الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تطرح فعلا خطة جدية لانقاذ الازمة المالية العالمية جذريا؟!

احمد سعد

2008 / 10 / 8
العولمة وتطورات العالم المعاصر


السؤال المركزي المطروح هذه الايام على بساط الاجندة العالمية هو كيفية مواجهة الاعصار المدمر لأزمة النظام المالي الامريكي والعالمي لدرء خطر عدم السقوط في هوة ازمة اقتصادية عالمية كالتي حدثت في سنوات 1929 – 1931؟ فبرأينا ان الجواب على هذا السؤال يستدعي اولا وقبل كل شيء الكشف عن اسباب هذه الازمة تشخيص المرض بها في بلورة طرق العلاج الجذري. ونحن على يقين وثقة واعية ان منظري وساسة الرأسمالية لن يخرجوا في اطار معالجة الازمة الحالية من دائرة التفتيش عن وسائل مؤقتة تخفف من حدة الازمة ولكنها نبتعد عن المس بجوهر الازمة الكامن في جوهر نظام الاستغلال الرأسمالي، وتحرص ان يكون كل علاج منطلق وهدفه الحفاظ على الرأسمالية "واصلاح شؤونها"! فأهم الاسباب الجذرية للازمة تندرج فيما يلي:
* اولا: فشل المنهج والنهج النيوليبرالي في قيادة الاقتصاد الرأسمالي فاثر انهيار سور برلين في التاسعة والثمانين من القرن الماضي وما تبعه من انهيار الاتحاد السوفييتي والانظمة الاشتراكية في اوروبا الشرقية اعتبر المنظر الامريكي الجنسية فوكوياما ان ما حدث في مثل نهاية التاريخ، وانه تم الحسم التاريخي بانتصار الرأسمالية الليبرالية كخيار وحيد لتطور البشرية الحضاري. وان وضع مفاتيح النشاط الاقتصادي المالي وقيادته بأيدي القطاع الخاص وهيمنة "السوق الحرة" – اقتصاد السوق – عن طريق الخصخصة وتقليص دائرة نشاط الدورة اقتصاديا وبيع املاك قطاع الدولة وشركاته الى القطاع الخاص هو الحصول على اعلى نسبة من الارباح، فان "عفوية" نشاط اقتصاد السوق قد ادت ليست فقط الى تعميق فجوات التقاطب الاجتماعي بين الاغنياء والفقراء على النطاق "الوطني" داخل كل دولة رأسمالية وعالميا، بل ادت كذلك الى بروز ظواهر الازمة المالية مثل ازمة القروض السكنية، التي ارتفعت اسعارها بشكل لم يستطع الملايين في امريكا من تسديد ديونها، فأكثر من مليوني امريكي في العام الفين وسبعة فقدوا اماكن سكنهم لأنهم لم يستطيعوا دفع القروض والفوائد المتراكمة عليها. وافلاس عدد من الشركات والبنوك المساهمة في السوق المالية ادى الى خلق عدم ثقة لكثير من اصحاب المدخرات الموظفة في البورصة وفي البنوك، وعدم الثقة قاد الى سحب اموالهم، وهذا ولد لدى بعض المؤسسات المالية "عجز سيولة"، عدم القدرة على تسديد الديون المستحقة، فمواجهة ازمة افلاس وانهيار بعض البنوك والشركات الناشطة في البورصة فشلت مساعي الاعتماد على الذات لتحظى الازمة، واندماج بعض الشركات او شراء شركات وبنوك على حافة الافلاس لم توفر العلاج المطلوب لمواجهة الازمة. ولهذا، وبتناقض صارخ مع المبدأ الاساس لاقتصاد السوق الحرة تهرع الحكومات الرأسمالية في الولايات المتحدة الامريكية واليابان وايطاليا الى "نجدة" القطاع الخاص بضخ الاموال وقذفها الى مساندة البنوك والشركات التي تعاني خطر الافلاس والانهيار. أي ان الدولة من جيوب دافعي الضرائب من الجماهير الشعبية لتمويل القطاع الخاص. وهذا يعني عمليا فشل منهج ونهج النيوليبرالية المعتمدة على اقتصاد السوق الحرة والخصخصة في ضمان الاستقرار المالي والاقتصادي.



* ثانيا: مسؤولية الولايات المتحدة الاساسية عن ازمة النظام المالي العالمي وعن ملامح ازمة الركود الاقتصادي. فالهيمنة الاقتصادية الامريكية عالميا بواسطة شركاتها عابرة القارات، وخاصة بفضل مكانة الدولار الامريكي كنقد عالمي نائب للذهب يجري التعامل معه كمقياس للقيمة في التداول التجاري والمالي العالمي، كما يجري تحريفه كاحتياطي لقيمة الانتاج القومي فيالعديد من البلدان، بفعل هذه العوامل فانه في ظروف الطابع القائم للعولمة اليوم فان أي تغيير في حالة الوضع المالي او الاقتصادي الامريكي يؤثر سلبا او ايجابا على الوضع المالي والاقتصادي في عدد من البلدان. ولهذا، فانه في ظروف مدى عمق ازمة النظام المالي الحالية، تسمع انتقادات لاذعة، لم تسمع من قبل، من حلفاء امريكا الذين يحملونها المسؤولية عن الازمة المالية. فرئيس وزراء كهذا اكد في تصريح له ان امريكا تتحمل المسؤولية عن الوضع الكارثي، ورئيس الوزراء الفرنسي وضع اصبع الاتهام الى السياسات الامريكية الممارسة ومسؤوليتها عن تدهور الازمة. ومن حيث المدلول السياسي فان الوضع القائم اليوم في ظل ازمة النظام المالي العالمي يؤكد ويعكس حقيقة انه لا يمكن بعد الاعتماد على نظام مالي عالمي يستند الى قاعدة هيمنة قطب واحد اقتصاديا وماليا وحتى عسكريا. وما هو مطروح اليوم على بساط جدول الاعمال العالمي هو النقاش لبلورة نظام مالي جديد اكثر عدالة ويأخذ بالاعتبار تعدد الاقطاب والمصالح.



فادارة بوش واليمين المحافظ نجحوا في تمرير "خطة الانقاذ الازمة" واقرارها في مجلسي النواب والشيوخ من الكونغرس الامريكي بعد تعديلها بتوسيع دائرة الاعفاءات الضرائبية لتشمل ليس فقط ارباب البنوك والرأسمال وكبار الموظفين، بل فئات من الطبقة الوسطة الامريكية. وتشمل خطة الانقاذ ان تقوم الادارة الامريكية بضخ سبعمئة مليار دولار على ثلاث مراحل لمساعدة الشركات والبنوك الكبيرة التي يهدرها خطر الافلاس، ضخ 250 مليار دولار في المرحلة الاولى ومئة مليار دولار في المرحلة الثانية لدفع رواتب الموظفين ودعم الفئات الوسطى وثلاثمئة وخمسين مليار دولار في المرحلة الثالثة!!
بوسع هذه الخطة مساعدة عدد من الشركات والبنوك الكبيرة في تخطي وبشكل مؤقت ازمة الافلاس والانهيار، كما بوسعها زرع الثقة من جديد، وبشكل مؤقت، في البورصات العالمية وبان امريكا "لا زالت على حيلها" كقوة اقتصادية مالية رائدة عالميا، ولكن لا يمكن اعتبار هذا العلاج حلا جذريا. فهذه الخطة لا تعالج وجود عشرة ملايين امريكي عاجزون عن دفع القروض السكنية وخطر بين ثلاثة الى اربعة ملايين امريكي بفقدان منازلهم من جراء هذا العجز. كما ان هذه الخطة لا تعالج قضية البطالة، ففي شهر ايلول الماضي ومن جراء الازمة المالية فقد اكثر من مئة وستين الف امريكي وظائفهم وقذفوا الى سوق البطالة حيث تجاوزت نسبة البطالة في الولايات المتحدة الامريكية السبعة في المئة، اعلى نسبة بطالة منذ خمس سنوات. كما ان اغراق سوق التداول الامريكي بمليارات الدولارات وفي ظل ركود اقتصادي سيؤدي الى زيادة نسبة التضخم المالي وتخفيض مستوى معيشة اصحاب الدخل المحدود من ملايين المواطنين الامريكيين.
ان خطة الانقاذ الامريكية المعدلة تستهدف اولا واخيرا طرح علاج لانقاذ كبار البنوك والشركات ولكنها لا تطرح علاجا لاسقاطات وتأثيرات الركود الاقتصادي الامريكي وازمته المالية على النطاق العالمي الرأسمالي. فحسب تصريحات محافظ البنك الاوروبي فان الاتحاد الاوروبي على حافة ازمة ركود اقتصادي، والاقتصاد العالمي على حافة الهاوية وتتحمل الولايات المتحدة المسؤولية. ففي بلدان الاتحاد الاوروبي اكثر من ثلاثة عشر مليون عاطل عن العمل وتبلغ نسبة البطالة بالمعدل اكثر من سبعة في المئة وفي اسبانيا اعلى نسبة ان تبلغ 11,5%. وقد اصابت الانياب المفترسة لازمة النظام المالي الامريكي العديد من البلدان الاوروبية ولكن بشكل متفاوت. وبمبادرة من الرئيس الفرنسي ساركوزي عقد في باريس اجتماع رؤساء دول وحكومات الاربعة الكبار في الاتحاد الاوروبي. وكان هدف ساركوزي التوصل الى خطة انقاذ جماعية لمجموعة دول الاتحاد الاوروبي، ولكن هذه الدعوة وما دار حولها من نقاش عكست مدى التناقضات داخل هذا المحور الامبريالي الرأسمالي. فرئيس حكومة فرنسا صرح بان "على اوروبا ان تثبت نفسها" في ظل هذه الازمة، أي التفتيش عن نظام مالي عالمي بديل للنظام القائم. احتجت العديد من دول الاتحاد على اجتماع الاربعة الكبار فرنسا والمانيا وبريطانيا وايطاليا، ولماذا لم يدع الاعضاء السبعة والعشرين في الاتحاد. رئيسة المانيا المستشارة ميركيل عارضت خطة انقاذ مشتركة اوروبا كما اقترح ساركوزي خوفا من ان تتحمل المانيا العبء الاكبر من التكلفة. ولهذا افض اجتماع الاربعة الكبار بقرارات عامة فضفاضة تدعو الى مؤتمر دولي لبحث موضوع اقامة نظام مالي عالمي جديد.



ما نود تأكيده في نهاية المطاف ان الرأسمالية بمراحلها المختلفة، عاجزة عن ايجاد حلول جذرية تحصنها من الوقوع في مهاوي الازمات الدورية المالية والاقتصادية، عاجزة عن ايجاد حلول تقود الى بناء قواعد العدالة الاجتماعية والمساواة على النطاق المحلي داخل كل بلد رأسمالي وعلى النطاق العالمي، فسبب العجز يكمن في الجوهر التمييزي الاجرامي للنظام الرأسمالي – قد تنجح الرأسمالي في تخطي الازمة مؤقتا وعلى حساب المس بمستوى معيشة الفئات الاجتماعية الفقيرة والمسحوقة من العاملين وذوي الدخل المحدود، ولكنها لن توفر أي صمام امان من الازمات. كما ان الازمة الحالية واسقاطاتها تفرز مؤشرات ودلائل على انخفاض مكانة ودور الامبريالية الامريكية على الساحة الرأسمالية العالمية، وان الوضع المأزوم يتطلب اقامة نظام مالي عالمي جديد اكثر عدالة من النظام القائم. والخطة الحقيقية لانقاذ الرأسمالية من ازماتها هو غروب شمس هذا النظام غير العادل اقتصاديا واجتماعيا.
د. احمد سعد *
الثلاثاء 7/10/2008











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء سجن المحامية التونسية سنية الدهماني؟ | هاشتاغات مع


.. ا?كثر شيء تحبه بيسان إسماعيل في خطيبها محمود ماهر ????




.. غزة : هل توترت العلاقة بين مصر وإسرائيل ؟ • فرانس 24 / FRANC


.. الأسلحةُ الأميركية إلى إسرائيل.. تَخبّطٌ في العلن ودعمٌ مؤكد




.. غزة.. ماذا بعد؟ | معارك ومواجهات ضارية تخوضها المقاومة ضد قو