم. إن ذلك يتطلب وقوف جميع القوى الوطنية مع المالكي في صراعه مع الأمريكان وعدم تركه لوحده، وخاصة القوى المشاركة في العملية السياسية، وبالتحديد تلك القوى المساهمة في الحكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز