الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرواح مهاجرة... أرواح مقيمة

حكمت الحاج

2008 / 10 / 11
الادب والفن


كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن شئ اسمه الدراما السورية وكأنه اكتشاف جديد. وذهب البعض الي حد الحديث عنها بالمقارنة مع شئ آخر اسمه الدراما المصرية ، وهكذا دواليك من هذه الخزغبلات القطرية الضيقة الأفق التي ابتلانا بها القدر ليزيد من ضحك الناس علينا، ولا صدق القائل، في نصف بيت شعري شهير لا أحفظ نصفه الثاني: يا أمة ضحكت من جهلها الأمم.. .
إذن، لن نخوض في هذه المياه العكرة، بل سنتحدث بالرغم من ذلك عن عمل درامي كبير ومهم وسيكون له شأن كبير عند الناس وأهل الفن، ولكن بعد حين، أي بعد أن تفيق الناس من الدهشة، دهشة الجمال ودفقة الرقي المميزتين فيه. وهذا العمل الذي تبثة الآن الفضائية التونسية تونس 7، ويكاد أن يشارف نهايته بحلقاته الثلاثين، هو مسلسل من سورية بعنوان الأرواح المهاجرة أنتجته شركة الشام الدولية للانتاج الفني .
لقد تميزت العشرية الأخيرة بظاهرتين فنيتين كان لهما صداهما عند المشاهد العربي علي وجه الخصوص، وهما: السينما الإيرانية والمسلسلات السورية. وكلتاهما من موقعهما الخاص تاريخيا واجتماعيا وفنيا، أجابتا علي السؤال الخطير التالي: كيف يمكن أن نعمل في ظل ظروف غير مشجعة دائما وتحت قيود ضاغطة أبدا؟
الإيرانيون أجابوا بإنتاج نوع من السينما الشعرية الشاعرية، مارقين مروق الشعرة من العجين حسب أمثالنا الشعبية، من رهبة الرقابة وقوة المتابعة وسطوة الرأي العام، ليشاهد العالم كله كيف يمكن أن تصنع سينما حقيقية ذات بعد عالمي وفي الوقت نفسه شديدة الخصوصية، تعوض عن الحرية المفقودة في التعبير، بجماليات ورؤي مفعمة بالحس الانساني العالي ومضمخة بالصدق، وراقية في تعبيرها الفني. ولا عجب بعد ذلك أن يفوز فيلم ايراني بالسعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي، وتزحف الافلام الإيرانية من بعد علي كل التظاهرات السينمائية العالمية والعربية والعالمثالثية.
لقد أصبحت السينما الإيرانية هي المثل الذي يضرب حين الحديث عن أزمة السينما في بلدان لم تعرف الصناعة السينمائية بشكل قوي وحقيقي، وعندها فنانون واعدون يريدون أن يصنعوا أفلامهم المحملة بهواجس ذواتهم وأممهم.
وكذلك الشـأن تماما مع الدراما القــادمة من ســــورية في العشرية الأخيرة.
فمن جهتهم، انتبه الســــوريون الي أمر جد مهم، وصــار هو برأيي المتواضع، العلامة الفارقة لكـــل الانتاج الســوري الذي غزا فعلا التلفزيونات العربية بأرضـياتها وفضائياتها، وهو: كيف تصنع دراما بدون تاريخ؟
وقد يقول القائل: ولكن ما معني هذا؟ وهل يمكن هناك حقا مسلسلات درامية أو حتي كوميدية، وتكون بلا تاريخ ؟
وبعيدا عن الفذلكة والتَّفَيْقُهِ الفارغين، فإن ما نقصد به خلو تلك الأعمال الدرامية القادمة من سورية، من التاريخ، انما هو ببساطة: سحب بساط التاريخ من تحت أقدام الدراما، ليصبح العمل الفني مفرغا من أساسه التاريخي، الواقعي، العياني، المعيوش، المحدد.... الخ
هل تتذكرون مسلسل الجوارح مثلا؟
هل يستطيع أحد أن يقول أين تجري تلك الأحداث، وفي أي زمن، ومن أين أسماء تلك القبائل؟ وهل لـ شقيف ذي الجديلة، نظير في أي تاريخ، أو حكاية شعبية، أو أساطير من ديار العرب؟
ولكن، يجب الاعتراف والتثمين هنا. فليس تقديم دراما بلا تاريخ أمر هين وميسور النجاح. انه اللعب في منطقة الخيال الحرّ. وقد نجح السوريون أيما نجاح في أصول هذا اللعب الجميل، والدليل الساطع طبعا هو: رضا الجمهور، وإقبال التلفزيونات العربية عليها.
والآن، وبمسلسل الأرواح المهاجرة تدخل الدراما السورية منعطفا جديدا وأكثر جدية، وأخطر مسؤولية. فلم تعد القضية قضية تقديم مسلسلات تاريخية بلا تاريخ مثل الجوارح و الكواسر وغيرها، بل تعدتها الي تناول الأدب العالمي وتقديمه باللهجة السورية، الي المتفرج، قريبا من طريقة الـ سوب أوبرا او ما يعرف شعبيا بالمسلسلات المكسيكية. فإن المشاهد يتقبل وهو يشاهد الأرواح المهاجرة أن تستمر الحلقات الي ما بعد المائة، دون ملل منه أو كلل عن المتابعة، لأنها بكل بساطة، حلقات من مسلسل شيق وممتع.
ألا يستحق هذا الأمر وحده منا كل تثمين؟
قاد هذه المغامرة الدرامية مخرج شاب من تونس اسمه شوقي الماجري درس السينما في بولونيا، وعاد بمعية مدير تصوير من بولونيا أيضا وهو زبيغينيف ريبتشينسكي ، ليقدم لنا درسا بليغا في جماليات الصورة التلفزيونية ممزوجة بالرؤيا السينمائية العالية الشعرية.
وبنص محكم من السينـــــاريست قمــــر الزمــــان علوش مقتبس عن رائعــــة الكـــاتبة التشـــيللية ايزابـــيل إللينـــدي بعـــــنوان منزل الأرواح، كما أفادني بذلــــك مشكورا أحد الأصـــــدقاء الفنـــــــانين، وبموسيقي غاية في التعبــــير من ابداع الفــــــنان رعد خلف، تعــطي أملا في امكانية وجـــــود موسيقي تصويرية عربية في المستقبل، وبابداع حقيقي في التشخيص والتمثيل من نجـوم الفن في سورية من أمثال عباس النوري وجيانا عيد ومي سكاف وصبا مبارك وغيرهم من المبدعين الذين يضيق المجال عن ذكرهم في هذا العجالة، بكل هؤلاء، قدم لنا شوقي الماجري سيمفونية بصرية درامية ليس من السهل أبدا نسيانها لفترة طويلة.
وربما كانت الطريقة الفضلي لكي يبقي طعم مثل هذه الأعمال خالدا في وجداننا، انما يكمن في الدعوة الي استمرار انتاج مثل هذه الاعمال، وتربية تقاليد راسخة في كل قطاع من قطاعات الانتاج، بدءا من أول مسمار يدق في لوح ديكور، وصولا الي التسويق والبيع، ضمانا لرفعة الذوق الفني، ووفاءا لمشاهد لم ييأس بعد من تلفزيوناته العربية.
2002/02/03








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -شد طلوع-... لوحة راقصة تعيدنا إلى الزمن الجميل والذكريات مع


.. بعثة الاتحاد الأوروبي بالجزائر تنظم مهرجانا دوليا للموسيقى ت




.. الكاتب في التاريخ نايف الجعويني يوضح أسباب اختلاف الروايات ا


.. محامية ومحبة للثقافة والدين.. زوجة ستارمر تخرج للضوء بعد انت




.. الكينج والهضبة والقيصر أبرز نجوم الغناء.. 8 أسابيع من البهجة