الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية خضر قد والعصر الزيتوني، وجائزة نوبل

ابتسام يوسف الطاهر

2008 / 10 / 8
الادب والفن


مأساة قد- تراجيديا الشعب العراقي
لقد اتعبتنا حواراتنا مع الاخر.. الذي يعيش في الضفة الاخرى (البطرانة) او الاخر ممن لا يرى ابعد من جيبه او احلامه ببَطل ورقي يلصقه على حائط غرفته المثقوب! فقد رفضوا ان يديروا وجوههم صوب اشارتنا ووجعنا وصموا اذانهم لصراخنا، لا يريدون أن يعرفوا عن مأساتنا غير مارسمته فضائياتهم، او ماكتبه بعض مداحي السلطان عنا. فنحن برأيهم نبالغ او نكذب بحق بطلهم ، اتهمونا بالخيانة للقومية والعروبة ومنهم من يستنكر عدائنا للقائد..حتى لو سحل ذلك القائد كل الشعب للهاوية، فلا ضير عليهم مادامت الدولارات تسبق الشعارات الرنانة، ومن يُقتل ، بعيدا عنهم، حتى لو قتل بحروب قضت على العروبة وعلى فلسطين ايضا!.
تمنيت لو ان كاتبا يحكي عن تلك المرحلة المظلمة، عن ملحمة الشعب العراقي وقد احاطوه باسوار متداخلة من تعتيم وحصار. لقد كتب الكثير من الكتاب والشعراء من داخل العراق وخارجه.. ولكن لم يسعفني الحظ والوقت للاطلاع على كل ماكتب..
عرفت الكاتب نصيف فلك من خلال عموده الساخر في الصباح واختياره المشاهد الحادة والتقاطه الصورالـ(حنديرية) المعتمة ليضيئها بومضة ساخرة نرى بها تعويضا لخسارتنا المزمنة للكهرباء الوطنية.
لكن روايته (خضر قد- والعصر الزيتوني) قالت الكثير مما كنا نريد ان نقول، فقد كانت بحق ملحمة الشعب العراقي في اواخر القرن العشرين.
تلك الـ(قد) حيرتني ببداية الامر، حسبتها اختصارا لاسم تاريخي لا اعرف او لم اسمع به، لاكتشف انها اكبر من تلك الاسماء التي اجهلها او توقعتها. فالـ(قد) هنا بدلالتها الاحتمالية وتأرجحها بين امكانية المضي قدما او التوقف الازلي، بين تحقق الحلم او قطع خيوطه بيقظة مفزعة تطيح باحلام الكرى، التأرجح بين الأمل واليأس ، الحياة والموت بين
الـ(أكون) او لا أكون، تكاد تكون بوابة للعمل الملحمي الذي يحكي عن مأساة (خضر قد) ، مأساة الشعب العراقي وملحمة صبره وقدرته على المضي بالرغم من كل الكوارث. تلك الملحمة التي فاقت ملحمة كلكامش ، الذي اخفق ببحثه عن الخلود.. فبطل ملحمة (نصيف فلك) هو الشعب العراقي الذي نال الخلود من جده (اوتونا بشتم) لصبره وقوة احتماله ورفضه لكل ماهو معادي للحياة والحب من خلال رفضه القاطع للبسطال العسكري واللون الزيتوني الذي استخدم بابشع صوره ومسخت غاياته بحماية الارض والوطن والشعب، بعد ان جعلوا الوطن مرتعا للقتلة والسراقين والمرتشين، واداروا اسلحتهم التي خلعوها في ساحات الوغى بامهات معاركهم الخاسرة ، ليصوبوها نحو صدر الشعب والناس المتعبين بحقد لامثيل له.
اغلبنا يعرف عن قرب او عن بعد، اساليب التعذيب التي مورست ضد احبتنا واهلنا او مباشرة مع البعض منا.. لكن بشاعة الصور تجعل البعض منا يحاول النسيان بعدم الحديث عنها او التطرق لها بشكل مقتضب.. لكن نصيف فلك كان جريئا، او ربما اراد ان يتخلص من ذلك الرماد وعفونة تلك الايام بفضحها وتشريحها كأي جراح ماهر فنصف العلاج تشخيص الحالة وتسليط السكانر والاشعات عليها لرؤيتها من الداخل. فينقل لنا صور التعذيب البشعة التي مورست ارضاء لسادية القائد وزبانيته ضد المواطنين ، بلا ذنب غير انهم ولدوا بدين او بلغة مختلفة..او فكر مختلف " كان جسده مثخنا بجروح يفوق عددها اسماء الذين اعترف عليهم ووجهه يتكسر الى شظايا الم مكتوم... اشار الى صبي عمره حوالي الرابعة عشرة كان يصلي قال بزهو: اسمه كميل هو اصغر واصلب معتقل.. في كل مرة يرجع من غرفة التعذيب وهم يسحلونه بالممرات ينتقي قطف سيجارة .. يجرها بقدمه والدماء تسيل منه حتى يوصلها هنا الينا، رغم انه لا يدخن.
اضحكني اوميد حين قال: تشن السلطة كما يقال حملة على الشيعة والاكراد والشيوعيين فكيف بي وانا شيوعي وكردي وشيعي؟" ص22

يسخر نصيف فلك من عبثية الاقدار والحياة وعبثية السلطة على يد عصابات حزب العبث التي قتلت كل القيم الانسانية والسياسية والاجتماعية وحتى الدينية وجعلت الانسان لا قيمة له اسوة بالكلاب السائبة والقطط التي لامكان لها يسكنها الخوف من بني البشر الذي يمارس الحقد الذي مورس ضده معها، يحكي باسلوبه الساخر المباشر الجرئ:
"يالعظمة الحياة حين يكون الدليل الوحيد على وجودك هو الضرطة. هذا ماحصل بالضبط في مشرحة الطب العدلي..حيث الثلاجات العملاقة لخزن الجثث لحين تسليمها لذويهم بعدما تسجل اسماءهم..وعادة ماتتم الاجراءات كيفما اتفق خاصة في مواسم ازدحام الجثث بعد هجوم كبير في جبهات القنال".ص32
فيحكي باسلوبه الساخر المرير كيف ان ذلك الصوت الذي يحرجنا احيانا ويسبب لنا التسمم لو حبسناه كان المنقذ لخضر قد لاخراجه من ثلاجة الموتى "يالحماقة الواقع وسخافة الوجود حين تكون الضرطة هي دليل الحياة الوحيد".

يصور لنا نصيف فلك من خلال (خضر قد) غربة الوطن وهي الغربة الاصعب.. حين تسير بشوارع تخافها ولا احد يعرفك بها! غربة اصعب من التي عشناها نحن قبل حرب الكلاب كما يسمي الحرب العراقية- الايرانية بالرواية، حيث غربة الخوف من الحرس اللاوطني، الخوف من جارك قد يكتب عليك تقريرا لتروح لدرب الصد ما ردّ. تلك غربة تشبه الغصة حين يهاجر اصدقائك واحبتك او تغيبهم الاقبية والسجون او تحصدهم الة الحرب فتدور بشوارع كنت تعرفها لكنها فقدت معالمها . "..دخلت حي المربعة ، الذي انقلب لحارة مصرية... لأشرب الشاي، واذا بشاب كان يجلس امامي يلتفت الي ويدقق النظر، وان هي الا ثواني حتى نهض صائحا ، رمى قدح الشاي على الارض ارتمى علي يحتضنني ويقبلني : خوية عراقي.. منذ زمن بعيد بعيد لم التق عراقيا!!؟"ص42

وحين يتخذ القرار الصعب والمميت برفضه السلاح ورفضه المشاركة بحفلة القتل الجماعي الغير مبرر، يضطر للهروب للجانب الاخر معتقدا انهم سيقدرون موقفه الانساني هو ومئات من زملائه، او سيثمنون التضحيات التي قدمها الجندي العراقي برفضه للحرب لا جبنا ولا خوفا ولكن من موقف انساني ولشعوره بعبثية تلك الحرب .. ليصطدم بان ذلك الموقف لا يعرفه ولا يقدره كلاب الحروب. "..سوف يستقبلوني باذرع من ريش وحفاوة تقرع الافاق..انا استحق هذه الحفاوة.. ليس فقط لانني تعمدت الجهل في كيفية اطلاق الرصاص واحتقار السلاح بل لانني اتقزز من البدلة العسكرية ..وتكبدت افدح ثمن لعدم محاربتي عدوا لا اعرفه..تخيلت الايرانيين يرمون علي الورد لاني ضحيت باعز الناس الى قلبي ..تركت اهلي واصدقائي ومدينتي ووطني و.. سلاّمة.." 64
فيصطدم بالطرف الاخر الذي لم يكن مختلفا الا قليلا.. يعيش في مخيمات شبه معتقل لاتختلف عن السجون الا قليلا.
فيقرر العودة مدفوع بحلم القضاء على بهضام لانقاذ اهله واصدقائه ليمحو غبار العبث والبعث الذي قلبت موازين حياتهم..وتدخلت حتى بمفردات يومهم وجعلت حتى كلماتهم بذيئة بعيدة عن الذوق والحس الانساني "طكوا بالدهن..انعلس.." وغيرها من العبارات الماحية للقيم الانسانية.
يعود متسللا "بعد فوات الاوان..ها انا ارجع للعراق يفترسني الندم ، ارجع كقطرة دم تتسلل الى شريان البلد ، فهل تنقذه هذه القطرة؟".ص137
وكان هذا هاجسنا في الغربة وقد انتقل مبكرا لابنائنا الذين حلموا بالعودة يوما لاحضان جداتهم بعد الخلاص من (بهضام).
رغم الحزن الذي شعرته وانا اقرا واتابع يوميات خضر قد، وبالرغم من ان حتى المقاطع التي اضحكتني طويلا لم تمنع بكائي، بالرغم من ذلك شعرت بالامل بان شعبنا بمثل هكذا مبدعين (قد) ينهض او لابد ان ينهض ويملا الارض حبا وحياة..والذين ادانوا الشعب العراقي واذوه (قد) تصحو ضمائرهم ويعتذروا للشعب ويساعدوه. لعل المسؤولين يعملوا بحرص لازاحة العصر الزيتوني ورماده العفن.
تلك الملحمة التي يجب ان تعاد طباعتها بالشكل الذي يليق بحجمها النوعي وتوزع بشكل رئيسي على اعضاء البرلمان لكل عضو نسختان واحدة له واخرى لعائلته ليطلعوا عن كثب على مخلفات الماضي ويدرسوها جيدا لا ليتعلموا طرق التعذيب وسلب انسانية الناس، بل ليعرفوا حجم عذاب وصبر الشعب العراقي ويعوضوا تعبه خيرا وكهرباءا وعيشة انسانية.. وليأخذوا درسا بأنه مهما طال الزمن ستداس بدلة الحاقدين وصورهم بنعال ابو تحسين وابو خضر وابو ميري وابو اوميد وابو احمد.. وغيرهم من الذين لن يسكتوا بعد ان فتحت جراحاتهم.. لعل او قد ينفع درس الماضي لتحسن الحاضر وانقاذ المستقبل.
قلت في حوار صحفي ..ان هناك اسماء عراقية لامعة في سماء الادب تستحق جائزة نوبل، اذا تخلصت تلك الجائزة من الهيمنة السياسية ومزاجية وعلاقات الدول المصلحية، و اول الادباء العراقيين الذين يستحقونها فؤاد التكرلي، الجواهري، سعدي يوسف، مظفر النواب وغائب طعمة فرمان وغيرهم اسماء عديدة لاتحضرني..ومن الشباب نصيف فلك، وبعد قرائتي لروايته خضر قد والعصر الزيتوني حيث صور الحرب على حقيقتها البشعة وادانها ورفض لعبتها تحت اي من المسميات، ودافع عن قيم الانسان المحب للحياة والمحبة والسلام بالرغم مما سبب ذلك الموقف من خسارات وتضحيات جسام، اقول انه يستحق جائزة نوبل للسلام.

بغداد
2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رواية خضير قد والعصر الزيتوني
سالم الحميد ( 2011 / 5 / 31 - 19:17 )
ان هذه الراوية لم تحكي عن معاناة الشعب العراقي فحسب بل هي تراجيديا الانسان الضائع في زمن الخوف، ضياع الطاقات الكامنة في الشباب، ضياع الابداع والحضور الانساني ضياع الحب والاحلام
كل شئ موقوف بالحرب الزواج ، الدراسة ،الطموح ، المستقبل كلها مشاريع مؤجلة مادامت الكلاب الزيتونيه تجوب الشوارع والازقة وتدمر كل ماهو جميل ،تطالعنا وجوهم الكالحة في كل مكان ، انها مأساة حقيقية للعراقي الذي فقد الاحساس بالزمن والمكان كل مايتمناه ان يذوق طعم الراحة وان يضع رأسه على الوسادة ويحلم بحبيبته
ان لايؤخذ من احضان زوجه اومن بين اولاده
اوميد كردي وشيعي وشيوعي كم من العذاب يستحق حتى يرضي الجلاد
وقد الهارب من الجيش الى ايران مالعقاب الذي يستحق تساؤلات لاتحتاج الى تفكير فليس غير الموت من عقاب يستطيع النظام ان يرضي بها ساديته
تدور احداث الرواية في مدينة الثورة تلك المدينة التي تضم كل اطياف الشعب العراقي فقد هو المسيحي وهو المسلم وهو المندائي والسني والشيعي قد يكون تركمانيا
قد يكون واحداَ من هؤلاء مادام يقول لا للسلطان، مادام الكل يتساوى في ميزان العداء للسلطة،
انه يرجعنا الى فترة الثمانينات دون ان يدع لنا فرصة ل

اخر الافلام

.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل


.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا