الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوافق المنقوص

قحطان المعموري

2008 / 10 / 8
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


أفرزت العمليه السياسيه في العراق بعد سقوط النظام السابق جملة من المفاهيم والممارسات السياسيه الخاطئه والتي هي نتيجه حتميه لعدم ظهور البديل الديمقراطي الذي يجب ان يرافق عملية السقوط والذي ادى فيما أدى الى حدوث فراغ سياسي وامني كبير عانى ويعاني شعبنا من ويلاته الكثير . ولعل السلوك الخاطئ الذي أنتهجته بعض الأطراف السياسيه العراقيه بعد السقوط المدوي والذي تجلى بالادعاء والسعي المحموم لتمثيل هذا المكون القومي والطائفي أوذاك وتغليب المصالح الحزبيه الضيقه على المصالح الوطنيه والشعبيه , قد أدى الى فشل القوى الوطنيه العراقيه الواضح في بلورة مشروع وطني ديمقراطي يعتمد المواطنه العراقيه بالدرجه الأساس وليس القوميه أو الدين أو المذهب .
إن من أبرز المفاهيم والممارسات الخاطئه التي أفرزتها العمليه السياسيه هي المحاصصه السياسيه والتي لايختلف إثنان على ان من أوجدها وكرسها هم الأمريكان من خلال تركيبة مجلس الحكم الذي تم تسويقه وفق أهداف سياسيه ومخابراتيه بعيدة المدى ليكون بديلاً مشوهاً عن عقد الموتمر الوطني الموسع الذي دعت اليه اوساط وطنيه وديمقراطيه والذي يضم كل القوى والأطياف العراقيه المؤمنه بالتغيير وتشكيل الحكومه المؤقته التي تأخذ على عاتقها ادارة شؤون البلاد في المرحله الأنتقاليه واستحقاقاتها السياسيه والدستوريه. وبما أن أغلب القوى السياسيه العراقيه إن لم يكن جميعها تتفق على أن صيغة مجلس الحكم المبنيه على المحاصصه هو صناعه أمريكيه وانه وليد الظروف السياسيه التي رافقت عملية السقوط واختلال موازين القوى لصالح المحتل والى غير ذلك من التبريرات التي ساقتها اغلب القوى السياسيه , فأن الجميع كان يأمل أن يتوقف السياسيون العراقيون عن نهج المحاصصه هذا وان يتخلوا عنها وبوعي كامل في أول عمليتين أنتخابيتين واسعتين جرتا عامي 2003 و 2005 وان يتم تقنين الصراعات والأختلافات السياسيه بأطر وآليات ديمقراطيه متحضره, إلا إنهم وللأسف الشديد زادوا الطين بلة من خلال تسييس الخطاب الديني والعرقي والطائفي وإيهام الناخبين بشعارات تمجد الطائفه والقوميه على حساب المواطنه العراقيه مما أدى الى أزدياد الشحن الطائفي والقومي وبروز ثلاثة تكتلات سياسيه كبيره تدعي أحتكارها تمثيل هذا المكون أو ذاك والتي أستطاعت بأسلوبها السياسي الماكر هذا من الأستحواذ على أغلبية مقاعد البرلمان .
وبعد ان أصبحت سياسة المحاصصه هذه حقيقه واقعه من خلال الفرز الواضح للكتل البرلمانيه مضافاً اليه الوضع المنفلت والأختلال الكبير في بنية الدوله ومؤسساتها المختلفه وظهور إصطفافات سياسيه جديده على السطح السياسي العراقي , فقد تم أعتماد مبدأ التوافق بين المكونات السياسيه العراقيه كصيغه يعتبرها البعض ( ديمقراطيه ) لأدارة شؤون البلاد و أزماته بشكل جماعي وعدم أستئثار هذا المكون أو ذاك بأدارة الدوله . إن المبدأ الإساسي لمفهوم التوافق هو تكييف إرادة (الأكثريه) لصالح المجتمع ككل ولجم نزوعها للسيطره والهيمنه السياسيه ولتجنب تحولها الى ( ديكتاتورية ) الأكثريه . وفي نفس الوقت تعزيز موقع ( الإقليه) وجعلها قوه فعاله ورافعه أساسيه في عملية بناء المجتمع وإبعاد كل مشاعر الضعف والتهميش التي قد تنتابها . ووفق هذا المبدأ فقد تم حل الكثير من الأزمات التي واجهت العمليه السياسيه وتمرير العديد من القوانين والتشريعات وفق إتفاقات أو تنازلات متبادله بين هذا الطرف أو ذاك ممن يشكلون أركان مبدأ التوافق هذا والذي يعتبره البعض ملائماً للوضع السياسي العراقي الراهن وصمام امان للعمليه السياسيه القائمه في العراق.
إن السؤال المشروع المطروح في هذا السياق هو هل إن مبدأ التوافق بين مكونات الشعب العراقي يعني فقط التوافق والتحالف بين الكتل السياسيه الثلاثه الكبيره المسيطره على مجلس النواب والتي تدعي تمثيلها لثلاثة مكونات عراقيه رئيسيه ؟ وهل يمكن إختزال مكونات الشعب العراقي كافه بثلاثة مكونات هي الشيعه والسنه والأكراد ؟
يبو إن الأجابه على ذلك بنظر أغلبية مجلس النواب هي بالإيجاب , حيث شهدت (واقعة ) مجلس النواب الأخيره بأقرار قانون إنتخابات مجالس المحافظات إسلوباً وممارسة سياسيه لاتمت بأي صله لمبدأ التوافق الحقيقي المبني على التفاهمات بين كل المكونات الأساسيه المشاركه في العمليه السياسيه صغيرها وكبيرها وعدم التجاوز على اي مكونٍ سياسياً كان أم دينياً أم قومياً . إن أي (توافق) على أي تشريع أو قرار يصادر حقوق الأقليات الدينيه والعرقيه هو توافقاً منقوصاً وغير متكامل وهو تجسيد حقيقي لنزعات ومشاعر الهيمنه والأستعلاء التي أخذت تطبع الممارسات السياسيه لممثلي الكتل السياسيه الكبيره .
لقد كان الغرض من جلسة مجلس النواب في 24/9/2008 هو دراسة إعتراض مجلس الرئاسه على الماده (24) الخاصه بأنتخابات محافظة كركوك إلا أن نواب المجلس وللأسف الشديد قد ذهبوا بعيداً حيث تناولوا أيضاً الماده (50) الخاصه بمنح الأقليات القوميه والدينيه مقاعد محدده في مجالس المحافظات وهي ماده لم تكن أصلاً موضع أعتراض مجلس الرئاسه ولا أية جهه اخرى ولم تكن ضمن جدول أعمال المجلس حيث تم إلغائها ( وبدم بارد ) .
ولعل الغريب في الأمر هو تواجد المبعوث الأممي ( دي مستورا ) والتزامه الصمت على ماجرى وهو الذي يمثل المنظمه الدوليه التي تمارس دوراً رقابياً وكونها صمام الأمان للقرارات والتشريعات التي تصدر من السلطه التشريعيه في البلاد , وكان صمته هذا بمثابة ضوء اخضر على توافق ( ديكتاتورية ) الأكثريه والتي تذرعت بعدم توفر الأحصائيات الدقيقه لهذه الأقليات وهو تبرير ينسحب أيضاً على كل مكونات الشعب العراقي والتي لا تستطيع أية جهه كانت عراقيه أم دوليه , حكوميه أم مستقله ( حالياً على ألأقل) من تقديم احصائيات دقيقه بأعدادهم . إذن , فالسبب الحقيقي لألغاء حصة الأقليات ليس غياب الأحصائيات والبيانات أو أتهامها بوجود خلافات فيما بينها على عدد المقاعد كما يدعي ( حيدر العبادي, ممثل كتلة الأئتلاف ) , بل إن السببب الحقيقي هو شعورالكتل الكبيره بالأستعلاء القومي والطائفي والوصايه والهيمنه السياسيه وعدم إيمانهم الحقيقي بالتعدديه السياسيه والقوميه والدينيه التي يتصف بها الموزائيك الأجتماعي العراقي .
كما أن الحديث عن الأكثريه والأقليه في بلد يراد له أن يكون ديمقراطياً دستورياً إتحادياً هو حديث لايمت بصله الى مبادئ الدستور العراقي الذي أقر بأستفتاء شعبي واسع حيث تبدأ ديباجته الرئيسيه بعبارة ( نحن أبناء وادي الرافدين ) دون الأشاره الى الدين او القوميه أو الطائفه إضافة الى الماده (14) في باب الحقوق والتي تشير الى ان العراقيون متساوون بغض النظر عن الجنس أو العرق أو القوميه أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب ...الخ .
لقد بدا واضحاً ومن خلال تصريحات قادة الكتل وممثليها إضافة الى تصريحات الجانب الأمريكي والسيد دي مستورا ودول أخرى على أن الجميع كان يريدالأستعجال بأصدار قرار متفق عليه لحل الأشكال الذي نجم عن إقرار الماده (24) الخاصه بأنتخابات كركوك والتي تم إقرارها بتصويت سري اثار حفيظة الجانب الكردي وكان من شأنه إحداث تصدع في العمليه السياسيه. ولعل من المؤسف أن ينبري الجميع مصفقاً للقرار الجديد معتبرين إياه نصراً سياسياً عراقياً ..!! أثبت قدرة العراقيين على الأجماع والأتفاق عند الأزمات الكبيره التي تواجههم ولا أدري أي نصرٍ هذا الذي يستبعد إبناءالأقليات القوميه والدينيه الذين لعبوا أدواراً متميزه ومشهوده في التاريخ العراقي القديم والحديث , وليس مبالغة القول من أنهم أبناء العراق الأصليين الذين عاشوا فيه قبل قيام الأديان والطوائف وقبل مجيئها الى العراق وإن التجاوز على حقوقهم هو تجاوز على التاريخ العراقي برمته .
لقد شغل أبناء أبناء الطوائف والأقليات العراقيه وعلى مر السنين وظائف سياسيه واقتصاديه واجتماعيه عراقيه هامه وكبيره ولم يتم النظر عند تكليفهم بهذه الوظائف الى ملتهم وعددهم أونسبتهم بل تم النظر الى عراقيتهم أولاً ومن ثم الى كفائتهم ونزاهتهم ومدى أخلاصهم للوطن .
إن المسؤوليه اليوم كبيره على كل من يؤمن ببناء عراق ديمقراطي دستوري تعددي من اجل أعادة الماده (50) الى ماكانت عليه والتضامن الحقيقي مع الأقليات والطوائف العراقيه التي عانت الكثير من الظلم والأضطهاد ومحاولات التهميش والأحتواء وبكافة أشكاله على مر السنين , كما أن المسؤوليه ستكون أكبر على الأحزاب والقوى الديمقراطيه والعلمانيه وهي التي أحتضنت هذه الأقليات طيلة تاريخها النضالي الطويل مثلما وجد أبناء هذه الأقليات في هذه الأحزاب المدافع الحقيقي عن حقوقهم حيث برز منهم قاده كبار ناضلوا وضحوا بأنفسهم في سبيل العراق وكتب التاريخ العراقي أسمائهم بأحرفٍ من نور .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون يعلن البدء ببناء ميناء مؤقت في غزة لإستقبال المساع


.. أم تعثر على جثة نجلها في مقبرة جماعية بمجمع ناصر | إذاعة بي




.. جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ


.. ما تأثير حراك طلاب الجامعات الأمريكية المناهض لحرب غزة؟ | بي




.. ريادة الأعمال مغامرة محسوبة | #جلستنا