الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من تاريخ البعث في السودان -حسن احمد عبد الهادي

عبد العزيز حسين الصاوي

2008 / 10 / 12
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


تفترض هذه السلسله المكونه من ثلاث مقالات ان للحركة القومية العربية السياسيه السودانية الحديثه موقعاً ما في تاريخ البلاد السياسي وبناء عليه ان تقديم مادة قد يتعذر العثور عليها لاحقا لدارسي التاريخ لارتباطها ببواكير نشأة الحركه، قد يكون مفيدا. وكما هو الحال مع شخصيتي المقالين السابقين ( محجوب الشيخ البشير وعبد الله محمد عبد الرحمن" الانفزبل " ) فان الغرض الاخر من توفير هذه المعلومات هو تنشيط ذاكرة من يعرفون عنهم اكثر مما يعرفه كاتب هذا المقال استكمالا لسير حياتهم بقدر الامكان.
ينتمي حسن احمد عبد الهادي الي اسرة خرطومية عريقه تنحدر علي الارجح من اوساط عرب العليقات في الحدود المشتركة بين مصر والسودان، قدر له ان يدخل تاريخ حزب البعث من بابين : عربيا كأول عضو سوداني معتمد رسميا فيه، وسودانيا كمنظم لاول خلية بعثيه سودانيه بتكليف من قيادة حزب البعث القوميه. قبل عام 1960/1961 كان هناك بعثيون سودانيون غير نظاميين. بؤر صغيرة متفرقة من شباب الثانويات والجامعات استجابت لمؤثرات سياسيه وفكريه قومية عربيه وصلت السودان أساساً في طيات الموجة الناصريه التي غمرت المجال العربي بكامله اثر الانتصار السياسي الكبير الذي حققته قيادة عبد الناصر علي العدوان الثلاثي الاسرائيلي- الفرنسي- البريطاني عام 1956 . وفي ظروف التلاقي الحميم ولكن العفوي، كما اتضح من تداعيه الكامل بعد بضعة اعوام، بين البعث والناصريه كان الاول يأتي محمولا علي اجنحة الثاني لاسيما الي بلد مثل السودان كانت القناة المصرية نافذته الكبري علي العالم عهد ذاك.
النقلة النوعية في العمل القومي العربي السوداني الحديث تحققت عندما التقت المجموعة الاساسية من جامعة القاهره فرع الخرطوم بمجموعة صغيرة في جامعة الخرطوم. خلال شهر العسل القصير بين حزب البعث العربي الاشتراكي والناصريه ( 56- 1960 ) كان الجو صافياً ومبشراً بأيناع بهيج للغرسة الوليده تستقي من فكر البعث وشعبية الناصريه ولكن تداعيات الطلاق غير الودي بينهما لم تلبث ان وصلت الساحة السودانيه ووجد ( البعثيون ) انفسهم محاصرين بناصرية في عنفوان سطوتها الجماهيريه مدعومة بتدخلات الاجهزة المصرية الرسمية في جامعة الفرع والسفاره وغيرهما وماخفي فيها وتحتها. وازداد الطين بلة للبعثيين القلائل كما ونوعا عندما حلت في الخرطوم وقتها شخصية فلسطينيه نشطة ومؤثره لتؤسس فرعا ل " حركة القوميين العرب " المنافسة تاريخيا لحزب البعث والمتحالفة انذاك مع الناصريه. دون عُدة من خبرة سياسيه وتنظيميه وفكريه وجدت المجموعة نفسها موزعة الجهود علي اكثر من جبهه لاسيما وانها انخرطت منذ البدايه بقوه في المعركة ضد دكتاتورية نوفمبر 58.
في هذه الفترة الحرجه كان ظهور حسن احمد عبد الهادي في افق البعثيين السودانيين انقاذي المعني مشّكلا النقلة النوعية الثانية بالنسبة لهم . شاب له من اسمه نصيب، هادئ ذو ملكات قيادية واضحه تمتزج فيها قدرة التأثير مع قدرة التنظيم علي قلة كلامه. بدأ دراسة الطب في جامعة بغداد منتصف الخمسينات ولعله كان اول سوداني يدرس في هذا البلد الطيب المعطاء كما يشهد الان الالاف المؤلفة من السودانيين الذين عملوا ودرسوا فيه. انتسب الي حزب البعث هناك وبعد سقوط الملكية عام 58 وانفجار الصراع بين القوميين والشيوعيين طرد مع مجموعة كبيرة من الطلبة العرب الي القاهره حيث واصل نشاطه في الحزب. جاء في زياته الاولي إبان العطلة الدراسيه بمجموعة من الكراسات والمجلات البعثيه. وهذه، مع مناقشات ومعلومات وارشادات حول قضايا التنظيم والفكر، ارتقت بمعارف مجموعة ( البعثيين علي طريقتهم ) بالحزب درجات ودرجات من مستوي شذرات كانوا قد التقطوها قبل وقوع الطلاق من اذاعة صوت العرب والمجلتان الاقرب الي الفكر المشرقي العربي وقتها روز اليوسف وصباح الخير. ولكن الاهم من كل ذلك ان حسن احمد عبد الهادي ارسي للمجموعة رأس جسر مع الحزب عبروا عليه الي متطلبات الالتزام البعثي الحقيقي. نظم خلال زيارتين اثناء العطلة الدراسية السنويه خليتين بعثيتين او ثلاث شكلت بداية حزب البعث الفعليه. في سلسلة اجتماعات بعضها في منزلهم الفسيح في قلب العاصمه جوار مستشفي الخرطوم المركزي وفي مكتب شقيقه المحامي او المحاسب تاج الدين علي شارع الجمهوريه امام بنك الخرطوم، التأم شمل بدر الدين مدثر وشوقي ملاسي ويوسف همت وسعيد حمور ومحمد سليمان الخليفه عبد الله التعايشي ونصر علي نصر والطاهر عوض الله ( جامعة القاهره الفرع ) ومحمد بشير ( جامعة الخرطوم ).
واصل حسن احمد عبد الهادي مهمة التأسيس البعثي في السودان وهو يدرس في القاهره من شقة في مصر الجديده كان يشاركه السكن فيها شابان سودانيان اخران. ومن ذلك انه رتب لكاتب المقال ( بعثة تدريبية ) تلقي فيها دروسه البعثية الاولي خلال اجازة له بمصر ابان العطلة الدراسية من جامعة الخرطوم عبر فرع طلابي عربي لحزب البعث في مصر وذلك في الخلية القيادية للتشكيلة البعثية العراقية ضمن الفرع التي كان اسم مسئولها صدام حسين .. نفس الشخصية التي اصبحت في التاريخ العراقي الحديث علما في رأسه نار. كان صدام قد لحق بمجموعة الطلبه العرب المطرودين من العراق قادما من سوريا بعد هروبه اليها من بغداد اثر اشتراكه في محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم عام 59 ، فيها نال الشهادة الثانويه والتحق بكلية الحقوق وسكن في حي " منيل الروضه" مع لاجئين بعثيين عراقيين اخرين. يتذكره كاتب المقال نحيفا علي وسامه وبعض طول يتكلم بتؤدة وعبر مسافة احترام بينه وبين اقرانه فيها ربما فارق السن، اذ التحق بالمدرسة في سن الحادية عشره، وفيها بالتأكيد اشعاع حزم ومضاء اراده لاتشي بهما ملامحه الهادئه وصوته الرتيب النغمه. وخلال لقاء جماعي لاحق في سياق نفس الخطه للتأثير علي عدد من طلبة جامعة الخرطوم ذوي الاتجاه القومي زاروا مصر ضمن رحلة جامعيه، سمع الحاضرون صدام يتنبأ لطالب الاقتصاد وقتها محمد علي جادين بمستقبل بعثي جيد لكونه " ابن ريف ". وفي هذا نظر ثاقب بلا ريب وان كان من المتعين القول بأن اختلافا جوهريا نشأ فيما بعد بين ( المتنبِئ) والمُتَنبَأ ( بفتح الباء ) بشأنه حول مواصفات البعثي الجيد بسبب المياه الكثيرة التي مرت تحت جسر البعث وغير البعث.
علي ان بقاء البعثيين العرب اللاجئين في القاهرة لم يطل. منذ 8 فبراير /شباط عام 1963 دخل حزب البعث العربي الاشتراكي تجربة السلطه بحظوظ لاتعرف التوسط فهو اما في قمتها او حضيضها ووجد حسن احمد عبد الهادي نفسه في قلب دوامة عراقية عاتيه. في ذلك العام استولي الحزب علي السلطة في العراق ليقفز اليها في سوريا ايضا بعد شهر فقط وبالتحديد 8 مارس/اذار 63. غير ان سلطة انقلابية المنشأ، كما دلت التجارب البعثية وغير البعثيه قطعيا، لايستقر قرارها الا عندما تقع في قبضة قابضه فأفلتت من يد البعث في العراق بعد ثمانية اشهر فقط ليعود اليها عام 68 بقبضة صدام الحديديه حتي عام 2003.. وافلتت من قبضة جناح في الحزب بسوريا لتقع في قبضة جناح حافظ الاسد الفولاذيه. هذه السلسلة من الانقلابات، وفي داخل كل منها كانت محاولات اصغر، اطلقت موجات متلاطمة من الخلافات والصراعات الملطخة بالدم احيانا بين البعثيين ابتلعت الكثيرين منهم لاسيما اولئك الذين كانوا في مسرح الاحداث نفسها مثل حسن احمد عبد الهادي. الي ذلك فقد كان البعثي السوداني الوحيد في قلب هذا الغليان العظيم ولعل ذلك ماجعل هذا الاختبار قاسيا عليه اكثر من الطاقه مقرونا مع ارتباطه بجناح بعثي يساري متطرف وافراط في الشراب نتج عن الضغوط. أنقطعت صلته وحتي اخباره عن رفاقه في السودان واتضح فيما بعد انه انقطع عن البعث نفسه واكمل دراسته في الطب بصعوبه وعاد ليستقر في مدينة بورتسودان. في السنوات الاخيرة من حياته نقل الي قسم القومسيون الطبي بوزارة الصحة في الخرطوم وتوفي اوائل عام 2005 إثر نوبة قلبية.
ابان فتره الانقطاع كان البعثيون السودانيون قد مروا بظروف كادت تشتت شملهم قبل ان يقفوا علي ارجلهم تماما لولا البداية الراكزه التي كان حسن احمد عبد الهادي محركها الرئيسي وخصوصية دور لكل من شوقي ملاسي وبدر الدين مدثر : الاول بتسخير علاقات سياسيه واجتماعيه اكبر كثيرا من حجمه كمحام ناشئ وقتها والثاني بهمة وقاده مع ذكاء سياسي حاد. نما بعث السودان سريعا بعد ان استقرت سلطة الحزب في العراق بحيث اضحي رقماً يؤبه له سودانيا في اواخر سنوات الدكتاتورية المايويه. خلال الاستراحة الديموقراطية القصيرة كالعاده 85 – 89 كان حسن احمد عبد الهادي قد ظهر ظهورا عابرا في الشاشة البعثيه في سياق محاولة مبتوره لتوثيق تاريخ الحزب تصويرا وكتابة مما جعل دوره المتميز في صناعة هذا التاريخ غير موثق بأستثناء هذه المحاولة المحدوده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاتح مايو 2024 في أفق الحروب الأهلية


.. السداسية العربية تصيغ ورقة لخريطة طريق تشمل 4 مراحل أولها عو




.. آخرهم ترامب.. كل حلفائك باعوك يا نتنياهو


.. -شريكة في الفظائع-.. السودان يتهم بريطانيا بعد ما حدث لـ-جلس




.. -اعتبارات سياسية داخلية-.. لماذا يصر نتنياهو على اجتياح رفح؟