الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مناقشات حول الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين -2 - الدفاع عن الحل المرحلي في مواجهة الدولة الديمقراطية العلمانية
سلامة كيلة
2008 / 10 / 7ملف: الدولة الديمقراطية العلمانية في فلسطين
(حوار مع قيس عبد الكريم ومعتصم حمادة)
بدا أن المشكلة القائمة الآن في فلسطين هي مشكلة حلول، هل هي حل الدولتين، أو الدولة الديمقراطية العلمانية، أو الحل الإسلامي، أو الحل الاشتراكي. وما من شك في أن الشعور بنهاية الحل المرحلي، الذي تحدد في حل الدولتين، هو الذي فتح على كل هذا الميل لتقديم حلول بديلة، رغم أن هذه الحلول كانت مطروحة منذ زمن، وبعضها منذ زمن بعيد، وإذا كانت في الهامش فلأن حل الدولتين جذب قطاعات واسعة من الحركة السياسية الفلسطينية والعربية. والجديد هنا هو أن قطاعات متسعة من الجماهير الفلسطينية باتت تلمس فشل حل الدولتين عبر تلمسها للصيغة الملموسة التي تمارسها الدولة الصهيونية، والتخلي التدريجي لـ "المفاوض الفلسطيني" عن المقدمات التي بدأ خيار حل الدولتين على أساسها، والذي كان يعتبر حلاً مرحلياً ليس إلا، وبالتالي فهو مترابط مع التمسك بكل فلسطين، ومن ثم بحق العودة. لكن انتهت المرحلية إلى الاعتراف النهائي بالدولة الصهيونية، وبالمساومة على حق العودة، أو وضعه تحت بند "قرارات الشرعية الدولية"، خصوصاً القرار 194، الذي ينطلق من الإقرار النهائي بوجود الدولة الصهيونية لكنه يدعو إلى إعادة اللاجئين إليها، إكمالاً للقرار 181 الذي أقر بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية.
بهذا سقط الحل المرحلي وتبلور حل الدولتين، وبالتالي كانت "المرحلية" جسراً للوصول إلى الإقرار بوجود الدولة الصهيونية واستجداء "دولة فلسطينية مستقلة" تعترف بالدولة الصهيونية. هل كانت هذه النهاية غير متوقعة؟ هل كان يمكن أن تتحقق الدولة المستقلة دون الاعتراف الكامل بالدولة الصهيونية والتخلي عن حق العودة؟ وهل كان يمكن أن تتحقق الدولة المستقلة أصلاً في ظل الوضع القائم؟
الحل المرحلي:
ما من شك في أن عودة التفكير بالخيار وبالإستراتيجية في السياق الفلسطيني سوف يدفعان إلى ردود أفعال من قبل القوى التي أسست للإستراتيجية الفلسطينية المتبلورة منذ عقود، حيث أن هناك من باتت له مصالح فيما تحقق واقعياً، وأسس لشراكات اقتصادية، وبالتالي بات التفاوض غطاءً للمصالح ليس أكثر. وهناك من يعتقد بأنه "مكتشف البارود"، وبالتالي لا يريد أن يقتنع بأن اكتشافه كان وهمياً، وبالتالي فقد عمم وهماً طيلة العقود الماضية. هذا الأخير نجده لدى الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، التي لازالت تدافع عن "الحل المرحلي" الذي اعتبرت أنه من "اكتشافها"، أي من اكتشاف "العبقرية الفلسطينية"، رغم أنه كان جزءاً من سياسات قيادات في حركة فتح والتي عملت على تسريبه عبر طرف "يساري"، تبرعت الجبهة الديمقراطية لأن تكونه.
وهي اليوم إزاء الفشل الواضح لمسار بدأ مع الحل المرحلي، وإزاء اتساع موجة النقد له، والدعوة إلى خيار آخر، تعود للدفاع المستميت عنه وكأن الوضع لازال في سنة 1974، أو حتى سنة 1988. وإذا كان طرح آنئذ انطلاقاً من أنه سوف يفضي إلى تحقيق الدولة المستقلة نتيجة أن قبولنا بـ "الشرعية الدولية" سوف يسهّل ذلك، انطلاقاً من أن الوضع الدولي مؤاتٍ، وأنه كذلك حتى في الدولة الصهيونية حيث تتعزز "قوى السلام". فإن الدفاع اليوم ينطلق من "الإنجازات" التي تحققت: الاعتراف الدولي بالحاجة إلى دولة فلسطينية، وخصوصاً الاعتراف الأميركي، وحتى "الإسرائيلي".
لكن ماذا يفيدنا الاعتراف إذا كانت الأرض قد أصبحت بيد الدولة الصهيونية، والسكان سجناء الغيتوات الجديدة، والإدارات الأميركية تؤكد على الرؤية الصهيونية عبر "وعد بوش" الذي أقر الخطة الصهيونية في الاستيلاء على أرض الضفة الغربية، وبناء الجدار، ومن ثم أقر إنهاء قضية اللاجئين عبر التعويض عليهم، وشطب ببساطة قرارات "الشرعية الدولية"؟
من سيئات العقل عندنا أننا نعتقد بأن المشكلة تتحدد في موقفنا، إذا قبلنا الأقل فسنحققه، أما إذا رفضناه فلن نحصد شيئاً. الإرادوية المطلقة واضحة هنا، وهي التي حملتنا سبب عدم قيام الدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم، لأننا رفضناه وكان الصحيح أن نقبله لكي نحصل بالتأكيد على هذه الدولة. والآن نرى أن هذا الحل هو الممكن، لهذا يجب أن نقبله لكي نحصل عليه. لكن من قال أنه ممكن؟ النظر الذاتي، نحن. وهو ممكن لأننا نقبله كممكن. لكن هل هو ممكن؟ هنا يجب أن نخرج من الذات وأن نبدأ من النظر الموضوعي، من رؤية الآخر وحدود تصوراته وإستراتيجيته. وهذا ما لا نشير إليه إلا حينما نسعى إلى الرفض. أي حينما نريد القول بأن خيار الدولة الديمقراطية العلمانية مستحيل.
هنا فقط يشار إلى "طبيعة المشروع الصهيوني وهيمنته على الوعي السياسي داخل دولة إسرائيل"، والى أن "وجود دولة إسرائيل ضرورة استعمارية" وفق ما يشير معتصم حمادة (الدولة الواحدة ومخاطر الهروب إلى الأمام، موقع المجموعة 194).
بمعنى أن فهم طبيعة المشروع الصهيوني هي أساس تحديد الممكن وغير الممكن، وبالتالي تحديد الآليات الضرورية لتحويل غير الممكن إلى ممكن، وليس قبولنا أو عدمه. فإذا كان حل الدولتين ممكن لأن "الشرعية الدولية" تكفله، وأن خيار الدولة الديمقراطية العلمانية غير ممكن لأنه مرفوض "إسرائيلياً"، فهل أن هذه الشرعية هي أقوى من إرادة الدولة الصهيونية لكي تفرضه؟ وهل من مصلحة الإمبريالية اليوم أن تنهي دور الدولة الصهيونية الإمبريالي؟ وبالتالي أن تفرض تعايشها مع محيطها بـ "سلام"؟ هذا ما يجب الإجابة عليه، لأنه أساس تحديد الممكن وغير الممكن في ظل الوضع القائم.
إن كل النقاش الذي يجري يبتعد عن مسألتين أساسيتين، هما: طبيعة الدولة الصهيونية ومشروعها وسياساتها، والوضع الدولي وموقع الدولة الصهيونية فيه، وهو ما أشار إليه معتصم وهو يرفض الدولة الواحدة فقط دون أن يستنتج منه ما هو أبعد من ذلك. لهذا تكون الحلول المطروحة شكلية ومؤسسة على منطق سطحي. وسنلمس ذلك تالياً ونحن نناقش أبو ليلى ومعتصم حمادة. حيث يجري هنا تجاهل هذين الأساسين، والتأسيس على القبول الشكلي بـ "دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل" التي يجب أن تكون يهودية. وبالتالي يجري القفز عن الوقائع، أو الاستنتاج الخاطئ منها، كما يجري التمسك بتصريح قاله بوش دون رؤية كل السياسات الإمبريالية الأميركية، وكل الدعم الإمبريالي الأوروبي للدولة الصهيونية. وهو ما يجعل طرح الرفاق مؤسساً على نوايا "الشرعية الدولية" وليس على قوانا.
أبو ليلى: تخلي عن الانجازات:
يعتبر أبو ليلى "حل الدولة الواحدة" هروب إلى الأمام (وهذا التحديد بات عنوان مقال لمعتصم كما سنلحظ)، "ومحاولة قفز عن الصعوبات الموضوعية التي يصطدم بها النضال الوطني التحرري الفلسطيني" (مناقشات لـ "رؤية فلسطينية جديدة": دولتان ثم دولة واحدة، جريدة النهار ). رغم أنه يشير إلى أنه مطروح منذ الستينات حين تبنته الثورة الفلسطينية المعاصرة (وهو أقدم من ذلك أيضاً حيث كان مطروحاً من قبل الحزب الشيوعي الفلسطيني، وهو الحل الطبيعي في وضع يستلزم التحرر وحل مشكلة "الأقليات"). وبالتالي كيف هو "هروب إلى الأمام"؟ يوضح أبو ليلى ذلك بالقول أنه بعد سنوات من الممارسة على أساس هدف الدولة الديمقراطية جرى اكتشاف "أن هذا الهدف، الذي ينطوي في الواقع على إزالة إسرائيل، لا يحظى بأية شرعية دولية ولا يمكن تحقيقه في ظل موازين القوى الدولية التي كانت قائمة آنذاك" التي كانت أفضل من الآن. ويكمل "إدراك هذه الحقيقة هو الذي قاد إلى تبني –البرنامج المرحلي-" الذي عنى "تركيز الطاقات النضالية الفلسطينية والعربية على هدفين كلاهما يحظى بشرعية دولية شاملة"، وهما: إزالة الاحتلال لأراضي سنة 1967، وحق العودة على أساس القرار 194.
هذا الاكتشاف (أو الإدراك كما يقول) يجب أن يخضع للتدقيق بعد كل هذا الزمن. حيث لا يرى أبو ليلى سوى إنجازات، تتعلق بالاعتراف الدولي بـ "الدولة الفلسطينية". لكن السيطرة على الأرض والتوسع الاستيطاني لم يتوقفا. والسكان يعزلون في أربعة كانتونات. والولايات المتحدة تقرّ كل ذلك رسمياً. هذا الوضع هو الذي طرح سؤال: أين ستقام الدولة؟ وإذا كانت هذه الوقائع هي التي فرضت تحوّل قطاع من مؤيدي الدولة المستقلة إلى خيار الدولة الديمقراطية، فإن المسألة الأساس هنا هي أن ما يجري يوضح طبيعة السياسة الصهيونية، التي لا تلحظ إمكانية قيام دولة مستقلة للفلسطينيين على الإطلاق. هذا ما لا يراه الرفيق، وما يقفز عنه بالتحدث عن إنجازات، هي تصريحات وهمية لقادة الولايات المتحدة والدولة الصهيونية. لأن الوقائع أهم بكثير من التصريحات. وحيث لا يبدو واضحاً أن القوى التي تستطيع أن تفرض حلاً معنية بذلك، بالضبط لأن الدولة الصهيونية جزء من مشروع هيمنتها على الوطن العربي.
إذن، أين الإنجازات والأمور تسير نحو التدهور فلسطينياً؟
في المنطق المطروح سنلمس تناقض أولي، يتمثل في أن القول بالحل المرحلي ارتبط ابتداءً بالتأكيد على عدم الاعتراف بالدولة الصهيونية، وإلا لن يكون مرحلياً. لكن الصيغة التي تبلورت تحت عنوان حل الدولتين، والمعبّر عنها في وثيقة الاستقلال، أوصلت إلى الإقرار المسبق بالدولة الصهيونية. وما كتبه الرفيق أبو ليلى يوضح ذلك، حيث أن الانسحاب من الأرض المحتلة سنة 1967 على ضوء القرار 242 مرتبط بالتفاوض، وبالتالي بالاعتراف المتبادل، حيث لا تفاوض قبل الاعتراف المتبادل. وهذا ما تضمنته "وثيقة الاستقلال" انطلاقاً من تبنيها لقرارات "الشرعية الدولية": 181 الذي يقر بوجود دولتين، و242 الذي يؤكد على ذلك، لكن ضمن حدود جديدة، والقرار 194 المتعلق باللاجئين والذي يقر عودتهم إلى "دولة إسرائيل". وبالتالي كيف يمكن أن يكون حلاً مرحلياً؟ حتى مسألة اللاجئين يشير أبو ليلى إلى أنه قد لا يتضمن حل الدولتين "حلاً عادلاً" لها، "بل أن حل الدولتين سوف ينطوي بالضرورة على –حل جزئي-" لها، عبر عودتهم إلى أراضي الدولة الفلسطينية كمواطنين فيها. وهنا يكون قد تحقق اعتراف بالدولة الصهيونية (وهذا ما جرى)، وجرى حل مشكلة اللاجئين في غير مكانها، وليس حتى وفق القرار 194.
ولهذا ماذا تفيد الإنجازات الدولية إذا كانت النتيجة هي "دولة مستقلة" في الضفة الغربية وغزة؟ هل هذا هو الحل للقضية الفلسطينية؟ والأسوأ أن الوقائع التي أشرنا إليها نشأت في ظل هذه "الإنجازات" العظيمة!! والتي باتت تمنع قيام هذه الدولة.
تقرير المصير والاستقلال والعودة:
هذا هو الشعار الذي تبلور خلال العقود الماضية، وهو الأساس الذي ينطلق منه الرفيق معتصم حمادة في الرد على خيار الدولة الواحدة. ما اعتراضه؟ مثل أبو ليلى هو "هروب إلى الأمام". لكن ما هو "المشروع الوطني الفلسطيني"؟ يعود هنا إلى ما قاله أبو ليلى، لكن بتفصيل أكبر. إنه يعتبر بأن اختصار المشروع الوطني الفلسطيني بالدولة هو "تشويه لمضمون المشروع وأهدافه، وانحراف عنه". حيث أن "النقطة الجوهرية" هي "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه". البرنامج المرحلي حدد ذلك مسبقاً، في ثلاث دوائر: في داخل إسرائيل "يطرح حقوق المواطنة كاملة"، وبالتالي انطلاقاً من الاعتراف الكامل بالدولة الصهيونية. في الضفة وغزة "الاستقلال التام" عن الدولة الصهيونية. "والعودة إلى الديار والممتلكات للاجئين المهجرين من ديارهم هذه منذ سنة 1948"، وكما أشرنا فإن القبول بالدولة في الضفة الغربية وقطاع غزة يفرض علينا قبول "حل جزئي" حسب ما أشار الرفيق أبو ليلى.
بمعنى أن الحل هو في دولتين، لكن مع حقوق مواطنة لفلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948، وحق عودة للاجئين إلى الضفة الغربية.
أين المرحلية هنا؟ أي بعد تثبيت كل هذه الوقائع؟
المرحلية تتمثل في أنه يمكن بعد تحقيق حل الدولتين أن يتحقق "حل الدولة الواحدة" كما يشير أبو ليلى. أي أن الدولة الواحدة هي مرحلة لاحقة لحل الدولتين إذا أريد له أن يكون واقعياً. كيف، ما دمنا قد اعترفنا بالدولة الصهيونية؟ ومن هو "الحامل" لهذا المشروع؟ وما هو "شكل النضال" الذي يحقق ذلك؟ طبعاً المشكلة الأساس هي أنه لن يكون هناك دولة مستقلة في الضفة وغزة.
حين طرح الحل المرحلي كخطوة في طريق تحقيق الدولة الديمقراطية في كل فلسطين، كان التبرير هو إقامة الدولة "على أي جزء يتم تحريره"، وبالتالي دون الاعتراف بالدولة الصهيونية، وفي إطار استمرار "الكفاح المسلح". طبعاً أعرف بأن كل هذا الكلام كان لتمرير الفكرة التي أوصلت إلى ما يقوله أبو ليلى، لكن أشير إليه لأوضح بأن ما يطرح الآن (ومنذ زمن) بات مختلفاً، حيث بات الاعتراف بالدولة الصهيونية ضرورة، وبات تقزيم النضال الفلسطيني أمراً واقعاً. وبالتالي باتت المسألة هي مسألة "نضال" في المحافل الدولية وعبر المفاوضات لتحصيل ما يمكن تحصيله.
لقد كان الهدف من طرح البرنامج المرحلي في الصيغة التي طرح فيها هو التعمية وتضليل قطاعات من الشعب الفلسطيني، لكن الهدف الأساس كان القول بأن ما يمكن للفلسطينيين تحقيقه هو ما تقرره الشرعية الدولية ليس أكثر، أي دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، مع "النضال" لتحصيل شيء ما للاجئين. هذا كان في أساس رؤية قيادة حركة فتح، وهو ما روجت له الجبهة الديمقراطية. وبالتالي لم يكن "إعلان الاستقلال" إلا نتيجة هذا السياق. ولم ينتج إلا الاعتراف بالدولة الصهيونية دون مقابل. وإن كان قد أوجد تأييداً دولياً فإنه لا يرقى إلى مستوى أن يفرض على الدولة الصهيونية والولايات المتحدة والرأسماليات الأوروبية أن تحقق هذا الاستقلال. بينما أصبح واضحاً لكل هذا الرأي العام أن إمكانية الدولة باتت في محل شك، نتيجة الوقائع والسياسات الصهيونية المدعومة من كل هؤلاء.
وما من شك في أن العودة إلى خيار الدولة الديمقراطية، الذي يبدو أنه نتاج فشل حل الدولتين، هو في الواقع نتيجة الفهم العميق لطبيعة الدولة الصهيونية، لهذا بدا أن "الحل المرحلي" هو انحراف مدمر عنه. وهذا ما قيل منذ البداية حين التصدي لهذا الحل. الأمر الذي يفرض أن نقول بأن سياسة فاشلة هي التي قادت النضال الفلسطيني طيلة العقود الماضية، ولهذا يجب أن تتنحى كل القيادات التي أوصلت إلى هذه النتيجة المزرية.
حق تقرير المصير
يسهب الرفيق معتصم في التوضيح حول ذلك، فيشير إلى أن "اختصار المشروع الوطني بالدولة يشكل عملية تشويه لمضمون المشروع وأهدافه، وانحراف عنه"، حيث أن النقطة الجوهرية هي "حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه". ولا شك في أن "بنفسه" هذه تثير الضحك، حيث أن الرفيق يحدد منذ الآن، وبشكل مسبق، وبمنظور ذاتي، معنى حق تقرير المصير هذا، ليكون كما أشرنا سابقاً، حقوق المواطنة لفلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948، والاستقلال التام في الضفة وغزة، والعودة وفق القرار 194 للاجئين (مع تذكر إشارة أبو ليلى بهذا الخصوص).
هنا يخلط الرفيق بين مبدأ حق تقرير المصير وقرارات "الشرعية الدولية"، حيث أن حق تقرير المصير يعني ليس العودة فقط لنصف الشعب الفلسطيني، بل وحقه في الاستقلال أساساً، وإقامة دولته الديمقراطية على أرضه. ليظهر بأن فلسطين هي فقط الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يتحقق مصير سكانها في الاستقلال. وهذا ما ورد في "إعلان الاستقلال" بالتحديد، حيث يقرر الاعتراف النهائي بالدولة الصهيونية. ولقد وافقت الجبهة الديمقراطية عليه بحماس شديد، وربما اعتبرت أنه من "اكتشافها"، ونتاج "العبقرية الفلسطينية" كما يشير معتصم إلى البرنامج المرحلي في مقاله المنشور على موقع 194.
إن حق تقرير المصير يعني بالتحديد إنهاء وجود الدولة الصهيونية، لأنه يخص الشعب الأصلي في الأرض، ولا يتعلق بحلول "مرحلية"، أو "تكتيكية"، أو يقوم على موازين القوى راهنة. وهنا يشمل كل الشعب الفلسطيني من حيث سعيه لتحقيق الاستقلال، وبالتالي حل مشكلة اللاجئين كنتاج لوجود الدولة الصهيونية. وبناء دولة المواطنة التي تشمل المستوطنين الذين قرروا التخلص من صهيونيتهم وبقوا في فلسطين.
نلمس بالتالي خلط المبدئي بالتكتيكي، وصولاً إلى تضييع المبدئي. لهذا يصبح حق تقرير المصير هو قرارات "الشرعية الدولية" ولا شيء آخر. وتصبح هناك "أمتان" تتشكلان في دولتين. لتكون لكل منهما حقه في تقرير مصيره. من هذا المنطلق لا يرى الرفيقان في خيار الدولة الديمقراطية إلا "دولة ثنائية القومية"، وتتحقق في "دولة إسرائيل" (وطرح المسألة على هذا الشكل سوف يكرر مهزلة البرنامج المرحلي)، رغم أن المسألة ليست كذلك على الإطلاق، حيث لا يمكن أن نعتبر بأن الفلسطينيين قومية، كما يكرر معتصم في مقاله "الدولة الواحدة ومخاطر الهروب إلى الأمام". وليس اليهود قومية أيضاً، فهم تجمع لبشر من قوميات متعددة لا يجمعهم غير الدين. وبالتالي لا يمكن أن نرى في الوضع سوى أن الدولة الصهيونية هي كيان استيطاني قام على أساس الدين. وهو احتلال استيطاني في الأرض المحتلة سنة 1948، والأرض المحتلة سنة 1967، وهو الذي فرض تشريد جزء كبير من الشعب الفلسطيني. لهذا فإن تقرير المصير يتحدد في إنهاء الدولة الصهيونية ككيان استيطاني، وتحقيق الاستقلال في دولة ديمقراطية علمانية، تتضمن حلاً ديمقراطياً لمشكلة المستوطنين.
أما "المرحلية" فهي كما طرحت في البدء، لكن كتبرير لتبني خيار مختلف، ينطلق من الإقرار النهائي بوجود "الدولة اليهودية" كونها باتت قومية، ولكن يحقق للشعب الفلسطيني ما قالت به قرارات "الشرعية الدولية" فقط. وفي هذا اتساق مع ما حدده معتصم، حول تحصيل حقوق المواطنة في إسرائيل، وحق العودة المكيف بما يجعله يعني العودة إلى الدولة التي باتت هي فلسطين (أي الضفة وغزة). المرحلية التي تعني أن تحرير أي أرض يفرض إقامة سلطة عليها، لكن ليس عبر المفاوضات والاعتراف بالعدو، والإقرار النهائي بوجوده. ولم يكن الوضع سنة 1974 يسمح بهذه المرحلية لأن ميزان القوى كان لازال مختلاً إلى أبعد الحدود، ولم نحرر أرضاً لكي نقيم عليها دولة. وهو الأمر الذي كان يشير إلى أن الكلمات "الثورية" التي بُرِّر فيها الحل لم تكن سوى غطاء لما جرى فيما بعد وتبلور في "إعلان الاستقلال".
مع "الحل المرحلي" تغيرت طبيعة النضال كلها، حيث تراجع الاهتمام بـ "الكفاح المسلح"، وأصبحت "الشرعية الدولية" هي قاعدة الحل و"النضال". وهو الأمر الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه ... من "إنجازات" !!! حيث "كسبنا العالم وخسرنا الأرض".
إذن، المرحلية كانت "تكويعة". انتقال من فهم لطبيعة الصراع إلى فهم آخر. تحويل من مطلب إلى مطلب أصغر. تغيير في الروح، من ثورية إلى استجداء.
تفسيرات ساذجة
وهو يشير إلى التاريخ يصل معتصم إلى أن الدعوات إلى الدولة الديمقراطية "باءت بالفشل، واصطدمت بالواقع المرير، وبقيت مجرد دعوات لا تمتلك مقومات الحياة، ولا تستند إلى روافع وحوامل اجتماعية سياسية تتبناها كمشروع قابل للتنفيذ" (مقال الدولة الواحدة). كيف حدد كل ذلك؟ لأن "الأصوات اليهودية" وجدت نفسها محاصرة، ولأن "الحركة القومية الفلسطينية" هزمت نتيجة شراسة الاستعمار البريطاني.
لكن هل أن فشلها يعني خطأها؟ يعرف الرفاق بأن هناك مسافة بين الفشل والخطأ. فالخيار الصحيح يمكن أن يفشل نتيجة اختلال موازين القوى، لكنه يبقى خياراً صحيحاً. وبالتالي يكون المطلوب هو تغيير موازين القوى وليس تغيير الهدف. أو كما قال غسان كنفاني "إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية.. فالأجدر بنا أن نغير المدافعين..لا أن نغير القضية ". لقد فشلت الحركة الوطنية الفلسطينية لأنها كانت متخلفة، ولأن الشيوعيين لم يلعبوا الدور الثوري الذي كان منوط بهم.
هذه المسألة توضح مدى السذاجة في التفكير، حيث أن الفشل يقود إلى تغيير الهدف، تقزيمه على مقاس قدراتنا الراهنة، التي نحن مقتنعون أننا لا تستطيع أن نطورها. ولأننا نفكر كذلك لا نحصل على شيء، لأن العدو يعرف قدراتنا، وبالتالي يفرض رؤيته. وهو الأمر الذي أفضى إلى أن تصبح الدولة المستقلة كسراب. إذن، المشكلة في قدراتنا وليس في أي مكان آخر.
ياسر عرفات كان يفكر في الحصول على "دولة مستقلة" منطلقاً من التسليم بالوضع الدولي الذي هو في مصلحة "الأميركان" دولياً، والسعودية والنظم الرجعية عربياً، ولهذا أمامه "قرارات الشرعية الدولية" لكي يناور بها. رغم ذلك لم يتحقق شيء، هل نقزّم هدفنا أكثر لكي نحصل على أي شيء؟ الحاج أمين الحسيني كان سيقبل أن يقيم دولة فلسطينية حسب قرار التقسيم، وحتى حسب ما تبلور على الأرض (أي في الضفة الغربية وقطاع غزة)، لكنه كان يعرف بأن "الخريطة موزعة"، ولا شيء له.
إن الأقوى هو الذي يقرر، هذه بديهية، وفي إطار النظام العالمي القائم ليس من حل للفلسطينيين (ربما سوى في الأردن). هل نقبل ذلك؟
المشكلة تكمن في استسهال النضال. ميل البرجوازية الصغيرة إلى تحقيق مكاسب سريعة، "نفسها قصير". والرفاق الذين "هلكونا" في الحديث عن البرجوازية الصغيرة وسقوط البرجوازية الصغيرة يمارسون وفق منطقها. فالمشكلة ليست في الهدف، المشكلة في القدرات، في الطبقة التي قادت النضال وفي دور الشيوعيين الهامشي. وهذا ما يجب أن يتغير.
إذن، ينطلق الرفاق من أن هذا خيار فاشل، ولهذا فإن قيام دولة فلسطينية مستقلة في حدود 67 هو الطريق للوصول إليه. ما الذي سيغير من فشله؟
هذا يفتح الأفق على المسألة المركزية: تحديد طبيعة الصراع. وكيف سيحل؟ في إطار المظلة الدولية أو عبر تطوير قوانا لتغيير ميزان القوى؟ والرفاق اختاروا الخيار الأول. لكنه فاشل كما يتوضح على الأرض. هنا يسارع معتصم لتوجيه الاتهام، حيث حسب ما يقول "يستند أصحاب هذه الدعوة إلى نظرة يائسة لإمكان قيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، وعاصمتها القدس. ونظرة يائسة لإمكانية عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم". ما الذي يحدد أنها نظرة يائسة؟ وبأي معنى؟
طبعاً هي "نظرة يائسة"، لكن بمعنى أن ميزان القوى لا يسمح بتحقيقها أولاً، ولهذا فإن أحداً لم يستطع أن يوقف صيرورة الزحف الاستيطاني الذي التهم الأرض ثانياً، والذي يدل على أن الدولة الصهيونية ليس في واردها أن تتنازل، وأن الوضع الدولي مؤاتٍ لها ثالثاً. ثم هل تقبل الدولة الصهيونية بعودة عدد يوازي عدد اليهود؟ وهل تقبل هي والإمبريالية الأميركية بالتخلي عن دورها ضد الوطن العربي؟ أليس تحقيق هذه الأهداف إذن يحتاج إلى تغيير ميزان القوى، وليس الضغط الدولي وقرارات الشرعية الدولية، والإنجازات العظيمة التي لم توصل إلا إلى عواطف نبيلة من شعوب العالم؟
المشكلة هنا في مصالح فئات برجوازية صغيرة فلسطينية تسعى لأن يكون لها دولة، بأي حجم، ونزق فئات أخرى من البرجوازية الصغيرة.
الأخطر هنا من الاتهام باليأس هو الاتهام بـ "التسليم بالأمر الواقع الذي فرضته" الدولة الصهيونية في الضفة وغزة. ليتحفنا الرفيق أبو ليلى بأن الدولة الصهيونية يمكن أن تخلي مستوطنات، ليسرد وقائع هي في الواقع هامشية ما دمنا ننظر من زاوية أن الدولة الصهيونية سوف تتنازل. دون أن يلحظ بأن المستوطنات التي أخليت في شمال الضفة جاءت في سياق ترتيب السيطرة، وبالتالي بناء جدار العزل. ليصل إلى طرح أسئلة (مع الأسف ساذجة) من مثل "هل تعني (مخاطبة العالم بالدولة الواحدة) التخلي عن المطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للراضي التي احتلت بعدوان حزيران 67؟"
ما يوصل إلى هذا التساؤل هو نقد صيغة محددة للدولة الواحدة، هي تلك التي تقوم على أساس الاعتراف بالدولة الصهيونية و"الكفاح من أجل الحقوق المدنية وعودة اللاجئين" حسب ما يطرح سري نسيبة. هنا جملة مشكلات في الفهم، حيث يبدو أن العقل لم يعد يتخيل أنه من الممكن إنهاء الدولة الصهيونية، وبالتالي ينطلق من اقتناع عميق بالأمر الواقع، أي من الوجود الأبدي للدولة الصهيونية، لهذا يسعى إلى الحصول على شيء ما تأسيساً على هذا الوجود، ولقد تمسك بقرارات "الشرعية الدولية" لعلها تكون المعين على زحزحة الدولة الصهيونية، خصوصاً وأن هذه الشرعية هي التي أوجدتها. وبالتالي نحن إزاء عقل مسلّم مسبقاً، لهذا اعترف بالدولة الصهيونية حتى قبل أن تبدأ المفاوضات، وتنازل عن قضية اللاجئين حتى قبل أن يحصل على دولة. ووفق ذلك لا شيء يمكن أن يتحقق.
إن طرح الدولة الواحدة، ولأنه ليس بديلاً لفشل حل الدولتين، ينطلق من، ليس إنهاء الاحتلال للضفة وغزة فقط، بل إنهاء كل الاحتلال الاستيطاني، أي إنهاء الدولة الصهيونية، لأن الدولة الواحدة الديمقراطية والعلمانية لا تقوم إلا على أنقاضها. وهو ما لا يبدو أن الرفيق أبو ليلى هاضماً له، حيث يكتشف بأن هدف الدولة الواحدة كما كان مطروحاً "ينطوي في الواقع على إزالة إسرائيل". لهذا جرى "الهروب" إلى "الشرعية الدولية" التي تقر بوجود الدولة الصهيونية، لكنها تطالب بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة وفق القرار 242، الذي لا يلحظ إمكانية قيام دولة فلسطينية، بل يطالب بعودة الأرض إلى "أصحابها" (وهنا الأردن ومصر). إن التحديد الدقيق لطبيعة الدولة الصهيونية ودورها في المشروع الإمبريالي يوصلان بالتأكيد إلى أن ليس من حلول وسط، فلا الدولة الصهيونية معنية بوقف عدوانيتها عبر تحقيق "السلام"، ولا الدول الإمبريالية معنية أن لا يعود للدولة الصهيونية دور في السيطرة على الوطن العربي. ولهذا يجب أن تبقى هذه الدولة قوية إلى أقصى حد ممكن، ومن مكامن القوة هو السيطرة على الأرض وتوسيع الاستيطان، وجلب المستوطنين.
هذا الأمر يفرض التفكير ليس في "الحلول"، بل في تغيير موازين القوى. وهنا مأزق "الفلسطنة"، حيث أن القوى الفلسطينية وحدها عاجزة عن المواجهة، بالضبط لأن الدولة الصهيونية هي جزء من المشروع الإمبريالي للسيطرة، وبالتالي فهي تبنى لكي تواجه الوطن العربي بمجمله. ولن يكون ممكناً تغيير ميزان القوى حين نحصر النضال في الفلسطينيين. لهذا حين تمسكت حركة فتح بالفلسطنة كان ذلك منحكماً لرؤيتها لحدود الصراع التي تعمل فيها، والتي أشرت إليها للتو، أي تحصيل ما هو ممكن في إطار الوضع الدولي القائم. وهو الأمر الذي جعلها تعتمد على العرب/ النظم وليس الشعب، وتصمم على التمييز عبر الفلسطنة ظناً في أن ذلك يمكن أن يعطيها الضفة الغربية وقطاع غزة.
لهذا، هنا نلمس ضرورة تجاوز القطرية الضيقة التي هي أكثر خطراً على الفلسطينيين من أي بلد عربي آخر. دون أن ننسى الدور الذي لعبته الجبهة الديمقراطية، وهي تتمركس، في التشديد على القطري، ونبذ كل ما هو قومي، ظناً منها أن هذه هي الماركسية. وما من شك أن هذه المسألة تحتاج إلى نقاش أوفى لأنها جوهرية في رؤية طبيعة المشروع الصهيوني كجزء عضوي في المشروع الإمبريالي، وبالتالي لن يكون هناك تغير في موازين القوى دون الانطلاق من هذه المسألة. وإلا ظل ميزان القوى مختل، وظلت "الشرعية الدولية" هي الملجأ الذي يأوي "المناضلين" من أجل "الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس".
إذن، دون تغيير ميزان القوى سيبقى الأمر الواقع القائم، وسيزداد. وليس من الممكن تغييره إلا بإنهاء الدولة الصهيونية في إطار الصراع مع المشروع الإمبريالي. وهو وحده الذي يفتح على عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم، ويحقق الاستقلال وتقرير المصير.
طبعاً، لم يوجد بعد "حامل يهودي" لهذا المشروع، لكن الدولة الديمقراطية مطروحة سواء وافق اليهود أم لم يوافقوا. حيث أننا نحن الذين تعرضنا للطرد والاحتلال وكل صنوف الاضطهاد والقتل، نقدم لهم الحل الديمقراطي، ونأمل أن يتفاعل جزء كبير منهم. لكن في كل الأحوال الصراع قائم ما دامت هناك قوة محتلة استيطانية إمبريالية، وهو الأمر الذي يفرض المواجهة من أجل "تقرير المصير" الذي هو الاستقلال في كل فلسطين.
مخاطر الدولة الواحدة
هكذا يحدد الرفيق معتصم المسألة. ويكرر المخاطر، التي هي "الانقلاب على برنامج الوحدة الوطنية"، ولا رافعة له، و "استرخاء في الحالة الفلسطينية، إذ لا يعود الاستيطان والتهويد ... أمراً خطيراً"، وأخيراً إسرائيل لا ترضى بعودة اللاجئين. ويبدو أن يحب التهويل (بدل التهويد) فقفز من البند 3 فوراً إلى البند5 (مقال الدولة الواحدة).
طبعاً الرفيق أبو ليلى أشار إلى مسألة الوحدة الوطنية وكون البرنامج هو برنامجها. لكن ما قيمة ذلك إذا كان البرنامج خاطئ؟ هل يلغي الإجماع الخطأ؟ لقد قاد ياسر عرفات كل المقاومة الفلسطينية إلى هذا البرنامج، أي إلى الهاوية، وعبره وصلنا إلى الوضع الذي نحن فيه: نكبة جديدة. فبعد ضياع المقاومة، ها أن الضفة تضيع، وغزة تتحول إلى إمارة تحت الاحتلال. والقادم أخطر. المأساة كمنت في أن معظم التنظيمات تبنت هذا البرنامج، وعادت إلى حضن حزب الشعب الفلسطيني. وهو الأمر الذي جعل حماس، التنظيم الأصولي الذي كان ضد المقاومة، وكان مهمشاً من الشعب الفلسطيني، تصبح القوة الأكبر، وأن يتهمش اليسار إلى الحد الذي بالكاد يُرى بالعين المجردة.
ومن أسباب ذلك الجوهرية "البرنامج الوطني" هذا. لكن هل أن لبرنامج الدولة الواحدة روافع في المجتمع الفلسطيني؟ ربما لا الآن، لكن يجب أن ننتبه إلى أن الذي دفع الشعب إلى انتخاب حماس هو تصوره عنها أنها قوة مقاومة وأنها لازالت تطالب بكل فلسطين (بغض النظر لرؤيتنا نحن لحماس). بمعنى أن الشعب وصل إلى رؤية تنطلق من أن "لا دولة ولا يحزنون"، وأن الصراع مع الدولة الصهيونية هو صراع من ينتصر، وليس كيف نقتسم الكعكة. واللاجئون لمسوا التخلي عن حقهم بالعودة، حتى بما يطرح اليسار، كما أشرت لما يقوله أبو ليلى. وفلسطينيي الأرض المحتلة سنة 1948 يرفضون كل المنطق المطروح لأنهم يلمسون أن الدولة الصهيونية لا تقبل بهم فكيف ستقبل بدولة فلسطينية إلى جانبها؟ ونحن نقنعهم أنهم مواطنون إسرائيليون، وأن نضالهم هو نضال ديمقراطي في دولة شرعية. إن اتفاقات أوسلو أوضحت ليس فقط حدود الرؤية الصهيونية، ورفضها التنازل عن "أرض إسرائيل"، بل كشفت كذلك كل التنظيمات الفلسطينية التي انساقت خلف البرنامج المرحلي، أو برنامج الدولتان. وكشفت وهمية الشعار ذاته.
أما باقي المسائل فقد رددت عليها في سياق النص، ولا حاجة للتكرار. والمشكلة تكمن في أن معتصم يشير إلى المخاطر المحتملة ونحن نلمس الأخطار التي أوجدتها السياسة التي قامت على أساس "البرنامج المحلي"، الذي بات برنامجاً إستراتيجياً في إطار حل الدولتين. ولن أتطرق إلى الأهداف التي يطرحها لأنها تكرر سياسة فاشلة.
________________________________________________________________
مقال معتصم حمادة المنشور في جريدة النهار بعنوان "المشروع الاستقلالي مختلف عن حل الدولتين" على الرابط التالي:
http://ajras.org/?page=show_details&Id=214&table=table_149
مقال قيس عبد الكريم المنشور في جريدة النهار بعنوان "مناقشات لـ "رؤية فلسطينية جديدة" – دولتان ثم دولة واحدة"، على الرابط التالي:
http://ajras.org/?page=show_details&Id=163&CatId=&table=table_149
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق
.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م
.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا
.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان
.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر