الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزهي عصور الفساد

إكرام يوسف

2008 / 10 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


لم تكن مفاجأة أن تحتل مصر الترتيب الخامس عشر بعد المائة، علي مؤشر مدركات الفساد الذي أعلن قبل أيام، لتسبقها في مستوي الشفافية، دول عربية، مثل قطر والإمارات وعمان والبحرين والأردن وتونس والكويت والمغرب والسعودية والجزائر وجيبوتي ولبنان.. ولم يكن مستغربا أن تسبقنا بلدان ربما لا يعرف الكثيرون منا أن لها وجودا علي خريطة العالم أصلا، مثل: سانت لويس وباربادوس، وساموا وبوتان وماكاو وبوتسوانا، وبورتريكو وسانت فنسنت وجرينادين، وليسوتو والجابون وبينين.
بل ربما كان المدهش أن تأتي 65 دولة بعد مصر علي المؤشر الذي يضم 180 دولة!.. تحصل كل دولة علي درجة تتراوح بين صفر (أكثر الدول فسادا) و عشرة درجات (أكثر دول المؤشر نظافة وشفافية).. وحصلت أم الدنيا علي 2.8 درجة .. يا الله! هناك 65 دولة أكثر فسادا منا.. (ذات مرة، لاحظ زميل أنني أتفنن في رؤية نصف الكوب الملئ، بينما الكوب مخروم أصلا ولا يحتوي أي سائل!).. في الحقيقة أمر مدهش، يجعلنا نشعر بالرضا ونطلق العنان للخيال، ونتصور حال 65 شعبا يعيشون في ظل ما هو أسوأ مما نعيش، ونحمد الله عملا بالمثل القائل "من شاف بلاوي غيره..."
غير أن مؤشر مدركات الفساد، الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية (منظمة أهلية دولية رائدة في مجال مكافحة الفساد، وفقا لما تقول وثائقها) بناء علي إحصائيات من 13 مصدرا مأخوذة من 11 مؤسسة مستقلة، لتقييم حجم الفساد في كل دولة، يشوبه ما يشوب التقييمات البشرية من عوار. وتدل تسميته علي كون ما يقدمه ليس أرقاما دقيقة عن حجم الظاهرة؛ وإنما مجرد الانطباعات العالمية إزاءها، مبنية علي دراسات أكاديمية وأرقام وخبرات ميدانية؛ أي أن التقييمات تعتمد علي تقديرات بشرية معظمها لرجال أعمال، فإذا وضعنا في الاعتبار مدي تمحور تقديرات رجال الأعمال حول ما يرون فيه مصالحهم، ربما نجد موقعنا قد تقهقر لمسافات أبعد علي المؤشر، إلا أنه يظل له قيمته من حيث كونه دلالة لها قيمتها. حيث يبني المؤشر علي آراء جملة من المختصين، ومن لديهم تجارب عملية في الدول المعنية مع غياب وسائل قياس أكثر دقة.
فمصر ـ ولله الحمد علي أي حال ـ تحيا أزهي عصور الفساد، حيث لا يكاد يغيب ولو ملمح واحد من ملامحه عن الساحة المصرية، وتجتمع فيها صور الفساد التي أشار تقرير منظمة الشفافية الدولية إلي وجودها في الدول الفقيرة والغنية معا، سواء عدم فاعلية الهيئات القضائية والرقابة البرلمانية في البلدان الفقيرة؛ أو ما تظهره البلدان الغنية من دلائل علي عدم كفاية تنظيم القطاع الخاص، من حيث معالجة الرشوة في الخارج من قبل هذه الدول، وضعف الرقابة علي المؤسسات والمعاملات المالية. ومصر.. يا سبحان الله جمعت بين الحسنيين!.
ولعل من أهم ما يلفت النظر في تقرير منظمة الشفافية الدولية أن البلدان الاسكندنافية ـ التي تتميز بالدور الفعال للدولة، والاقتصاد الموجه لتحقيق الرفاهة لغالبية المجتمع ـ تواصل منذ بداية إصدار المؤشر عام 1995 احتلالها مراكز متقدمة بين الدول الأكثر شفافية والأقل فسادا، بينما يتراجع أداء الدول الرأسمالية الكبري. وهو ما يدحض شعارات يطنطن بها أصدقاؤنا الليبراليون الجدد، ويصرون علي جرجرتنا عبر هذه الشعارات في طريق الفساد حتي نهايته.
وثانيا: أن التحسن في أداء بعض البلدان الغنية، مثل بلدان الخليج، ليس بالضرورة نتيجة زيادة مستوي الشفافية أو تراجع مستويات الفساد في هذه البلدان، فكلنا نسمع أنباء الفساد الذي تفوح روائحه في هذه البلدان وتطول أسماء كبيرة؛ كل ما في الأمر أن الفوائض البترولية الكبيرة تغطي علي ما يسببه الفساد من خسائر، ليتواصل التستر علي المشكلة إلي حين.. ولا شك أن العلاقات بين نافذين في هذه الأنظمة ومؤسسات رأسمالية كبري في دول الاستعمار الجديد، تزيد الطين بلة حيث يساهم نفوذ الكبار ـ عابري القوميات ـ في التغطية علي الكثير من الحقائق التي لاتتكشف، ولا تؤثر علي تقييم مستوي الشفافية في الدولة إلا عندما يختلف الكبار.
وثالثا: إن أي محاولات لتلميع الصورة أو تحسينها، لن تؤدي إلا إلي مزيد من تفاقم حالات التدهور التي تشهدها، مع استمرار سوس الفساد ينخر في عظام الوطن، وقيح الاستبداد ينتشر بين خلاياه، في ظل عجز بين للمؤسسات الرقابية، وغياب المشاركة الشعبية الحقيقية، واستمرار التزاوج بين السلطة المستبدة ورأس المال الملوث.
ومن ثم، فلا معني لأي حديث عن ارتفاع معدل النمو، أو وعود بتحقيق مستوي أداء اقتصادي يسمح بتوفير حياة كريمة لأبناء هذا الوطن، وسط التفنن في عرقلة ازدهار حرية التعبير الحقيقية، ووضع القيود علي حق وسائل الإعلام في الحصول علي المعلومة ونشرها، والتضييق علي حركة منظمات المجتمع المدني، وجميعها أدوات لتنمية المشاركة الشعبية إلي جانب صيانة مبدأ الفصل الحقيقي بين السلطات، وتفعيل الرقابة التشريعية الحقيقية، ودعم حصانة السلطة القضائية لضمان التطبيق الأمثل لمبدأ سيادة القانون








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن