الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاعر عامة الناس ومقتل سوزان تميم

أحمد سوكارنو عبد الحافظ

2008 / 10 / 9
حقوق الانسان


تتوالى الكوارث والنكبات على رأس هذا البلد المنكوب (مصر) الذى أحب أبناءه فكرهوه وأقبل عليهم فردوه وحملهم فالقوا به على الأرض. فبمجرد أن نلتقط الأنفاس بعد كارثة من الكوارث حتى تحل علينا كارثة أخرى وأحيانا تتساقط الكوارث فوق الرؤوس. ما لبثت أن خمدت نيران الشورى حتى فوجئنا ببعثتنا الاولمبية فى بكين تحصل على ميدالية برونزية واحدة فقط ثم فجأة سمعنا دوى صخور المقطم تتساقط على رؤوس الغلابة وتدك منازلهم العشوائية فى الدويقة وتزامن ذلك مع مقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم التى أبت أن ترحل عن عالمنا إلا بعد أن يتورط مصريان فى هذه الجريمة، أحدهما رجل أمن سابق ويدعى محسن السكرى والآخر رجل سياسة واقتصاد هو هشام طلعت مصطفى وانتهى الأمر بحبس الرجلين احتياطيا فى مزرعة طرة. لقد أحدث مقتل المغنية وتورط هشام دويا فاق حريق الشورى الذى نسيته وتناسته الأقلام وتجاهلته الألسنة فور إخماد الحريق وكذلك لم تصرف تساقط صخور المقطم أنظار رجال الإعلام ومن ثم المواطنين عن متابعة قضايا الأثرياء. فرغم أن صخور المقطم مازالت تجثو فوق صدور الضحايا الذين أزهقت أرواحهم إلا أن الصحف باتت تفرد صفحاتها لتناول قصة سوزان تميم التى تجمعت فيها عناصر الإثارة من جنس وسلطة ومال وهى القصة التى تختلف فصولها وتفاصيلها من راو إلى آخر ورغم ذلك هزت أركان البلد حيث انقسم الناس إلى فريقين: فريق يحمل مشاعر العطف والشفقة تجاه رجل الأعمال والمأساة التى يعيشها فى ظل اتهام بالتحريض على القتل، وهو بالمناسبة اتهام لا يقل خطورة عن القتل ذاته. وهناك فريق آخر يشعر أن هؤلاء الرجال لا يبحثون إلا عن الملذات وينفقون أموالهم على مواخير وبيوت الدعارة ومن ثم فإن عدالة السماء—فى رأى هذا الفريق— هى التى أوقعت الرجل فى شر أعماله.

الجدير بالذكر أن الفريق الذى يشعر بالعطف والشفقة نحو الرجل ربما يدرك أن عناصر التراجيديا اجتمعت فى شخصية هشام والتى يمكن أن نطلق عليها شخصية تراجيدية تماما مثل الشخصيات الشكسبيرية كهاملت وماكبث والملك لير وعطيل. وهذه الشخصيات تتمتع بصفات طيبة ونبيلة ولكن يشوبها عيب خطير أو خلل فى الشخصية يؤدى إلى نتائج كارثية. فالملك لير، مثلا، شخصية عطوفة ومليئة بالحب والخير إلا أنه يفتقد إلى القدرة على معرفة طبيعة المحيطين به، فهو لا يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب. قد لا نبالغ إذا رصدنا ثمة تشابها بين شخصية هشام وشخصية الملك لير فى رائعة شكسبير التى قدمها الفنان يحيى الفخرانى على خشبة المسرح القومى. فهشام مصطفى من أسرة ثرية ورجل أعمال ناجح "رئيس مجلس إدارة مجموعة طلعت للاستثمار العقارى" وشخصية سياسية ناجحة، فهو رئيس لجنة الإسكان فى مجلس الشورى وعضو لجنة السياسات لكنه فشل فى فهم الشخصيات التى تقترب منه فهما صحيحا. لقد وقع فريسة سهلة فى يد مغنية ربما تلاعبت بعواطفه يمينا ويسارا وربما أغدق عليها الملايين من الجنيهات قبل أن تحلق بعيدا إلى لندن ودبى ثم رفضت الرد على مكالماته مما أوغر صدره تجاهها، وهذا ربما—ونقول ربما—دفعه للتفكير فى الانتقام بطريقة ساذجة أوقع بها نفسه فى عمل مشين من شأنه أن يدمر مستقبله السياسى والاقتصادى. وحتى الشخصية التى حظيت بثقته وهو السكرى شاءت الأقدار أن يرتكب عدة أخطاء لا يمكن أن يأتى بها رجل أمنى متمرس، فمثلا اشترى أداة القتل والملابس التى ارتداها أثناء وبعد الانتهاء من الجريمة من خلال بطاقة الائتمان حيث تنكشف هوية المشترى والغريب أنه تخلص من هذه الأشياء داخل البرج وأسدى بذلك معروفا لرجال أمن دبى للتعرف بسهولة على القاتل من خلال مقارنة أداة الجريمة بالخنجر الذى اشتراه بالبطاقة.

أما الفريق الآخر فيشعرون بالسعادة حين يسقط محتكرو السلطة والثروة. هذا الفريق يجلس مندهشا كلما سمع عن ملايين الدولارات التى تلقى تحت أقدام الفنانات والمغنيات. فهذا الثرى أهدى الفنانة فلانة سيارة مرسيدس أو بى أم دبليو وذاك الثرى أعطى الفنانة فلانة فيلا فى أفخم المناطق. والغريب أنهن لا يبذلن أى مجهود لنيل هذه الأموال والهدايا. يقال إن المغنية الراحلة لم تكن تمتلك سوى القليل حين جاءت إلى مصر ثم بعد عدة شهور صارت تمتلك الملايين. ويقال أيضا إنها تلقت هدايا عبارة عن فيلا وسيارة وأشياء أخرى لا نعلمها. الناس الذين يتعاطفون مع فقراء الدويقة ولا يتعاطفون مع الأثرياء من أمثال ممدوح إسماعيل وهشام مصطفى يبررون ذلك بأن فقراء الدويقة ضحايا إهمال وانعدام ضمير مسئولين. وفى نفس الوقت يشعرون أن هؤلاء البسطاء جزء من نسيجهم، فهم يرتدون ملابس مثل ملابسهم ويأكلون طعام مثل طعامهم ويقيمون فى منازل مثل منازلهم. أما الأثرياء فهم فى نظر العامة يتسببون فى الكوارث التى تحل بهم. وهؤلاء الأثرياء ليسوا منهم ولا يعيشون كما يعيش الفقراء ولا يموتون كما يموت البسطاء ولا يسجنون كما يسجن المعدمون، بل يسجنون فى سجون خاصة كمزرعة "سجن" طرة التى لا تضم سوى أصحاب المال ويقال إن الزنزانة بهذا "السجن" مكيفة وبها حمام خاص وتلفزيون.

فى ظنى فإن رجال الأعمال المصريين يتورطون بسهولة فى أزمات أو فى جرائم. السبب هو ذلك الاقتراب والتوأمة بين المال والسياسة، هذا رغم أن القواعد المتبعة فى مجال المال لا تصلح فى المجال الآخر "السياسة". من نافلة القول إن رجل السياسة قد يضحى بكل شىء إذا استشعر أن موقعه فى خطر. أما رجل المال فيظل يقترب ويقترب من السياسة للمحافظة على المال ناسيا دوره وواجباته نحو المجتمع وهذا يفسر تشفى السواد الأعظم من الشعب كلما فقد رجل مال السيطرة على شباك السياسة التى تلتف أحبالها حول عنقه وأطرافه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بإطلاق سراح ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة




.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين


.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت




.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا