الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عشائر المثقفين!

جمعة الحلفي

2004 / 2 / 19
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 كم تمنيت أن أقرأ أو أن أسمع بياناً أو نداءاً أو برنامجاً أو وثيقة للمثقفين العراقيين. وكم تمنيت أن أرى اجتماعا أو مسيرة أو تجمعاً  لهم، في هذه المعمعة الصاخبة التي تعيشها بلادهم.  فلم تبق نقابة ولا اتحاد ولا عشيرة ولا قبيلة إلا وعبرت عن نفسها وعن مطالبها وعن أهدافها وشعاراتها. حتى العاطلين عن العمل أصبح لهم اتحادهم وشعاراتهم ومطالبهم وأضراباتهم، فأين هم المثقفون العراقيون؟
أين هي العلة في هذا الغياب أو التغييب.. هل هي في المثقفين أنفسهم.. أي في كسلهم وتقاعسهم وضجرهم واستنكافهم، أم هي في الظرف السياسي والأمني الذي يعيشه العراق؟ أياً كانت الأسباب فهي لا تبرر هذا الغياب الملحوظ للمثقفين العراقيين ودورهم لأن بلادهم بأمس الحاجة لهم ولمساهمتهم ولكلمتهم ولرأيهم، فالثقافة أداة للتغيير والبناء الحضاري، وهي حاضنة لكل ما هو إبداعي وإيجابي ونافع وخيّر وجميل في الحياة، وهذه القيم، بحد ذاتها، تشكل مرجعيات إنسانية نحتاج إليها على الدوام. فكيف بنا اليوم، في هذا الظرف العصيب والعجيب، الذي تسود فيه قيم التطرف والفوضى  والقتل وممالئة المحتل والتكالب على المنافع والماديات وسواها من المثالب والصفات غير الحميدة، التي خلفها لنا نظام صدام حسين؟ كيف بنا اليوم وما يجري في العراق ليس مجرد بناء سلطة سياسية أو إحلال سلطة محل سلطة أخرى، بل ما يجري هو إعادة بناء الدولة العراقية بدستورها وقوانينها وعلمها ونشيدها واقتصادها وقضائها وعلاقاتها؟.
 ثم إذا كنا، قبل سقوط النظام، نختلق الأعذار ونبتكر الذرائع لتقاعس المثقف العراقي وانكبابه على همومه الشخصية ومشاريعه الفردية، لهذا أو ذاك من الأسباب، فكيف سنبرر له اليوم استمراء هذا الحال المقيم ووطنه في عز الحاجة لحضوره ولمساهمته ودوره؟
إذا كان المثقف ينتظر الإشارة من السياسي فهذا مشغول اليوم بخطب ود العشائر والقبائل والوجهاء، أكثر مما هو مشغول بالثقافة والمثقفين. هو يبحث عن رجال التكنوقراط  والأعلاميوقراط  والحوزويوقراط  وسعدان الفضائيات، ولا يبحث عن رجال الثقافة أو الفكر أو الأدب.
 وإذا كان المثقف ينتظر أن تنضج الطبخة في بغداد كي يحضر الوليمة فعليه أن يتذكر أن من يحضر العزيمة متأخراً لا يحظى بغير فتاتها. ثم أن الثقافة ليست وساماً يعلقه المثقف على صدره وكفى الله المؤمنين شر القتال، بل هي بالضبط المعركة التي تخاض في كل يوم وفي كل لحظة من أجل بقاء واستمرار الأفضل والأكثر رقياً وصدقاً وانفتاحا وجمالاً في مختلف مناحي الحياة. وهي ساحة الصراع الحقيقي بين الأفكار والقيم الإنسانية الحضارية وبين التقاليد والأعراف البالية والظلامية والاستبدادية. وهذه هي المعركة الدائرة اليوم في العراق، وهي معركة تحتاج إلى الثقافة الأصيلة والديمقراطية وليس إلى الثقافة الزائفة والمترفعة عن حياة الناس وحاجاتهم الروحية والمادية، مثلما تحتاج إلى المثقف المتحضر والجريء والجسور، الذي يؤمن بأهمية دوره التنويري وضرورة مشاركته في بناء أسس الحياة الجديدة، وليس إلى المثقف المخذول والذليل الخاضع دوماً لتسعيرة السوق. هي معركة ثقافية وفكرية مثلما هي معركة سياسية واقتصادية واجتماعية، ولذلك لا يمكن للثقافة الأصيلة، بوصفها مرادفاً للتحضر والرقي والديمومة والتغيير، أن تبقى جزيرة منعزلة عن الأحداث أو مترفعة عنها، مثلما لا يمكن للمثقفين أن يظلوا يتفرجون، من على ضفاف الشواطيء البعيدة، على مجريات تلك الأحداث، ليس لأنهم الجزء الحيوي من نسيج شعبهم فحسب بل لأن أي مثقف ليس بوسعه أن يدّعي، أو أن يكتسب صدقية كونه مثقفاً، من دون أن يؤدي دوره في عملية التغيير والرقي والبناء ومنازعة التخلف والتعصب والجهل. والمثقف حين يلعب مثل هذا الدور لا يفعل ذلك لكي يدافع عن نفسه أو عن ثقافته فقط، بل لكي يحمي جوهر هذه الثقافة من التلوث والإلغاء والتمهيش، ولكي يؤسس ويبني ويرّسخ مفاهيمها وتقاليدها الحضارية والجمالية.
لهذا سيظل السؤال ملحاً: أين هم مثقفونا من معركة شعبهم، التي تدور رحاها في كل يوم وفي كل لحظة، في البيت وفي الشارع وفي المدرسة وفي المؤسسة، من أجل رغيف الخبز وحبة الدواء ونسمة الهواء والكرامة والأمن وإعادة الاعتبار والحرية والسيادة؟ وأين هو دورهم ومساهمتهم في إعادة تأسيس وبناء عراقهم الذي يحبون ويعشقون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا