الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زمن جديد للبطولة

يحيى رباح

2008 / 10 / 12
القضية الفلسطينية


يوم الأربعاء الماضي، استضافتني إذاعة صوت الشعب في غزة، وهي الإذاعة الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لأشارك في حلقة نقاش حول القضية المثارة حاليا وهي ولاية الرئيس محمود عباس أبو مازن، وما هي الرؤى الدستورية والقانونية والسياسية والوطنية حول هذه المسألة، وكان يدير النقاش الإعلامي الشاب محمد المدهون في برنامجه الذي أصبح له جمهور واسع من المستمعين، برنامج نقطة ساخنة!!! وأحب منذ البداية أن أشيد بهذا البرنامج، وحجم المتابعة في الإعداد، والكفاءة الحوارية العالية التي يتمتع بها الصديق محمد ، الذي يحافظ طوال الوقت على أدب الحوار وأخلاقياته العالية، التي هي ضرورة ملحة عند الجميع، وضرورة أكثر إلحاحا في حالتنا الفلسطينية حيث نعاني من أوجاع لا يعلم عمقها ومداها ومساحة تداعياتها إلا الله سبحانه وتعالى.

شاركني في الحوار اخوة أعزاء أكن لهم قدرا كبيرا من الاحترام، الدكتور عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية المعروف، والمهندس إسماعيل الأشقر النائب في المجلس التشريعي عن حركة حماس، ونائب الكتلة البرلمانية وكارم نشوان عضو مركزية الجبهة الشعبية، مع مشاركات واسعة من جمهور المستمعين.

وقد اكتشفت وجها جديدا من وجوه الصعوبة في الساحة الفلسطينية، ليست الصعوبة في المواضيع والقضايا التي تطرح، فهذه كلها مفردات يومية من مفردات ساحتنا الوطنية!!! ولكن الصعوبة التي اكتشفتها هي لغة الحوار، وتقاليد الحوار، وأدبيات الحوار التي اشتهرت بها ساحتنا الفلسطينية على امتداد عقود طويلة، وجعلت من الثورة الفلسطينية، ثورة المستحيل، ثورة بساط الريح، وغابة البنادق، نموذجا أعلى للحرية تأوي إليه الطيور النادرة من كل مكان في العالم، حيث كانت جمهورية الفاكهاني، الصغيرة مثل قبضة اليد، تتسع لرحابة الفكر، وتوالد الرؤى، ومسامحات الاجتهاد، وحدائق الخلاف، كنا قادرين على ممارسة أجمل شيء في الدنيا، وأنبل شيء، وأقدس شيء، كنا قادرين على الحوار.

وأريد أن أذكر الجميع، أنه بسبب طبيعة القضية الفلسطينية، وحجم الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة موضوعيا فيها، فإن الاختلاف والتباين والاجتهاد والتعدد ولد مع هذه القضية، وعاش مع هذه القضية منذ لحظاتها الأولى، بحيث لا يمكن تصور وجود قضية فلسطينية دون خلاف واجتهاد وتباين، ولولا ذلك، لما استطاعت هذه القضية أن تبقى، وتجدد فصولها، وتعيد المخاضات القاتلة، وتكون البند الأول على أجندة هذه المنطقة بل وعلى أجندة العالم.

قضيتنا الفلسطينية قضية عبقرية، خلفت أنواعا عديدة من البطولة، بطولة المحاولة حين بدأنا رغم صعوبة الشروط، وبطولة الشهادة في أعلى صورها، وبطولة التقاط اللحظة السياسية في أجواء بالغة التعقيد، وبطولة ابتداع ما لم يكن مسبوقا مثل ثورة الحجارة، ولكن أرقى وجه من وجوه البطولة الذي أنتجته هذه القضية العبقرية هي بطولة الحوار، القدرة على الحوار، استمرار الحوار، أولوية الحوار، ثمار الحوار، جماليات الحوار، أخلاقيات الحوار، ثقافة الحوار، أدبيات الحوار، الحوار أولا والحوار أخيرا، فكم من ثورات وحركات وطنية في زماننا كانت لديها قضية أسهل من قضيتنا، وشروط أفضل من شروطنا، وإمكانيات أكبر من إمكانياتنا، ولكنها اندثرت، وانطمست، وغرقت في الموت والنسيان لا لشيء سوى أنها لم تمتلك هذه البطولة النادرة وهي بطولة الحوار.

كل من يقدم للحوار رشفة ماء فهو بطل، وكل من يقدم على طريق الحوار فكرة، أو اقتراحا، أو صيغة، أو حتى مجرد دعاء طالع من القلب فهو بطل، وكل من يؤمن بالحوار، ويدعو له، ويتصالح إلى نتائجه فهو بطل، أما كل من يضع في طريق الحوار لغما، أو صخرا، أو توترا، أو ضخة حقد، أو جرعة كراهية، فهو الشيطان.
إنني أتمنى أن يأتي قريبا جدا اليوم الذي يكرم فيه بعض كتابنا ومثقفينا ومبدعينا وسياسيينا بأوسمة تلمع على صدورهم لأنهم كانوا من رواد الحوار وناشطي الحوار، ودافعي الحوار إلى النجاح.

إننا شعب صغير ظلمته أيامه، وجارت عليه أقداره وتطاول عليه أعداؤه، وانتشر مثل حبوب اللقاح على امتداد الأرض تذروه الرياح العاصفة، وليس لنا من جبل نأوى إليه، وحضن نستدفئ فيه، وبوابة نعبرها إلى السلامة، وبداية ننطلق منها إلى صيانة الذات، سوى الحوار.

و مرة أخرى: شكرا لإذاعة صوت الشعب وإدارتها الشجاعة، وشكرا للإعلامي الشاب محمد المدهون، الذين من خلال استضافتهم أثاروا في كل هذه المعاني الجميلة عن الحوار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وول ستريت جورنال: إسرائيل تريد الدخول إلى رفح.. لكنّ الأمور


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق الحالية بين حماس




.. صحيفة يديعوت أحرونوت: إصابة جندي من وحدة -اليمام- خلال عملية


.. القوات الجوية الأوكرانية تعلن أنها دمرت 23 طائرة روسية موجّه




.. نتنياهو يعلن الإقرار بالإجماع قررت بالإجماع على إغلاق قناة ا