الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستاذ صبحي حديدي .. ووهم انهيار العصر الراسمالي ..

ابراهيم علاء الدين

2008 / 10 / 9
الادارة و الاقتصاد


انتابتني حالة من التوهان الفكري .. والمعرفي .. او الغيبوبة المعرفية ، بمجرد ان انتهيت من قراءة مقال الكاتب صبحي الحديدي المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 7/10/2008 ، تحت عنوان : مأزق اقتصاد السوق .. انكشف الوهم .. أم سقطت اليوتوبيا؟، ولم اعد اميز ما اذا كان الاستاذ الحديدي ينفي ويرفض الحتميات .. أي حتمية .. (راسمالية، اشتراكية، لاهوتية) .. ام انه يرفض بعضها ويقبل البعض الاخر؟ و ماهي الحتمية التي يقبلها؟ .. وهل تؤكد حتمياته انتهاء عصر الاقتصاد الرأسمالي (اقتصاد السوق) لان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قال في تصريح له مؤخرا "اقتصاد السوق وهم" ومبدأ دعه يعمل انتهى".؟؟
السيد الحديدي يستخدم مثل الكثيرين غيره (علم اللغة الهيروغليفية والاسلوب الكيميائي في الكتابة)، ويتعمد اضفاء نوع من الغموض على ما يكتبه ولا يصل الى النتيجة بشكل مباشر وسهل وواضح ، بل انه "يسرح فينا" وياخذنا في رحلة شاقة على طريقة كتاب الروايات الادبية، ناسيا انه يكتب في الاقتصاد، حيث تتطلب الكتابة اقصى درجات الوضوح والواقعية والاستناد الى العلوم الرياضية والارقام، ولذلك كان غريبا ومستغربا ان يكتب احدا مقالا اقتصاديا ولا يحتوى على رقم واحد.
السيد الحديدي يجزم بمفردات عديدة، ومضامين متعددة ان الاقتصاد الراسمالي قد انهار مستندا تارة على ساركوزي واخرى على غراهام فوللر، وثالثة على اسقاطات لفظية لاحداث شهدتها البشرية، ولكن جوهر موقفه يقول "ان صعود الهيمنة الأمريكية على أقدار الكون السياسية والإقتصادية والعسكرية، هي التي تتعرّض اليوم لارتجاج بنيوي عميق". ويصل الحديدي الى حد الجزم بان الفلسفات الراسمالية (اقتصاد السوق) اعلنت هزيمتها وانها اصبحت ملزمة باعتناق التاميم فيقول: "وأية فلسفة رأسمالية جديدة يمكن أن تنبعث من ركام تلك الفلسفات المتعاقبة التي تغنّت باقتصاد السوق، لكي تجد نفسها اليوم ملزمة بإعادة اعتناق نقيضه القاتل: التأميم، دون سواه!"
ولا ندري على اي اساس يستند السيد الحديدي حتى يكاد يجزم بان الفلسفة الراسمالية ستجد نفسها ملزمة..؟ اليس المنطق العلمي سواء كان العالم راسماليا ام شيوعيا ام (نص نص) طالما انه ليس لاهوتيا، يرفض نظام الحتميات والقول بالالزام ، وان التجربة والخطا هي فلسفة الليبرالية وان كافة العلوم تقوم على التجريب، ولا يوجد ثبات، او بقاء لشيء على حاله وان التغيير والتطوير سمة اساسية من سمات الحياة بل هي السمة الرئيسية التي نهضت وتنهض عليها الحضارة الانسانية؟
والغريب ان السيد الحديدي يبدو في مقاله ملتبسا عليه الامر.. (او انا من التبس عليه الامر) فلم اعد اعرف هل هو مع التجديد ام ضده؟ هل هو مع ثبات الحركة والجمود ام مع عدم ثبات الحركة في اي زمان ومكان؟
ولم استطع ان افهم قوله " فهل يطالبنا أمثال ساركوزي بأن نعيش حقبة ما بعد انهيار مصارف "وول ستريت" وبورصاته، تماماً كما طولبنا بأن نعيش في ما بعد 11 أيلول (سبتمبر) ، وما بعد الحرب الباردة، وما بعد الحداثة، وما بعد المجتمع الصناعي، وما بعد الإيديولوجيا، وما بعد الشيوعية، وما بعد التاريخ، وما بعد السياسة... حتى بات من النافل الحديث عمّا هو سابق، عن الـ «ما قبل»، أياً كانت الظواهر التي سبقته"؟
وبعيدا عن الولوج في مكونات اللغة ومدلول الفقرة، فبدون مطالبة من احد، فان حياة البشر تظل مستمرة مهما كانت نوعية الاحداث التي تمر بها البشرية، الا اذا "قامت القيامه" حسب وجهة النظر الدينية. لكن الذي يدعو للمزيد من الاستغراب هو محاولة الحديدي المتواصلة للتأكيد بان مصارف وول ستريت وبورصاته انهارت..
وهذا يكشف عن خلل عميق في فهم طبيعة الازمة المالية الراهنة التي تمر بها دول العالم.
فالازمة باختصار شديد هي ازمة قوانين وازمة رقابة وازمة توسع في النشاط دون ان يرافقها تطور في التشريعات واجهزة الرقابة المالية.
حيث اندفعت المصارف تقدم اغراءات الاقراض داخل حدودها (ضمن حدود الرقابة الداخلية) وخارج حدودها دون اي رقابة حقيقية، مما ضاعف بشكل مبالغ فيه اسعار العقار في كل الدنيا تقريبا، ووصل الى مستويات لم يعد ممكنا تمويل التداولات العقارية لان ايرادتها لا تغطي سداد اقساطها من القروض، وبالتالي حدث عجز كبير عن السداد مما عرف بازمة الرهن العقاري، فاندفعت شركات الاستثمار المالي التي تضخم عددها بشكل غير عادي في السنوات الاخيرة، لشراء تلك الرهونات، على خلفية توقعات بان تعاود الاسعار ارتفاعها بنسبب لا تقل عن 5 بالمائة سنويا، لكن هذه التوقعات لم تحدث، وهنا كان هناك خياران اما ان تترك البنوك تواجه مصيرها وكذلك شركات الاستثمار المالي او تتدخل الحكومات لتغطية الالتزامات المالية للمصارف، وان تعمل على تشديد الاجراءات الرقابية على تصرفاتها، اي القيام بفرض نوع من القيود على حريتها.
وهذا هو دور الحكومة اي حكومة ان تعمل على حماية مؤسساتها ومواطنيها، وان يتوفر لديها اجهزة رقابية جيدة تمنع ضعاف النفوس او قليلي الخبرة من العبث بالمصالح الوطنية.
ولطالما جرى مثل هذا الامر من قبل معظم حكومات العالم سواء كانت المشكلة اقتصادية او سياسية او عسكرية او بيئية او غيرها ..
وقد انبرى العالم كله في تعاضد قل نظيره في تقديم العون للاقتصاد العالمي، وتدافعت دول العالم تؤازر بعضها بعضا ، ولعل قيام الصين بتقديم قروض بمليارات الدولارات للاقتصاد الامريكي، ومشاركة الصين واليابان وكوريا بتاسيس سوق لمواجهة أي نقص في التمويل، لعل في ذلك مغزى كبير جدا، يدحض بدرجة من الدرجات الواهمين بعودة العالم للانقسام في حرب باردة او دافئة او ساخنة.
لكن المؤسف ان الاستاذ الحديدي مثله مثل الكثير من الكتاب انبرى وقد اعتراه شعور عارم بالسعادة ليعتبر ان ما تمر به اسواق المال العالمية هو نهاية لعصر الراسمالية وعصر اقتصاد السوق وعودة لعصر التاميم الاشتراكي، وان ما يحدث يؤكد صحة النظريات الاقتصادية الاخرى دون ان يذكر واحدة منها.
وباسلوب روائي ولغة روائية يحاول الاستاذ الحديدي ايضا كغيره من الكتاب الاستشهاد بعدد من الباحثين الامريكان ليدلل على وجهة نظره، فنراه يبجل وجهة نظر الباحث الامريكي "دافيد غريس" الذي ينتقد فيه قيام العالم بخلع ارديته واحدا تلو الاخرى .." كأنّ كل شيء حدث لتوّه، كما استغرب الباحث الأمريكي دافيد غريس في كتابه المثير «دراما الهوية الغربية»: العالم يخلع أرديته واحدة تلو الأخرى، من العقلانية والرومانتيكية والثورية، إلى تلك الرجعية والوثنية والمحافظة، مروراً بالليبرالية والرأسمالية والإشتراكية والشيوعية".
اليس في الفقرة السابقة يا استاذ حديدي عدم اعتراف بل ازدراء لعمليات التغيير التي تشهدها المجتمعات البشرية، وكان ذلك لا يدل على حيوية تلك المجتمعات ورقيها ، وكانك من جهة اخرى يدعو الى ثبات الرداء وعدم تغييره او تحديثة او تطويره مهما اصابه من هتك ورقع وتخلف الخ ..
ويكاد الحديدي يحكم بان اقتصاد السوق قد انهار وان العالم امام صورة اخرى جديدة لكنه لا يقول لنا شيئا عن مكوناتها، وذلك لان اقتصاد السوق يمر بهزات وانتكاسات وازمات، وكان هناك احدا قال ان اقتصاد السوق هو اقتصاد بلا هزات ولا ازمات ولا تشوهات ؟؟
ويتندر الاستاذ الحديدي على النظام الراسمالي – اقتصاد السوق، فيقول "ففي نظر هؤلاء المبشّرين لا يبرهن الإختراع الغربي للرأسمالية ـ وللعلم والأنوار والديمقراطية الليبرالية... ـ على نجاح منقطع النظير فحسب، بل هو يتقدّم حثيثاً لاجتياح العالم القديم والعالم الحديث في آن معاً".
ويواصل نقده للنظام الراسمالي واقتصاد السوق فيقول : "أمثولة فاضحة حول حضارة غربية متخمة بالتكنولوجيا والعلم والليبرالية، ولكنها أيضاً مختنقة بمواكب اللاجئين والمشرّدين والجائعين والقتلى".
ولكن هناك فرق بين انتقاد نظام اقتصادي معين والوحشية التي تنطوي عليه معاملاته وانعكاساته على حرية الانسان الفرد وحقوقه واحتياجاته الاساسية، وبين ان تعتبر هذا النظام قد انهار، لانه يمر بازمة حادة.
وبالتاكيد ومهما ادعى البعض فان توصل الانسان الى "الهوية الظافرة المطمئنة الامنة" لن يتحقق ابدا في اي مكان او زمان، لان الانسان "البشر" سيظل يبحث دائما وفي كل الاوقات عن الافضل والارقى والاجمل والاحسن، وهو في سياق هذا البحث سيتعرض الى اشكال لا حصر لها من الكوارث والازمات والالام .
ثم اتوجه بسؤال للاستاذ الحديدي .. لنفترض ان النظام الاقتصادي الراسمالي فعلا كما تبشر قد انتهى وان الازمة التي يمر بها هي اخر ازماته واننا امام نظام جديد.. فهل تتفضل وتعطينا ملامح النظام الاقتصادي الجديد؟ ام انك تنتظر المؤسسات الراسمالية نفسها ان تضع حلولا وعلاجا لمشاكلها ثم ستتقدم لتنتقدها وتقول انه ليس علاج بل مسكن لا اكثر ولا اقل ..؟
ويبدو ان هناك وجهة نظر رغبوية "من الرغبة" تبناها وبسرعة مجموعة من الكتاب تروج لعودة الحرب الباردة والصراع بين معسكرين شرقي بزعامة روسيا وعضوية الصين والبعض يضم له الهند، ضد المعسكر الغربي، ومن هذه المجموعة السيد حديدي فيقول "ألا يبدو المشهد الراهن ـ بين زلزال "وول ستريت"، وأوهام اقتصاد السوق كما باح بها ساركوزي، وما جرى وسيجري في جورجيا وأبخازيا ـ وكأنه ينسف تماماً صورة الهوية الغربية المعاصرة، التي خالت أنها سابحة بأمان واطمئنان في عوالم وردية من الرفاه والإستقرار والعلم والتكنولوجيا والليبرالية؟
استنتاج حالم بل مغرق بالاحلام يا استاذ حديدي عبارتك هذه "ينسف تماما صورة الهوية الغربية المعاصرة"
ويظهر الحلم "اليوتوبيا الحديدية واضحا جليا في قوله "ألا نقول ما قيل مراراً، من أننا إزاء اهتزاز المشهد الغربي برّمته، خصوصاً مبادىء تلك الرؤية التي نهضت وتنهض على ثلاثة أقانيم جوهرية: 1) الرأسمالية، وقداسة اقتصاد السوق؛ و2) حقوق الإنسان، شرط أن تقترن وجوباً بالقراءة الغربية لها؛ و3) إطار الأمّة ـ الدولة، كصيغة هوية معتمدة في العلاقات الدولية"؟.
هل يرى الحديدي ان هذه الاقانيم سقطت ام انها على وشك السقوط ، وفي حال سقوطها فالى اين يتجه العالم، فاللغة المعقدة الشاعرية الادبية لا تشير الى قدرة الكات بعلى تشخيص الواقع ورسم صورة المستقبل، بل ان الشفافية والوضوح اهم عناصر نجاح الاقتصاد وقوة ومتانة التقارير والتحليلات الاقتصادية.
ولا يتخلى الحديدي عن الجزم والحتمية والالزام وهذا يتعارض بشكل مطلق مع اسس التحليل والبحث العلمي فنجده يقول "إنها، أيضاً، عاقبة شبه حتمية لعجز مجتمعات ما بعد الحرب الباردة عن التلاؤم مع الأقانيم الغربية الظافرة أولاً؛ ثمّ سعي تلك المجتمعات إلى صياغة أقانيمها الخاصة، التي لا بدّ أن تدخل في تناحر واسع النطاق مع القِيَم التي تدعو إليها دول ومجتمعات وأنظمة سياسية ـ اقتصادية تنسب إلى ذاتها وظيفة، وتحتكر حقّ، إدارة المعمورة.
وفي ما سبق خطأ اكثر فداحة عندما يعتبر ان هناك صراعا حول اقانيم (قيم ونظم) يجري في العالم ، ولو كانت موجودة فليقل لنا اين يحدث هذا ..؟ اننا نرى العكس ان هناك انخراطا عالميا في نظام العولمة وقد قطعت دول العالم شوطا كبيرا جدا في هذا المجال ، ويمكن لاي كان ان يرى ذلك بوضوح في شوارع وبنوك ومؤسسات معظم الدول الاسيوية جنوب اسيا، وكذلك شرقها وفي مقدمتها الهند، ومعظم دول امريكا اللاتينية، حتى مجتمعات الطبقات الراسمالية والبرجوازية في افريقيا والشرق الاوسط تندمج بدرجة او باخرى في النظام الاقتصادي العالمي.
لقد استوقفني بدهشة هذا الاهتمام والاحترام الذي يبديه الاستاذ الحديدي لوجهة نظر باحث امريكي اسمه غراهام فولر (دبلوماسي وعميل سابق ل سي اي ايه) فيقتبس منه فقرات واسعة
وكأنه رسول البشرية الجديد حامل مشعل الحقيقة المطلقة وبقدرة قادر نصبه الحديدي نبيا جديدا يتلقى الحكمة من السماء ولذلك فان رؤيته للمستقبل لم تترك "هامشا للريبة " كما يقول الحديدي ويمضي في تلخص نبوءة فوللر فيقول : بيد أنّ فوللر لم يترك هامشاً للريبة في أن الإيديولوجيا التالية التي ستواجه الغرب لن تكون بديلاً واضحاً صافياً، بل ستكون مزيجاً مركباً من رفض «التحديث» بمعناه الغربي، وتوطيد الإنشقاقات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية.
حبذا لو تفضل السيد الحديدي ليقول لنا ان الفلسفة الليبرالية والتي اقتصاد السوق احد نتائجها الاساسية، قد اعلنت افلاسها؟ وفي حال كانت الاجابة بالايجاب فما هي الفلسفة الجديدة الصاعدة.
والسؤال هل الازمة الراهنة اكثر قسوة وعمقا وعنفا من ازمة الاقتصاد الكبير في عام 1929؟ وهل انهت تلك الازمة النظام الراسمالي ؟ ام انه عاد لينتج نفسه من جديد بشكل اقوى؟؟
مجرد تساؤلات ارجو الا تغضب احدا..!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ترامب يتفوق على بايدن في الاقتصاد.. والأخير يتقدم في الديمقر


.. الوضع الاقتصادي يخيم على انتخابات الرئاسة الإيرانية




.. رئيس كينيا يرضخ للمحتجين ضد رفع الضرائب بعد اقتحامهم البرلما


.. نشرة الرابعة | السعودية تؤكد استمرار خططها الاقتصادية.. وملا




.. وزير الاقتصاد الفلسطيني لـ-الحرة-: إسرائيل لم تحول أموال الم